السوريون محاصرون هذه الأيام بالسخاء والأسخياء .. سخاء في البكاء علينا ودموع..وسخاء في الانذارات والتهديدات وسخاء في التصريحات وسخاء في الفتاوى وسخاء في احتضان المؤتمرات المعارضة وسحب السفراء وسخاء في النصائح وسخاء في الاجتماعات والاتصالات لبحث تطلعات الشعب السوري..سخاء في شهود العيان وسخاء في التضليل والكذب وسخاء في التبرع بالسلاح للعصابات لانجاز “الحرية”..بل وسخاء في تقديم أبنائنا قرابين الحرية ..لكن سخاء فهمي هويدي بزّ الجميع عندما لخص ماتبرع به للحملة السورية بعبارة مختصرة هي( أن استعادة الشعب السوري كرامته هدف يهون من أجله “أي ثمن”)..أما عبارة أي ثمن فهي بالطبع تعني أنها مفتوحة بلا حدود..شيك مفتوح على بياض تبرع به هويدي من جيبه ..لايشبه هذا الجود في السخاء الا سخاء الملك فهد لتمويل عاصفة الصحراء على صدام حسين والذي قال لجيمس بيكر عندما أخرج الفاتورة من الملف لعرض التكاليف: لاداعي لعرضها فلا فاتورة بين الأصدقاء (اعترافات جيمس بيكر نفسه) ..أي بعبارة أخرى ..اقصموا ظهر صدام “بأي ثمن”..
عندما يكتب المثقفون هذه العبارات الطنانة (الحصول على حرية السوريين بأي ثمن) نعرف أننا لانزال ننتج ثقافة الانحطاط وثقافة الموت .. وأن كتاباتنا وانجازاتنا الفكرية الكبرى توقفت بعد انجازات شهرزاد في ألف ليلية وليلة بل كل ماأنتجناه بعدها كان مجرد اضافات لحكايا ألف ليلة وليلة .. وأن تخلف نهضتنا واعاقتها (كما هو وياللمفارقة عنوان كتاب عزمي بشارة عن النهضة المعاقة) ليس سببه أزمة السلطة بل أزمة الثقافة التي ينتجها لنا مثقفون على شاكلة فهمي هويدي ..لأن هذه النخب الفكرية والثقافية التي يمثلها كتاب كثيرون من بينهم هويدي لاتزال عاجزة عن الخروج من عقلية احتقار الحياة البشرية وتمجيد الموت الرخيص حتى لو أخذ شكل الانتحار الجماعي ..ولايصلح لها الا أن تسمى “الثقافة الزرقاء” لانتاج شعارات الاثارة والتهييج على مبدأ حبة الفياغرا..الزرقاء
ان الطامة الكبرى التي تحيق بنا هي اكتشاف أن عقلاءنا يحتاجون الى اعادة دراسة الأخلاق وعقلنة كتاباتهم، والأهم الى أنسنة (من انسانية) مشاريعهم، لأن هذه الطريقة في التعاطي مع الأزمات هي مايطلق العنان للفوضى بسبب أن كل الأطراف سترفع من سقف سخائها للوصول الى غاياتها بأي ثمن وستقاتل لتفوز بالنصر.. في تناول فهمي هويدي للأزمة السورية نتبين أن بعض الاقلام تزرع الألغام في طرقاتنا وتوزع السواطير بل أن هذه الأقلام هي السواطير التي ظهرت امتداداتها في شوارعنا..ولاأدري مالفرق بين ساطور كان يقطع الضحايا في حماة أو دير الزور وبين قلم (ساطور) فهمي هويدي ..حامل الساطور في دير الزور يكتب بالساطور بالضبط ماخطه فهمي هويدي بساطوره المثقف ..بل مالفرق بين كلمة هويدي “بأي ثمن” وفتوى القرضاوي “ومالو”؟؟ وماالفرق بين مايقوله هويدي وبين خطابات أمراء الحروب؟؟!!
ثقافة (أي ثمن) والسخاء بدماء الآخرين لانسمعها في أي خطاب غربي أو صادر عن كاتب أو مثقف أوروبي بل ان أي مشروع حتى لو كان حربا للتحرير يخضع كثيرا لحسابات الربح والخسارة والثمن الذي سيدفعه الناس ولاتوجد هناك فواتير (بأي ثمن) الا عند فهمي هويدي واسلامياته..لأن حياة الناس ملك أبيه وابناء الناس ذبائح يتقرب بها في العيد الى الله..
الشعب الأمريكي الغاضب والجريح أراد الثأر لضربة نيويورك لكن ليس بأي ثمن ..لأن الشعوب عندما تدفع الأثمان تراجع ثرثراتها النظرية وتحاسب من يدفعها لتسديد الفواتير ..والثمن الذي دفعه الأمريكيون في فييتنام أجبر قادتهم على التراجع رغم اذلال التراجع وانكسار الكرامة .. ودفع أوباما لأن يتعهد بالانسحاب من أفغانستان والعراق رغم الأهمية المعنوية لمفهوم الكرامة الأمريكية للبقاء في هذين البلدين..
ما يصدم هو أننا نزداد قناعة أن ما تعرضنا له في المنطقة لم يكن زلزالا سياسيا بل زلزالا معنويا هز هذا الكيان الثقافي للأمة فتداعت الأبنية والصروح الثقافية الكبيرة وانهارت الأهرامات الكبيرة من الأخلاقيات كأنها من رمل ولم يبق الا أعمدة تدمرية عالية متفرقة متناثرة.. وأن كذبة المثقفين الكبار هي كذبة نيسان الحقيقية ..فكثير من المفكرين تحطموا ورأينا هزالهم وخرجوا من تحت أنقاض الانهيارات أقزاما.. لأن من يدفع الناس لدفع أي ثمن لايرى كيف أن الله يخرج بنفسه الى الطرقات يكفكف أدمع الثكلى ويحضن صرخة الجرحى ويرمم الحيطان المهدمة ويعانق اليتامى..لأن فهمي هويدي لايدفع من جيبه ومن أمنه ومن أبنائه ..لذلك فهو يتبرع من دم السوريين وحياتهم ويدفعهم ليقاتلوا بعضهم من أجل نظرياته “الخضراء” المخضبة بالدم الأحمر
حقا ان بنياننا الثقافي هش أخلاقيا ويظهر أن الأمة تعاني من شيزوفرينيا غريبة يمكن ان نفهم من خلالها كيف عجزنا عن تحرير جزء من فلسطين وعجزنا عن فرض ثقافة الحرية على أنظمة الحكم طيلة عقود وكيف أننا نعيد انتاج الاستعمار وانتاج التفكك ..والطوائف..والحروب العبثية من حرب قادسية صدام الى أم المعارك الى أم الحواسم الى معاهدات السلام الكاريكاتيرية الى ثقافة حرية يروج لها رجل شبه أمي في قطر ورجل أمي في السعودية..ويحتضنها صهيوني فرنسي
فعندما يتبرع فهمي هويدي “بأي ثمن” من الشعب السوري لانجاز التغيير ولايتبرع بأي شيء لانجاز حتى عملية تجميل في السعودية أو الخليج أو تحرير الخليج العربي المحتل (وهي أرض تستدعي منه التضحية بأي ثمن كاسلامي يهلوس بمكة والقدس) فهذا يعني أن فهمي هويدي يفهم في لغة النفط وأسعاره..وانه اذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب “أسود”..ومن خام عربي خفيف..وثقيل.
عندما لانسمع من فهمي هويدي لغة وعبارة “أي ثمن” في سبيل تحرير فلسطين وفك حصار غزة ختى بعد اسقاط مبارك فاننا نعرف أننا على يقين أن هويدي هو من انتاج زمن ثقافة رثة وأمسيات “هل رأى الحب سكارى مثلنا” .
فهمي هويدي يستعرض مخاطر الاهتزاز في سوريا بالتفصيل ويدرك أن انزلاق البلاد الى الفوضى يعني كوارث بلا نهاية من الحروب الطائفية وملايين الضحايا من لبنان الى حدود ايران وداخل تركيا ..الى الدويلات المقسمة الى انشقاقات اقليمية وتصدعات كتلية والى صعود اسرائيل ..ومع هذا فحرية السوريين برأيه تستحق “أي ثمن”
والغريب أن من يتابع كتابات هويدي أثناء الاحتجاجات المصرية ويبحث عن كلمة (بأي ثمن) لن يجدها ..بل يجد حرصا على المجتمع وانتصار الثورة “بأقل التكاليف” دون تهديد المجتمع المصري وأمنه واستقراره..
أخيرا .. من يرقب خارطة سورية الطبيعية والوطن السوري القديم يدرك أن البحر الابيض المتوسط قد شق طريقه مبعدا بيديه أوروبا عن افريقيا واندفع نحو الشرق ولم يتوقف الا عندما أمسكته الجغرافيا السورية ووقفت في وجه اندفاعه نحو هذا الشرق .. وبقي هذا البحر اسير تلك الوقفة منذ آلاف السنين حبيسا في زنزانة أقفالها في سوريا فقط .. ان الشعب السوري الذي يمسك أقدار هذا الشرق كما تمسك جغرافيته بوجه البحر المتوسط يستحق أن نحافظ عليه وعلى أرضه ووحدتها ولاتستحق الحرية البرلمانية وقداسة صندوق الانتخاب أن نقايض سوريا ببطاقات انتخابية من أجل عيون أوباما وهنري ليفي وتمثيليات الأحزاب “الجمهورية والديمقراطية” وأحزاب حزب العمال والمحافظين ..وفياغرات فهمي هويدي ..
هذا الشرق العربي الذي يتدلى في الهاوية وتمسك به سوريا من يده لم تفعل عنتريات هويدي اي شيء لانقاذه عندما كان المحافظون الجدد يستريحون في رحلات صيدهم لدول الشرق في أحضان فهمي هويدي وبلدانه الاسلامية ولم يغضب هويدي من رقصة بوش في العرضة بالسيوف السعودية على جثة العراق.. ولذلك يستحق الشعب السوري أن نطلب منه أن يحافظ على سلامه وأن يحصل على نظامه السياسي الحر بأقل الخسائر..وأن يرمي ساطور فهمي هويدي في نهر العاصي..
———————————————–
فيلم عربي – الجزء الأول
يحكى أن أعرابيا كان يمتطي صهوة جواد أصيل قوي ويسير في الصحراء فاذا به يعثر على رجل تائه اضاع مضارب قبيلته والحي ..فما كان من هذا الأعرابي الا أن عرض على التائه أن يوصله الى مضارب اهله فوافق الرجل مسرورا..ووثب في الحال واعتلى ظهر الحصان خلف الأعرابي ..وفي الطريق قال الرجل للأعرابي: ان حصانك سريع …فضحك الأعرابي وأحس بالنشوة والسعادة..وبعد فترة قليلة قال الرجل للأعرابي: ان حصاننا سريع …فسرّ الأعرابي واغتبط من ثاني شهادة على أصالة جواده ..ولكن ماهي الا دقائق حتى دفع الرجل الأعرابي عن الحصان فوقع أرضا..ثم أمسك الرجل بعنان الحصان ووكزه فانطلق يجري كالريح وسمعه الأعرابي المذهول المنبطح على الأرض يقول: “ان حصاني سريع أيها الأعرابي”…ثم غاب مع الحصان الأصيل في الصحراء الذي كان يصهل بلا توقف (حرية ..ديمقراطية..وانتخابات) ..
الممثلون حسب الظهور:
الأعرابي: نظام حكم عربي
الحصان: شعب عربي ما
الرجل التائه الخبيث: برنار هنري ليفي..
التأليف: بنيامين نتنياهو
انتاج: اليمامة الفاسدة للأفلام (شركة بندر بن سلطان)
الاخراج: باراك أوباما
مساعد الاخراج: نيكولاي ساركوزي
الماكياج والمبيضات: الدكتور عزمي بشارة
الصوت والاضاءة: عبد الباري عطوان
الماكيير والاكسسوارات: أحمد داود أوغلو
شارك في التمثيل: أبو متعب، والفنان القدير رجب طيب أردوغان، الملك أبو حسين والطفل المعجزة سعدو الحريري
الأدوار الثانوية (كومبارس): محمد رياض الشقفة، هيثم المناع، هيثم المالح، عبد الحليم خدام..
حمل الكاميرات والتجهيزات: حمد آل خليفة..
وتشكر أسرة الفيلم السيدة موزة بنت مسند على تقديم الخدمات الفندقية وغيرها !!
فيلم عربي – الجزء الثاني
ينادي الأعرابي الرجل الذي هرب بالحصان ويتوسل اليه أن يسمع منه طلبه قبل أن يغيب في الصحراء ..فيتوقف الرجل ويستمع اليه من على البعد ..فيقول الأعرابي: لي طلب واحد منك أيها الرجل الغريب..وهو الا تقول قصتنا لأي شخص كيلا تموت النخوة والمروءة في الصحراء..ويمتنع الناس عن مساعدة بعضهم
وهنا السيناريو الحقيقي للقصة يقول ان الرجل أحس بالندم والخجل من شهامة هذا الأعرابي وحرصه على مروءة الصحراء فعاد أدراجه وأعاد اليه الحصان معتذرا..لكن بنيامين نتنياهو المؤلف يحذف المشهد الاخير عندما يعود الرجل معتذرا نادما ويضع السيناريو التالي:
ينادي الأعرابي الرجل الذي هرب بالحصان ويتوسل اليه أن يسمع منه طلبه قبل أن يغيب في الصحراء ..فيتوقف الرجل ويستمع اليه من على البعد ..فيقول الأعرابي: لي طلب واحد منك أيها الرجل الغريب..وهو الا تقول قصتنا لأي شخص كيلا تموت النخوة والمروءة في الصحراء..ويمتنع الناس عن مساعدة بعضهم ..وهنا يقول الرجل للأعرابي: لا لن أقول لأحد في الصحراء ليس لأنني حريص على المروءة أيها الغبي بل لأنني أريد أن آخذ كل الخيول الى حظيرتي ..وبعدها لايهم ان انتشرت القصة لأنه لن تبقى خيول ولافرسان ..ولن يسمع الصهيل في هذه الصحراء
ساطور فهمي هويدي
هذا المنشور نشر في المقالات وكلماته الدلالية فهمي هويدي, قطر, نارام سرجون, أمريكا, أوروبا, أردوغان, إسرائيل, اﻷخوان المسلمون, اﻹرهاب, القرضاوي, المعارضة السورية, الأسطول السادس, الثورة السورية, الجيش العربي السوري, الجزيرة, الرئيس اﻷسد, السعودية, الشرق اﻷوسط, الصحف, العرعور, بشار اﻷسد, تركيا, جماعات مسلحة, جسرالشغور, حمد, عبدالحليم خدام, عزمي بشارة. حفظ الرابط الثابت.