أظن ان الاعلام الغربي يظل جديرا بالاعجاب والاحتقار لأنه يبيع الناس قشر حلوى محشوة بالرمل .. سبب الاعجاب انه اعلام مرن متحول يصنع من البطل مجنونا ثم يجعله حكيما وفيلسوفا .. ولاتعرف ان كانت لك ذاكرة أي الصفتين هي الحقيقية .. الجنون ام الحكمة ؟؟ البطولة ام النذالة ؟؟ وهناك قدرة غير محدودة في لي ذراع الخبر والمعلومة لتقر انها لاتعني مايراه الناس بل ماتراه الماكينة الاعلامية .. ولكن الحق يقال انه يتفوق لأنه اعلام يعرف الناس معرفة جيدة ويعرف ان ذاكرة معظم الناس ضعيفة .. وهي أشبه بالظلام فهي لاترى الا حيث تكون بقعة الضوء ..
في بداية الاحداث السورية كانت شخصية السيد رامي مخلوف أساسية في توجيه الغضب الشعبي ضد الدولة والنظام وتم تقديمه على انه السبب الرئيسي وراء غضب الناس لأنه يستغل الغطاء العائلي لقرابته بالرئيس ويحتكر الاستثمارات وأنه بسبب ذلك أثرى ثراء فاحشا .. وقد بنى المعارضون كثيرا من أدبياتهم وذرائعهم على هذه الثنائية التي ربطت رامي مخلوف بسخطهم على الدولة ..
وكنت أسمع الجاسوس عزمي بشارة وهو يقول ذلك على الجزيرة ويلقن الثوار هذه الأدبيات .. وفي اليوم التالي كانت النداءات في الشوارع تشن هجوما لاذعا على الرئيس وعلى رامي مخلوف .. وبمراجعة بسيطة للاخبار التي كانت تنقل في اوساط المعارضة قبل الاحداث كان من الواضح ان هناك تركيزا ليس بريئا على هذه الشخصية “الاسطورية” التي تلتهم الاقتصاد السوري وتتسلط على رجال الاعمال ولاتعف عن الفقراء .. فيما تتعثر قطاعات الدولة الانتاجية بسبب افقارها لصالح مشاريع رامي مخلوف ..
وعندما ظهر الرجل في مقابلة يتيمة مع احدى وسائل الاعلام الغربية وقع في تصريحات ملتبسة لسبب بسيط انه غير مفوه سياسيا وليس برجل سياسة وقد لايعي حساسية التصريحات والكلمات .. ولكن المعارضة ظلت حتى هذه اللحظة تستثمر في تلك التصريحات البهلوانية وتعتبرها مرجعا من مراجع نظرياتها الثورية .. ومنذ تلك المقابلة اختفى الرجل منذ تلك اللحظة – وحسنا فعل – .. لكن اسمه ظل بارودا يرمى على النار كلما بردت رغم غيابه المطلق والتزامه الصمت المطبق ازاء كل الاحداث .. الا ان الاعلام الغربي والعربي والاخونجي عصر اسمه حتى آخر قطرة قبل وخلال وبعد الحرب واسنثمر فيه لاحداث ثقب في الذاكرة الوطنية .. وكأن كل انجازات سورية او عثراتها تمثلت في هذه الشخصية ..
وخلق الشخصيات الاشكالية وربطها باخفاقات الامة هي مهمة يسيرة على الاعلام الغربي .. فقد اختصر في مصر كل سيرة عبد الناصر وعظمته في انه وثق بعبد الحكيم عامر وبصلاح نصر وليس لأنه وثق بتعهدات امريكية وروسية مثبته بالوثائق ان اسرائيل لن تكون البادئة بأي حرب .. ولكن يستحيل ان نحاكم مرحلة كاملة من أجل رجلين لأن الدور المصري كان مستهدفا وسواء كان عامر او لم يكن او كان صلاح نصر ام لم يكن فان المخطط كان محكما لضرب تجربة عبد الناصر واهانته وتحجيم دور مصر التي خرجت كالمارد من قمقم حبست فيه 2500 سنة فكان لابد من اعادة المارد الى القمقم كي لا تتكرر تجربته وأمثولته في مصر .. والسادات عمليا هزم في حرب اكتوبر وحوصر الجيش الثالث في نهاية الحرب واقتربت الدبابات الاسرائيلية من القاهرة وكانت على بعد 101 كم منها (ومنها جاء اسم مفاوضات 101 لانهاء الحرب) أي أقرب الى القاهرة مما كانت عليه ايام هزيمة ناصر .. وسلم السادات قرار مصر لكامب ديفيد وبقيت ثلثا سيناء خارج السيادة العسكرية المصرية .. ولكن المارد المصري عاد الى قمقم أضغر من قمقم ال 2500 التي مضت .. ومع هذا يعامل السادات – قزم القمقم- على انه كان بطلا بلا أخطاء ..
ونفس الامر مع الرئيس صدام حسين .. فليس صدام حسين من كان مستهدفا بل الدور العراقي في المنطقة .. وسواء كان صدام حسين او لم يكن فان العراق كان سيضرب لأن الهدف كان عدم ترك مجال لتجربة طموحة .. ولو كان هناك اي رئيس غير صدام حسين ورفع نفس شعاراته ضد الغرب وضد الدولار فانه كان سيلقى نفس المصير .. وهو الأمر ذاته في ليبيا ..
في سورية هزم المشروع الغربي الى حد كبير لتفتيت سورية الى قطع ووصع كل قطعة في قمقم .. وظهرت دلالات تعافي الجسم السوري الوطني .. وكان من علامات تراجع الحرب ان الدولة صارت تلتفت للأموال الهائلة التي تكدست لدى تجار الحرب وأمراء الحرب وهم ظاهرة شاذة اذا بقيت فيما بعد الحرب بكل المقاييس .. ولو انها تحركت نحوهم أولا لعاد السيناريو القديم ان الدولة منحازة وتصنف الناس حسب اقترابهم من الرئيس .. وسيعود اسم رامي مخلوف للاستثمار فيه كناج من المحاسبة وهو فوق القانون .. ولكن الدولة بدأت به لأنها الآن رفعت الغطاء عن كل القائمة التي ستخضع لنفس المعاملة ولم يعد احد قادرا على المقارنة بينه وبين أحد .. وهذا يدل على ان الدولة تتعافى وصارت لها القوة الكافية لضبط القانون والاموال والحد من الاستثمار في الحرب وتصحيح اوضاع نشأت بشكل شاذ عن الحرب .. وغالبا ان ايام أمراء الحرب وأثرياءها صارت محدودة ..
وعندما ظهر فيديو للسيد رامي مخلوف بدا فيه من دون تلك الهالة من الأسطورة التي لاحقته وبدا رجلا عاديا وهو يشرح موقفه .. التقطت وسائل الاعلام الغربية الخبر واعادت طبخه في مطابخها لاسثماره من جديد .. واعادت توزيع الخبر بطعم جديد وبكثير من البهار .. واعادت نشر الكلمات في ترتيب مغاير وأضافت بعض الزرنيخ على الكلمات التي سنأكلها في الخبر.. ولاأستبعد ان يكون التافه فيصل القاسم يحضر حلقة سخيفة من برنامجه السخيف لمناقشة الامر والتهريج فيه والقاء بعض المقطوعات البذيئة التي عرف بتأليفها .. فالاعلام الغربي والمعادي عموما رأى ان تحرك الدولة نحو السيد رامي مخلوف سببه استشعار خطر التمرد والتململ في صفوف الموالين فقررت الدولة تقديم رامي مخلوف ككبش فداء للتخلص من الضغط الشعبي وامتصاص غضب الناس لان المعاناة الاقتصادية اشتدت وأن خطة ترامب قد آتت أكلها في تبديد التأييد الشعبي في صفوف الوطنيين السوريين والموالين للدولة وأن التفكك بدأ في معسكر الاسد الذي تتصارع فيه قوى الفساد وتلتهم بعضها .. وصار الشعب يريد اسقاط النظام ..
والغريب هو ماذا يجب ان نعمل لنرضي الاعلام الغربي والمحللين فان لم نحاسب رامي مخلوف قالوا اننا فاسدون وانتقائيون وخيار وفقوس وان الشعب يريد اسقاط النظام … وان حاسبناه قالوا لأنها ننهار لأننا نهزم اقتصاديا .. والشعب صار يريد اسقاط النظام .. فالاستحدام المزدوج لنفس الاسم وفي قضيتين مختلفيتين نحو غاية واحدة هو مايدل على ان بهارات الاعلام الغربي ليست قابلة للهضم وانها بلا فائدة غذائية ..
لست في سياق الدفاع عن أحد بل في سياق الدفاع عن ملحمة صنعت ولن نضيعها .. ولكن اذا أزلنا البهارات والاصباغ والسموم والزرنيخ عن تفسير الخبر فان الحقيقة هي ان الدولة تتحرك جديا بعد استقرار الامر للقانون لانهاء حالة الاثراء الفاحش ولكنها استفادت من الدرس القديم بأن الخصوم قد يحولون التحرك القانوني لاستعادة كثير من الاموال الفاسدة الى وسيلة للتحريض واستغلال الاسم والحلقة الاضعف وهو اسم رامي مخلوف على انه استثناء لايحقق العدالة وأن الدولة عوراء وغير عادلة (حتى وان كان اتهاما كيديا) وقد يتحول الامر الى تفسيرات طائفية من ان الدولة تريد نقل الاموال من يد طائفة الى يد طائفة ..
ومن أجل تجنب كل هذه الثرثرات المتوقعة كوسيلة خسيسة للدفاع قررت الدولة تجريد الخصوم من هذه الذريعة فاذا كان السيد رامي مخلوف خاضعا للقانون وسيسلم اموالا وضرائب وغرامات وفق قرارات رسمية ولايمكن الادعاء انه سيقدر على التهرب لأن سجلات المالية لن يمكن اخفاؤها .. فان هذا يعني أن على الباقين على القائمة الطويلة من الاثرياء الجدد وأثرياء الحرب – وهم ربما الأثرى – ان يبلوا ذقونهم للحلاقة .. ولاداعي للبهارات والزرنيخ وطبخ الحصى وايهام الناس ان توقيت الامر له علاقة بضعف الدولة وخوفها من ارتخاء الولاء لها .. بل الجقيقة هي انها أول علامات سطوة الدولة وتغلبها على عقبات الفساد .. وايضا علامة من علامات انحياز الدولة للفقراء دوما ..
قد يكون هناك من تفهم وجهة نظر السيد رامي مخلوف وخلافه القضائي مع الدولة او تعاطف معه وقد يتحمس الاخرون لخطوة الدولة ضده .. ولكن من وجهة نظري أظن أن هذا هو أول الجني .. وأن باقي الرؤوس أينعت .. وحان قطافها ..
============================
سؤال بريء قد يكون ملائما في سياق هذه المقالة: متى سيحاسب الرئيس التركي ابنه بلال وصهره بيرق اللذين صارا من اثرى اثرياء المنطقة ولاشك ان استعادة اموالهما سترضي الشعب التركي؟؟ .. طبعا يستحيل ان يفعل .. ومع هذا فانه سيبقي الرئيس المؤمن المؤتمن الذي لايأكل من أموال المسلمين ولايخصص عائلته بامتيازات .. .. ولكن من سيكترث لهذا السؤال من جميع المعارضين الذين بأكلون من لجم أكتاف بلال وبيرق ومن موائد السلطان؟
فرصة ذهبية للإعلام المعارض المسنود بالإعلام الغربي والممول بأموال الخليج لكي يبث سمومه كالعادة ويشوه سمعة سوريا أكثر وأكثر.
بهذه المناسبة أريد القول أن الفساد اللذي يتهمونا به هو منتشر ومتفشي في الغرب على نطاق واسع. لكن شعبنا يعتقد أن الغرب هو مثال الحرية والديمقراطية والنزاهة.
الفساد هنا متفشي على نطاق أوسع وعلى مستوى عالي لكن بطريقة ذكية ومغلفة.
لدينا أمثلة عديدة منها، اللوبيات الموجودة في البرلمان الأوروبي والتي تؤثر أو بالحري تجبر أوروبا بإتخاذ القرارات التي تتماش مع مصالحها الخاصة ، يعني فساد مغلف تحت أسم لوبي.
أما بالنسبة لفساد الدولة الفرنسية ( أتحدث عن فرنسا لأني هنا من ٢٥ سنة)
تجدونه في هذا الرابط الذي يصنف كل ملفات الفساد الكبرى ، طبعا فساد النواب أو السيناتور أو الوزراء غير موجودة بهذا الملف لأنها على نطاق أصغر من القضايا الكبرى.
https://fr.m.wikipedia.org/wiki/Liste_d%27affaires_politico-financi%C3%A8res_fran%C3%A7aises
انا لا أعرف عن السيد رامي مخلوف سوى الإتهامات والإشاعات. أريد هنا أن أقول بأن أغلب المشاريع هنا في فرنسا بيد خمسة رجال أعمال وهم :
Bolloré, Lagardère, Pinault, Niel , Drahi
والأخير دراهي هو فرنسي أسرائيلي ( وفهمكن كفاية)
لذلك علينا أن نكون معتدلين وأن لا نتسرع بالحكم على فلان أو فلان وأن نعمل على بناء سورتنا بكل حب وإخلاص.
من جريدة Orient le jour
اللبنانية مقالين خلال يومين!
https://www.lorientlejour.com/article/1216673/rami-makhlouf-reitere-ses-attaques-contre-les-services-de-securite.html
https://www.lorientlejour.com/article/1216531/syrie-un-homme-daffaires-controverse-cousin-du-president-interpelle-assad.html
طبعا لبنان دولة نزيهة ولا تعرف الفساد أبدا لذلك انقضت على هذا الحدث لتخبرنا عن الفساد في بلدنا.
وللله في خلقه شؤون!!
شكرا لك أستاذ نارام مع إحترامي .