كانت لاوروبة ملايين العيون وهي تراقب الاحداث السورية .. ولديها آذان كآذان الفيلة حجما وآذان الخفاش وهي تسمع مافوق الصوت وماتحت الصوت .. وترصد حتى دبيب المشاعر وتقرأ أفكار الناس وتصور الدموع وهي تتشكل في المآقي وتصبح جنينا يولد ويتدحرج من ارحام العيون .. ويبدو ان مقولة الخليفة عمر بن الخطاب هي التي كانت تجسد ضمير اعلام اوروبة فقد قال عمر: والله لو ان شاة عثرت في أرض العراق لسئل عنها عمر يوم القيامة .. وصار الاعلام الاوروبي يتدخل في عذابات اي شاة في أرض العراق وسورية .. كيلا يسأل عنها في يوم القيامة !!! .. ولذلك كان اعلام اوروبة يدخل السجون الموجودة وغير الموجودة ويفصل لنا في غرف سجن صيدنايا ونعرف كم فأرا فيه وكم مشنقة وماذا كتب على الجدران .. وكانت اوروبة ترسل المراسلين لتقصي الحقائق عن عذاب الديدان والبيئة في الحرب السورية .. ولكن في أحداث اميريكا اصيبت المواقع الرسمية الاوروبية بالصدمة والشلل من هول مايحدث في اميريكا .. وعقدت الدهشة لسان المواقع الالكترونية الشهيرة التي كانت تفيق صباحا على نهيق حمار في الصحراء السورية أو ثغاء نعجة في سهل حوران .. ويسهو عن عذابات البشر في كل العالم خاصة في فلسطين ..
أما اليوم فاننا نفتح المواقع الاوربية الشهيرة التي كانت تقدم لنا فنجان القهوة بالدم السوري والدموع الغزيرة .. فاذا بها اليوم تقدم برامجها وكأن مايحدث لايعنيها لأن حجم الاهتمام محدود والخوض في التفاصيل لايبدو عليه الحماس .. حتى أنني ظننت ان وزراء الاعلام السوريين السابقين كلهم يعملون الان في اوروبا وتأثرت أوروبة بعبقريتهم .. وظننت لوهلة ان الرئيس ميشال سليمان قد لقن الاوروبيين درسا في أصول (النأي بالنفس) وحاضر فيهم أستاذا لايعلى عليه .. فالمواقع الاوروبية تكاد تخلو من أخبار اميريكا الا من باب انها تنقل حوادث سيارات وأخبار النجوم .. وتذكرت حالة الصدمة التي عاشها الاعلام السوري في الأسابيع الاولى من التمرد الذي سمي الربيع العربي ..
الغريب ان اميريكا كانت تحترق والاعلام الاوروبي يتحدث عن أحداث اميريكا وكأنه سرحان عبد البصير .. اعلام مسكين يثير الشفقة والسخرية والاحتقار .. ولكن علمتنا هذه التجربة أن اوروبة لاتختلف كثيرا في تبعيتها لاميريكا عن تبعية لبنان لفرنسا .. فعندما تصبح اوروبة خرساء وعمياء وسرحان عبد البصير .. فعلينا ان نعلم ان عقدة التفوق الاوروبي الاخلاقي هي مجرد فقاعة .. وأسطورة … الأخلاق تقتضي ان الناس سواسية وان الألم على كونتا كنتي هو نفسه الالم على أي فتى فلسطيني وعلى اي مواطن سوري كان يمر تحت العذاب .. الذي كان يصوره الاوروبي على انه ولادة للحرية ..
اوروبة سقطت اخلاقيا منذ زمن طويل منذ ان دخلت اميريكا اليها بحذائها العسكري ابان الحرب العالمية الثانية ثم الحقتها بحديقتها وتصرفت بها كما تصرف أبو بكر البغدادي بسباياه .. ولم تخرج أميريكا من اوروبة من يومها .. الحذاء العسكري الأمريكي سحق كرامة اوروبة واستقلالها السياسي والاعلامي .. ومن فقد استقلاله فقد صوته وسقط اخلاقيا .. فقد تجلى السقوط الأخلاقي الاوروبي بتبعيتها لواشنطن في الصغيرة والكبيرة التي ظهرت في الحرب السورية حيث كان هناك اميريكا وظلها اوروبة .. وكان هناك صوت اميريكا وله صدى هو صوت اوروبة ..
اوروبة لاتختلف كثيرا في أزمتها الوطنية والأخلاقية عن العرب .. فهي ساقطة سياسية ومحتلة اراداتها .. ولذلك فهي منحطة أخلاقيا .. ولايعول على فاقد لشخصيته وبات مكرها على الصمت كالكلب .. او النباح كالكلب أيضا ..