يعلمنا تراث الشعوب وحكاياته قصصا كثيرة عن كل متجبر ان فوقه قوة تقهره وتتجبر عليه .. ولكننا لانراها الا عندما نعرضها للاختبار والامتحان .. ونحن درسنا في مدارسنا اننا ذقنا ويلات الاستعمار الذي كان يقسم خرائطنا وحاراتنا ويتبرع بأراضينا وأملاكنا لكل عابر طريق ..ويتسلى بتقطيع أوصالنا بسواطير الحدود .. ولاتزال اثار قلم سايكس وبيكو تمر على أصابعنا ولحمنا وتقطعه كالسكاكين الى هذه اللحظة التي تنزف فيها حدود الشرق من مرور تلك الاقلام على لحم الجغرافبا ..
والعرب المنفوطون في الخليج العربي في هذا الزمن لايزالون مستعمرين ويساقون كما كان يساق العبيد الى البيع في الأسواق او الى مزارع القطن الامريكية .. حيث يتم تغيير ولاية العهد في السعودية بقرار من موظف في البيت الابيض ويتم خلع أمير قطر الأب بقرار من وتوصية من أحد موظفي وزارة الخارجية .. أما في الاردن فان الملك المريض حسين يرسل في تابوت وهو يلفظ انفاسه االخيرة الى المملكة ليوقع على قرار تغيير ولي العهد ليوصي بالعرش لملك تم تصنيعه وتعليبه في احد مصانع الملوك والدمى في لندن .. ثم يموت الملك حسين وهو ينفذ الأمر البريطاني الذين كان قد جهز الشحنة الملكية الجيدة وسماها الملك (عبدالله الثاني) وأرسلها لتحكم بلدا لم يعش فيها الا اشهرا كأي سائح .. ولم يكن قادرا على نطق لغتها الا كأي متعلم للغة من كتب (تعلم العربية في خمسة ايام) .. أما الملكة الاردنية اليزابيث الحلبي الامريكية فتعود الى قواعدها في اميريكا سالمة وتحصل على مرتباتها الملكية من الشعب الاردني وتنفقها في ولايات اميريكا .. باسم (الملكة الأم) .. في استنساخ بليد لنموذج الحكم البريطاني رغم ان الملكة الام في بريطانيا تعيش في بريطانيا ..وليس في الأردن !!
ولكن لم نكن نعلم أن الاستعمار نفسه لديه من يستعمره أيضا .. ففرنسا كانت تحتل الشرق وشمال افريقيا .. واذا بها تتعرض للاحتلال الالماني ويستعرض النازيون جنودهم تحت قوس النصر ويلتقط هتلر صورة تذكارية لاتنسى خلفه برج ايفيل .. وفي بريطانيا فان الأمريكيين هم من يقرر سياسة بريطانيا .. فهناك استعمار أمريكي خفي للقرار البريطاني الذي تحول الى مساعد جراح أو ممرض في عمليات اميريكا الجراحية السياسية .. وبريطانيا التي قسمت الشرق زمن سايكس بيكو تتعرض اليوم لاستعمار اللوبي الصهيوني الذي يضع ركبته على عنقها من اميريكا .. ولاتستطيع التنفس مثل جورج فلويد ..
فعندما يقرر زعيم حزب العمال جيريمي كوربن الاستقلال بالقرار البريطاني لأول مرة عن سياسة اميريكا ويقرر لأول مرة ان يدين اسرائيل .. تطحنه الماكينة الاعلامية كما يطحن البن او الطحين وتتم الاطاحة به في انتخابات تذله وتذل حزبه لأنه يتهم بأنه معاد للسامية .. فقد تمت عملية تحريض الشارع البريطاني عليه الى درجة ان الناس الفقراء هم من صوت ضده رغم انه كان مرشح اليسار ومرشح الفقراء لأن الدهماء صارت تراه خطرا كما أملت عليها وأقنعتها وسائل الاعلام ..
واليوم أرسل لي مغترب بريطاني خبرا عن أن وريثة جيريمي كوربن في الاتجاه اليساري تمت تنحيتها كوزيرة للتعليم في حكومة الظل البريطانية وبسرعة البرق لأنها فقط اشارت الى منشور يربط مابين تدريب الشرطة العنصري في أميريكا واسرائيل في قضية (المرحوم) جورج فلويد .. ولم تتحمل اللوبيات الصهيونية في العالم هذه الحرية في التعبير فطارت الوزيرة في خلال ساعات .. رغم ابدائها الندم والألم وطلب الرحمة والمغفرة .. وتطهّر حزب العمال البريطاني من هذا الاثم وهذه اللوثة والكفر البراح وغسل يديه منها كما غسل بيلاطس يديه من دم السيد المسيح ..
في كل يوم نصل الى استنتاج ان فوق كل ذي استعمار مستعمر .. فالبريطانيون لهم مستعمراتهم ولكن البريطانيين مستعمرون بأميريكا .. واميريكا مستعمرة برجال المال وانصار اسرائيل .. وهذا يدلنا ايضا على ان القيم التي يصدرها المستعمرون لاتصلح للاستعمال .. فقيمة الحرية والديقراطية التي تصدر الينا على انها بضاعة لاتقهر ولاتمسها الايدي الديكتاتورية ثبت انها لاتعمل في اوروبة .. فكيف تكون حرّا وديمقراطيا وأنت لاتقدر على ان تمارس الحرية وتكون ديقراطيتك مؤجلة ومعلقة اذا ماوصل قرار اعفاء الوزيرة بهاتف من اميريكا ؟؟
وفي كل يوم نكتشف ان هناك فرقا بين الاستعمار والاستحمار .. فالمستحمرون (بفتح الميم) هو نحن من الشعوب التي تصدق حكاية الحرية والديمقراطية ونحن نرى بأم أعيننا ان مجرد تعبير عن رأي حقيقي قد يستدعي الاطاحة برأس زعيم ووزير .. وكما كان داعش يعلن على الملأ العقوبة ويرغم الناس على حضور الاعدام وقطع الرأس للمخالفين .. فان داعش الديمقراطية الغربية تعلن على الملأ قرار اعدام السياسي الذي يتحداها .. وتقطع رأسه سياسيا وتقرأ على الناس تهمته (انه معاد للسامية) كي يكون عبرة لمن يعتبر وكي يتهم ترهيب الناس برأسه الذي تدحرج في سلة العزل والاقصاء والقضاء المبرم على مستقبلة السياسي الى الابد ..
تبا لك أيتها الامم المستعمرة (بفتح الميم) والمستعمرة (بكسر الميم) .. وتبا لك ايتها الامم المستحمرة (بفتح الميم) والمستحمرة (بكسر الميم) لأنه لافرق على مايبدو بين فتح الميم وكسرها في السياسة .. فالكل مستعمر ومستحمر (بفتح الميم لكليهما) .. ففوق كل ذي علم عليم .. وفوق كل ذي عبد عبد ذو ثمن بخس جدا ..