كنت دائما أرى في قبائل الخليج عار هذه ” الأمة ” ، و مهد عارها ، و لم أمنع نفسي عن الشعور بالنفور من أخويتهم كل مرة أرقب فيها أعمالهم و مواقفهم ، أخويتهم التي لم تتجاوز يوما حدود العاطفة المقززة المبثوثة في الكتب و الخطاب الإعلامي كمحاولة لاستثارة الحماس الخالي من المضمون و تكريس قرابة لا تمت للواقع بصلة .. إن التاريخ و الدين و الدم ” و حتى لحم الخنزير ” كان لها دائما حكاية أخرى تفعل غير المرجو من ذكرها و تردادها كعوامل مقربة ، و قد يظهر هنا ما في لفظة ” أمة ” من التباس فهي ليست جامعة و مكوناتها لم تقبل الاجتماع يوما ، هذه حقيقة و ليست تهمة أو تعديا على مقدس ، إنها في واقعنا لفظة منقوصة المعنى و تكاد أن تكون مصطلحا لا يدل على شئ يعتد به في معايير وجود الأمم و إذا ما قصد بها للدلالة على الأكثرية عددا فمعناها وقتئذ يستدعي الخجل لا أكثر ، أقول هذا و أنا أعلم أن ما هدف إليه أعداؤنا هو إضفاء صفة اللامعنى و العبث على وجودنا من خلال ما تظهره الأغلبية المجنونة من أتباع القبائل ، و أقول هذا و لا شئ يثني يقيني الذي تأكد بأضعاف خلال السنوات الأخيرة من وجود أمة أصيلة حية تمثلها قلة أخلاقية إنسانية مقاومة منتشرة بإرادة ما في كل الأرض العربية ، قلة لا تؤخذ بالأديان كما تؤخذ بالعروبة و لا تؤخذ بالعروبة كما تؤخذ بالإنسانية بكل بهائها مجلية صفات الكرامة و التضحية ، هي فقط ما يعتد به و لا عبرة أبدا بالكثرة التي كما قال نيتشه ” الكثرة تغلب ” .. الكثرة عندنا الأشبه بالحشرات التي وجودها يحجب الضوء الذي يكفي منه أن يظهر شعاع
لبنان هو امتداد لذلك العار ، هو خلاصته و أبرز تجلياته و مثال مصغر عن القبلي العبد كائنا ما كان دينه ، و لكي تنظر إلى لبنان ” العار ” عليك أولا أن تبعد جانبا تيار المقاومة الأشبه بخمار جميل ، خمار من ذهب ، ألقي عنوة على وجه امرأة قبيح ، فترى لبنان بأسره يبدو كالمؤامرة ، كإسرائيل الفكرة المزروعة لتثبيت الفتن
سأقتصر بكلامي السريع على نخبه لأنهم الصفوة و الزبدة التي تسارع للظهور إثر كل خضة يتعرض لها ذلك الخليط المتجانس من أحط الأخلاق الذي تسوده البلاهة كسمة بارزة ، النخب اللبنانية تظهر البلاهة مجسدة ككائن حي ، بله في تصريحاتهم و بله في عنترياتهم و في ابتساماتهم التي يتصنعونها ليزيدوا مريديهم افتتانا ، يتفقهون بالكرامة و هم رموز للتبعية ، يحاضرون بالديمقراطية و ينتقدونها لدى الآخرين و أحزابهم تورث للولد و لولد الولد ، يسعون للظهور بمظهر الإنسان المتحضر و ترحيل زبالتهم يخضع للتوازنات الطائفية .. في لبنان إذا كان البواب من طائفة ما فعلى الباب أو الشباك أن يكون من الطائفة الأخرى و إلا اهتز توازن العالم و تعرضت ” الحالة اللبنانية النموذج ” التي يفاخرون بها للخطر ، إذا تحدث أحدهم في شأن ما فعليه أن يقحم كلامه بمفردة أجنبية فيشعر الحاضرون أنهم من سكان باريس أو لندن و تغمرهم حالة من الفرحة و الرقي
ربما لا حاجة لذكر المزيد من تفاهاتهم المعهودة و لكن استوقفني في الأمس خبر تجمع بعض اللبنانيين أمام السفارة الأمريكية و هم يرفعون علم أمريكا بفخر تعبيرا منهم عن رفضهم ” للتوجه شرقا ” رغم أن أمريكا لم تقدم يوما لهم أي مساعدة تدعم اقتصادهم أو قوتهم و لمطالبتها بتطبيق القرار الخاص بنزع سلاح المقاومة ، الذي بما يعنيه يمثل مصدر شرفهم الأوحد ، كأن الشرف عبء ثقيل لا يحتمله اللبناني ، حدث هذا في ذات اليوم الذي كان يحرق فيه العلم في أحد شوارع أمريكا في ذكرى استقلالها ، دون مقارنة بين الحدثين و لكن كإشارة لمدى السخف الذي يتشبع به الطبع اللبناني و الذي أصبح كغريزة أساسية لا يستوي وجودهم بدونها ، و تلاحظ عندهم حالة عجيبة تثير الاشمئزاز هي أنهم في اندفاعهم الدائم للتعبير عن تبعيتهم يشعرون بشئ من التملك ، التبعية تزيدهم شعورا بالقوة
كان التمهيد الإعلامي لقيصر يترافق مع إجراءات فعلية على الأرض تمثلت في جانب منها بأخذ لبنان كله بأيد لبنانية نحو الانهيار الاقتصادي ، أخلي المركزي اللبناني من الدولار و أختفت الودائع و أوقف تمويل القطاعات الحيوية كالدواء و الوقود حتى وصل الأمر بنبيه بري أن طالب مرتين زعيم المركزي بمعرفة مصير الودائع ، تم هذا ترافقا مع احتجاجات شعبية محقة رفعت إحداها شعارا رائعا ” لا لحكم المصرف ” قبل أن تبتلعها المطالب المذهبية و السياسية التي لا تمت لأزمة لبنان المتفاقمة بصلة ، و تمت تغطية أفعال رياض سلامة ثلاث مرات تباعا و تم إفراغ قرار المحاسبة من مضمونه حتى صار فكرة تهدد السلم الأهلي .. الأولى حين صرح الحريري الزعيم الفذ أبو السنة أن رياض سلامة خط أحمر ، و الثانية حين زار البطرك رئيس الحكومة و حدثه بمنطق الأب الروحي الواعي بأنه من غير المقبول أن تحتمل طائفة بعينها يمثلها سلامة مسؤولية الفساد الذي كان سائدا لعقود ، و الثالثة حين هددت سفيرة أمريكا بأن أي مس بموقع سلامة سيتسبب بعواقب كارثية على لبنان .. لا حاجة لذكر أخبار لبنان افتح على أي وسيلة إعلامية و استمع لذات الأخبار التي كنت تسمعها منذ أن كنت حديث السن أنت أو أباك لا فرق
كان جبران خليل جبران يسمي ” الأمة السورية ” في بعض لحظاته الوجدانية و كان يصف طبيعة لبنان في عزلته في سياق انجذابه الروحي لطبيعة سورية الكبرى المقدسة لديه .. هنا في زمن الأقزام لا مكان لروح جبران ، حيث برع اللبنانيون في ممارسة أشد أنواع الغباء و حب تدمير الذات حين لم يتركوا مناسبة إلا استغلوها للتهجم على سورية و التزموا بكل طواعية بخطة الحرب المحكمة عليها و كانت سياسة النأي بالنفس الأشبه باستمناء معتوه و ما يرجونه منها بإلحاق الضرر بها رغم الدمار الملحق بكيانهم
قال أحد المنظرين اللبنانيين في مقابلة معه إن التعامل مع الصين سيجعلها تستفيد من الخبرات اللبنانية
بعد أن أبعدت تيار المقاومة و رأيت ما يحدث هناك و لو فكرت بالحل المجدي الوحيد لقلت على الفور إن لبنان يجب احتلاله
…………………
كما العادة حين الحديث في أي شأن يخصنا نحن العرب يجب التنويه و الملاحظة و إلا وقع المرء في قبضة أصحاب الفكر المتقدم
ملاحظة :
– أقصد بالقبيلة الطباع و الأخلاقيات و ليس القومية أو العرق
– كل الخير للبنان كان الله في عون المقاومة