الصراع العربي التركي بعد الصراع العربي الفارسي .. صناعة الصراعات البديلة لاسرائيل – بقلم: نارام سرجون

يستطيع الزعماء في كل الامم ان يدغدغوا مشاعر العامة والنخب بالوعود والاحلام .. فليس أجمل من الوعود وليس أسهل منها على السياسة .. قد ينجح البعض وقد يفشل البعض .. لكن من حقنا ان نسأل ان كان الحلم التركي واقعيا كي يجر خلفه ملايين الاتراك والعرب الذين يصدقون مشروع اردوغان .. ومن حقنا أيضا ان نبحث في اسباب هذا التوقيت لاطلاق الحلم العثماني ..

من الواضح ان المشروع العربي الاول الذي تصدى لاسرائيل هو المشروع الاهم في المنطقة العربية سواء نهض الاسلاميون ام الشيوعيون ام الليبراليون لأن تناقض اسرائيل الرئيسي ليس مع الشيوعيين ولا الملكيين .. وفشل التيار الاسلامي في الربيع العربي في اظهار انه أهل لهذه المواجهة لأنه أميل للتناقضات البينية الاسلامية .. وهذا ماجعل ايران قادرة على الاستمرار في الصراع كحالة اسلامية لأن تحالفها مع سورية كان تحالفا مع تيار قومي لاينافسها في مزاجها الاسلامي ولاتنافسه في مجاله القومي على عكس التيارات الاسلامية التي وجدت ان الدين يجمعها باليهودية اكثر من القومية كهوية لايميل اليها الاسلاميون وتوترون لدى سماعها كهوية تهدد الدين ..

201939221641797QQ

ولكن المشروع العربي تم تفكيكه بالصراعات الجانبية والصراع مع التيارات الدينية السنية والشيعية ثم اشغاله بالصراع مع ايران منذ الثمانينات .. ففي الثمانينات اشتغل العرب بكل طاقتهم في الصراع العربي الفارسي .. وكان العقل العربي منشغلا جدا بالخطر الفارسي .. ولم يكن مهما من يبدأ الصراع في عيون الغرب .. سواء ايران المنتشية بثورتها والتي تملك مشروعية الثورة بالخروج خارج الحدود ام من العرب المتوترين النزقين القلقين من تسونامي الخمينية .. وكان لابد للثورة الايرانية وبشكل حتمي من ان تكتشف ان الانتشار العربي لها هو طريقها الى كل العالم الاسلامي .. لأن اكثر واقرب كتلة سكانية من ايران هي الكتلة العربية .. ولذلك نجد ان ذات العرب كانوا جميعا منخرطين في الصراع العربي الفارسي ضد ايران الخمينية الثائرة .. العراق ومصر والسودان والسعودية والخليج العربي .. وتم امتصاص القوتين المتصارعتين (الايرانية والعربية) اللتين نال منهما الاعياء مانال بعد سنوات طويلة من الحرب بينهما وضع العرب في كل أموالهم وجهدهم وابنائهم .. وقد وصل الانهاك بالطرفين انهما لم يعودا قادرين على استمرار الصراع الا بعد استراحة طويلة ..

بقيت في المنطقة قوة أخرى يمكن ان تفيد الغرب في اطلاق صراع جديد يستهلك القوة الكامنة الباقية في تركيا ويشاغل العرب أيضا ويستهلك مابقي لديهم من مال وقوة .. فأطلقت الثورة الاردوغانية الناعمة لتوازي الثورة الخمينية الخشنة .. وكان لابد للمشروع التركي من أن يصطدم بالعرب أيضا لأن المشروع التركي لايمكن ان يقوم في البقلفان بل لايمكن ان يحيا الا بالصدام مع العرب على أرضهم فهو قائم على ازاحة العرب من الخارطة السياسية والحاقهم بتركيا التي يستحيل ان تعود الى أمجادها دون السيطرة على العنصر العربي الذي كان عماد الجيوش العثمانية في الغزوات ..

ولذلك ظهرت تركيا بمشروعها العثماني الذي وان تناقض مع ايران كثيرا وبدا خصما لها .. الا ان ذلك لايستدعي الصراع بينهما لأن ايران لم تكن دعامة الامبراطورية العثمانية وليس لتركيا تركة في جغرافية وتاريخية في ايران وسكانها تدعي انهما ملكتهم يوما .. فليس لها جذور في ايران .. بل جذورها مبتورة في الارض العربية ..

ومن الواضح لكل باحث ومراقب ان تركيا ان تشممت رائحة الماضي فلن تتشممه الا في المشرق العربي .. ولذلك تم وضع طعم لها في الشرق سال له لعابها عندما تشممت رائحة الخلافة العثمانية عبر التنظيمات الاخوانية التي انتشرت في المنطقة تبحث عن حلم الخلافة .. أي خلافة ..

تركيا اليوم تستعيد ماحدث مابين ايران والعرب في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي .. فالعرب انشغلوا بايران واصطدموا بها مباشرة في الثمانينات والتسعينات .. واليوم نجح الغرب في اخراج تركيا من مغارتها كالدب الذي تشمم رائحة الطعام .. وقد بدأت المغامرة الاردوغانية في الربيع العربي وانتشت تركيا بثورتها الاخوانية وظنت انها أمسكت بالشرق (كما أحست ايران ابان ثورتها) .. ولكن تحول كل الشرق الى مناخ معاد لها ومتوتر ونزق .. ونجح الغرب في صنع الصراع العربي التركي على غرار الصراع العربي الفارسي في الثمانينات مع فارق ان الصراع العربي الفارسي اختلقه العرب وصنعه العرب واعتدوا به على ايران .. أما في الصراع العربي التركي فان تركيا هي التي اعتدت وهي التي صنعته بكل تفاصيله ومساميره وبراغيه وكل قطعه ..

التركي اليوم قد ينتشي وهو يرى تركيا تصل الى الخليج العربي المحتل وتصل الى البحر الاحمر والى ليبيا وسورية والعراق واذربيجان .. ويعيد أياصوفيا الى حظيرة المساجد .. ولكن هل فكر التركي كيف ان صانع الصراعات الماهر في الغرب جعله يحارب ماحاربته ايران علاوة على القوى التي لم تحارب ايران .. فالصراع العربي التركي تنخرط فيه سورية والعراق والسعودية والخليج (باستثناء قطر) ومصر وليبيا والجزائر التي بدأت تتوجس من طموحات تركيا وشطحاتها في احلامها ..
قد يظن البعض ان تركيا عزيزة على قلب اميريكا لانها القوة الرئيسية في الناتو بعد الولايات المتحدة ولن تسمح بهزيمتها .. ولكن هذا في منتهى السذاجة .. لان اميريكا لاتفكر بهذه الطريقة .. فهي تستعمل تركيا كما يستعمل الانتحاري بحزام ناسف لفتح ثغرة .. فتركيا بلد اسلامي في النهاية وستنهك العرب وسيصيبها الانهاك منهم .. وسيكون الطرفان المنهكان أفضل لاميريكا لأنها ستعيد تشكيل التوازن الذي تريده بعد نهاية الصراع .. وهي لن تخسر تركيا بل ستكون تركيا اكثر ضعفا وأكثر ولاء ولكن الثمن الذي ستجنيه اميريكا واسرائيل من هذه المعركة الدونكيشوتية العثمانية لايقدر بثمن .. لأن السلاح الامريكي في الصراع هو الذي سيباع للطرفين وسيكون الصراع تحت اشراف الاميريكيين الذين يبتزون الطرفين .. كما ان العرب سيكونون أكثر ضعفا ومشتتين أكثر في اي معادلة اسرائيلية ..

لذلك يجب ألا نستغرب من وصول اردوغان بهذه الطريقة الهوليوودية الى السلطة في تركيا وبقائه في فترة الربيع العربي ومابعد الربيع رغم كل العداء الظاهري له في الغرب لأن مهمته لم تكتمل بعد بالنسبة الى صناع الصراعات في اميريكا وبريطانيا والغرب عموما .. ولكنها المرحلة الاخيرة التي سيتقرر بعدها الدور الثاني لتركيا .. بعد اردوغان أو الاردوغانية ..
بعد مرحلة الربيع العربي دخلت المنطقة الصراع العربي التركي بكل معنى الكلمة الذي لن يحل محل الصراع العربي الفارسي بل سيتقدم عليه قليلا .. وهو صراع مفتوح لن تنتصر فيه تركيا حتما لكنها ستسبب الاذى الكبير للشرق ولنفسها

قدر هذا الشرق ان يكون معملا للصراعات والاختبارات والانفجارات وجزء من هذا القدر – بل الجزء الاكبر – سيكون بسبب أبناء هذا الشرق الذين لم يتعلموا اي درس من دروس التاريخ .. حتى التاريخ مل من اعطائهم الدروس .. وسينهض متضجرا من هذه الامم الأمّيّة التي لاتحب دروس التاريخ .. وتنام في حصة التاريخ .. وتتعلم من مهرجين دروس التاريخ  .. ولذلك سينهض التاريخ ويغادرنا ويتركنا بلا كراسات ولاكتب .. فماحاجتنا للكتب والكراسات اذا كنا ننام في حصص التاريخ منذ قرن كامل وسجلنا مليء بالغياب؟؟

هذا المنشور نشر في المقالات, بقلم: نارام سرجون. حفظ الرابط الثابت.

4 Responses to الصراع العربي التركي بعد الصراع العربي الفارسي .. صناعة الصراعات البديلة لاسرائيل – بقلم: نارام سرجون

  1. د عماد كتب:

    اعتقد ان القيادة السورية اخطات واضاعت فرصة هامة عندما لم تعمل على اعادة تنشيط الشعور القومي العربي عند بداية وضوح الصورة ان سورية تتعرض لحرب ناتوية خبيثة اي بعد سنة او سنتين من بداية الحرب عليها . كان هناك الكثير من القوميين العرب بحاجة لمن يجمعهم تحت رايته ويشكل جيش قومي عربي ثقافي وحتى عسكري الى جانب المتطوعين من حزب الله وايران وبعض الفلسطينين الشرفاء. ولكن الرئيس الاسد لم يفعل. اعتقد انها فرصة ضائعة لو استغلتها القيادة السورية لكان وضع القومية العربية افضل ووضع سورية افضل بكثير ولكان الرئيس بشار الاسد كما عبد الناصر يامر الملايين من الشعب العربي ويتحدئ اردوغان بشكل اكثر فعالية من الوضع الحالي.

  2. غ ر كتب:

    د عماد على:
    مع كل الاحترام.

    اين كانت الدول “العربية” والشعوب والاخلاق؟
    لا اتعجب ان اسمع كلام بعيد عن الواقع. صمود سوريا صمود اسطوري ومن اكبر غلط ان نلوم الرئيس الدكتور بشار الاسد على ما فعل او لا يفعل. اللوم نتيجت اللاوعي لما حصل ضد سوريا بعد ان تكالبت معظم الدول في العالم على سوريا وللاسف الشديد تكالبت الدول العربية،نسبيا ،بفعلها واموالها وصمتها النتن-الخبيثة والجبان وبعد كل هذا، صمدت سوريا بشعبها الوطني(شعب، جيش، قيادة) اولا وحلفائها الشرفاء.

    معظم الشعوب العربية لا تقراء، عقولها مغسولة وكوماتوس. بعد تراكم الجهل لسنين؛ الطاقة المطلوبة لمكافحة هذا الجهل كان يتطلب وحدة دول في وئام واموال واعلام وجهود كبيرة. اكرر المطلوب ان تكون الشعوب على ذات المستوا من الوعي.

    هل نعلم من هوا عدونا؟؟؟
    وللاسف أين كانت وأين هي “ام الدنيا” وغيرها الان من هذا الوعي؟؟؟

    شكرا لكم

  3. CAPITAL DZ كتب:

    MERCI MR SERJUN

  4. التنبيهات: الصراع العربي التركي بعد الصراع العربي الفارسي .. صناعة الصراعات البديلة لاسرائيل – بقلم: نارام سرجون — نارام سرجون | Mon site officiel / My official website

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s