لا تخضع الأمم للزوال إلا بزوال إدراكها لطبيعة الحقيقة التي تجعلها أسيرة خلافاتها الجذرية لأن الأمم لاتشرق على الوجود إن كانت سجينة الإقتتال البيني والاجتماعي كما لا يحق لمن يعمق الخلافات والتباعد البيني بين فئات الأمة أن يتحدث باسم الأمة بل هو يتحدث باسم مزاجه فقط إن الأمم لاتقوم إلا بالعقول وليس بالجهل ولايحق لأيا كان أن يحاضر بالإنتماء وهو رهن إشارة الخارج لأن الوجود ليس مجرد واقع إنما هو إنعكاس لمدى قدراتك العقلية ورسالتك الأخلاقية ومن يعتز بموطن غير موطنه ذل ولك أن تسأل من تعتز به إن كان يشاهد فيك حالا تشرفه؟؟
يتساءل الكثير من العرب وبعض السوريين عن جدوى تحالف سوريا مع ايران ولكننا وقبل هذا السؤال من الواقعية علينا أن نسأل هؤلاء أولا ماالذي كان من جدوى تحالف صدام حسين مع العرب ومعاداة ايران ؟؟ أين هي المعادلة التي حققها صدام حسين من تحالفه مع ملوك الغدر في الخليج ؟؟؟ فهل جنى سوى الغدر ممن دافع عنهم في وجه عدوهم الأوحد والأخطر كما قدموه للعالم وهو ايران فماذا كان جزاء صدام حسين غير حبل المشنقة ؟؟ ألم يكونوا أعداء صدام حقيقة في الجهة المقابلة وليست ايران ؟؟ ألم تعبر صواريخ الأمريكي وطائراته عبر الخليج مع الدعم المباشر من قاعدة الناتو في تركيا مع وجود الخليفة أردوغان وبأموال الأعراب؟؟
سوريا لن تستوعب من لا قرار له ولا أمان سيما وقد غدر بمن هو أقرب إليهم من سوريا والأسد فمن العقل أن لانكون عراقا آخر ومن الشرف العقلي أن لايستسلم الأسد ويقدم نفسه كبشا آخر في عيد الأضحى لمحرقة طائفية أخرى لاتبقي ولاتذر في سوريا والمنطقة وتعمق من جديد ما نتج عن اعدام صدام حسين .. لن نتحدث لغة العاطفة تجاه أي طرف حتى عن قيادتي في سوريا الممثلة بشخص الرئيس بشار الأسد بل سوف أكتب لكي يعلم الجميع بأن التحالف الإيراني السوري ليس له أية ميول آخرى غير العقلانية الاستراتيجية وأن السبب الأقوى والمباشر لنشوء التحالف الإيراني السوري هو بسبب اختفاء الانظمة العربية من خارطة الواقعية وعدم الآمان في سياساتها ..
لاتستطيع أن تحالف من لا يستطيع ولا يملك أن يكون حليفا ومهما كانت فنون السياسة رهيبة ودقيقة فإنها لن تقوم دولة متزنة السياسات و التوجهات بالتحالف مع اللاواقعيين إنما هي تقتنص الفرص في العلاقات مع الحذر لدعم مصالحها لكن سوريا بعد 2003 خرجت من مرحلة استيعاب مجانين وعبيد المنطقة إلى المواجهة وهذا ماحدث بعد اعدام الرئيس صدام حسين وتفخيخ العراق بالطائفية بدأت سوريا تتحسس عمليات انقلاب مريبة عبر تصريحات موظفي الأمريكي في المنطقة ….حين قال أحدهم: هناك هلال شيعي يتشكل وكانت تلك إشارة البدء لمواجهة جديدة مع سوريا بعد تدمير العراق وأحدهم أصبح ينزعج من الأسد والمقاومة ( مصر) وعلت الأصوات الشاذة في لبنان تطالب بخروج الجيش السوري من لبنان بعد اغتيال الحريري وأفتى مفتي السعودية بحرمة الدعاء للمقاومة في حرب تموز 2006 كل هذه الاحداث اجتمعت معا لتواجهها سوريا وعبر هذه السياسات والأحداث أوحوا للجماهير العربية أن سوريا صارت خطرا على الأمة جمعاء وهي” تقود التشيع” والحقيقة هي أنهم بعد أن تخلصوا من صدام حسين أرادوا تغطية فعلتهم وقبحهم وفشلهم السياسي بإدارة المعركة في المنطقة وضد سوريا مذهبيا ولكي ندرك كذبهم ونفاقهم نقول : تتحدثون عن تشكل هلال شيعي فلماذا أصبحتم أرضا لقتل صدام حسين الذي كان يشكل صمام الآمان لكم من مد التشيع الذي تدعون ؟؟؟ الحقيقة المنطقة بدأت بالتشيع الإخواني وولوج الإخوان المشهد لأن اللاواقعية العربية أفسحت لوجود واقع مريض فالوهم سلطان الفناء و لا يجذب سوى الوهم فكان أردوغان …
لقد نجحوا بتغطية مافعلوه والدليل على ذلك أنه بعد موت صدام بدأت الحرب ضد سوريا مباشرة وايران عن بعد.. سوريا التي دعمت المقاومة ضد الإحتلال الأمريكي للعراق والتي فتحت الحدود لكل من يريد التطوع لقتال الامريكان في حين أن هذا الحكم الذي في سوريا كان يصفه بعض المتعاطفين مع صدام أنه نظام الدموي وهؤلاء أيضا ضاعوا في معرفة الحقيقة ولم يشاهدون أن بشار الأسد لم ينصب لهم الخيام على الحدود كما فعل أردوغان مع السوريين ولم يهدد الأسد بهم أوربا عبر قذفهم في البحار ولم يذهب إليهم ليقبلوا يديه أمام الشاشات بل فتح لهم دمشق حتى أصبحت بغداد تتنفس الحياة من دمشق .
لم تدخل الأنظمة العربية الحاكمة التي من حول دمشق في عداء مع تل أبيب كما دخلته مع دمشق بعد احتلال العراق واغتيال الحريري إذ كان على حكام هذه الانظمة ومشغليهم أن يشغلوا العالم بإغتيال شخصية سنية لإيجاد معادلة تخرج دمشق ليس من بيروت فقط بل من الشارع السني كدولة طائفية في المنطقة من أجل إتمام مسلسل طمس الحقائق واخفاء أسباب سقوط بغداد فتمت عملية اغتيال الحريري واتهمت سوريا على نحو مباشر ثم اتهمت فيما بعد المقاومة اللبنانية لكن الشارع العربي والإسلامي ماكان مصغيا للأكاذيب التي تدور حول سوريا والمقاومة بل أنه وفي حرب تموز نشرت اعلام المقاومة وصور الامين العام لحزب الله في جميع الحارات الشعبية السنية وكانت تلك حقائق حيث كانت الواقعية السورية تنحو نحو اعادة نهج المقاومة الى الشارع العربي .لقد هزمت حينها المقاومة اللبنانية تل أبيب بشراكة سورية مباشرة ثم بدأ الانتقام الإسرائيلي ميدانيا عبر اغتيال العميد محمد سلمان من قبل قوات كوماندوس اسرائيلية وكذلك اغتيال عماد مغنية وبعيدا عن تقرير فينوغراد تعتبر هذه العمليات الإسرائيلية الإنتقامية أختاما صهيونية على نصر دمشق والمقاومة على أنها أذية وجودية لتل أبيب والغريب انه عندما كانت تل أبيب تعد تقارير هزيمتها عبر تقرير فينوغراد كانت العرب تتحدث عن حرب تموز بأنها مغامرات هكذا هي المنطقة تحيا اللاواقعية فكيف يريدون من قائد عاقل أن لايحالف من يبارك واقعيته .التحالف مع ايران ليس عسكريا ضد تل أبيب فقط بل هو احترام للغة العقل التي لا تحترمها أنظمة المنطقة العربية..جريمة الأسد الوحيدة هو أنه قائد واقعي وبأنه يعرف تماما ماالذي يجري ويقف واضحا وضوح الشمس في منطقة غارقة في الكذب والنفاق فكان من الطبيعي أن يعوم المارد الورقي (أردوغان) في منطقة اللاواقعية بسبب لاواقعية الأنظمة العربية التي اتجهت إلى خلق عدو آخر غير تل أبيب ففي مسافات هذه اللاواقعية السياسية والتي أدت إلى فرض اردوغان ومن ثم نجح في لفت انظار بعض من الشعوب الضائعة في منطقة اللااوقعية التي اوجدها الدماغ العربي” الحاكم” في المنطقة .
عندما نقول للعالم بأن ثمة رئيس واقعي واحد في المنطقة وهو من يدفع ثمن عقلانيته فنحن على وعي بما نقول ولولا هذا ماكانت لتعود الأنظمة التي حاربته لتحارب تركيا إلى “جانبه” مع كثير من الحياء المقيت خوفا من جلادها الأمريكي.
إذ أن الواقعية الوحيدة التي كان العرب فيها يشبهون الغرب ومعه تركيا كذلك هي اعترافهم بواقعية وجود اسرائيل أي عندما أرادت أنظمة العرب أن تكون واقعية اعترفت بااللاواقعية الشرعية للإحتلال الصهيوني وجعلتها أمر واقعا..