ماتتعلمه في الحرب لن تعلمك اياه كل مدارس السياسة والديبلوماسية .. وماتفعله الحرب هو أنها تسوي كل أبنية الفلسفة والاقتصاد بالارض ان لم تتتلمذ على يدها فلسفة السياسة وتصبح بائعة للخبز .. الخبز الذي يمنعه الامريكيون عن السوريين .. لأن للحرب فلسفة لايعلى عليها ..
علمتني الحرب ان اتعرف على الصبر الذي قرأت عنه في السياسة ولم أمارسه في الواقع .. وعلمتني الحرب ان أصغر ارادة هي اكبر من كل الارادات اذا كانت نفسي حرة .. وأن أكبر الارادات حقيرة وضئيلة عندما تكون أنانية وتبحث عن المادة ..
لم أعد أخشى الحرب بل صرت أخشى اللاحرب .. ففي الحرب تحيا الارادات وتموت الأنانيات .. وفي اللاحرب تموت الارادات وتحيا الأنانيات .. ويبدو أن الغرب أدرك أن اللاحرب يقتل فينا الارادات .. فاخترع لنا قانون قيصر .. وهو قانون الحرب بلا حرب .. حيث يتحول جان فالجان ليس الى قصة فرد بل يصبح رغيف الخبز هو القصة .. ويصبح جان فالجان الارهابي الذي يطارده الجميع ..
ولذلك سألت أحد فلاسفة الحرب الذين جالستهم طويلا في هذه الحرب عن تفسيره لهذا الهدوء والسكون في الجبهات .. الذي يقابله هدير في الفقر والأزمات فقال لي:
كن على يقين أن من يتقن فلسفة الحرب سيعرف كيف يديرها .. فماهي الا أسابيع قليلة ويتغير الموقف السوري ويصل التغيير الى قوى المحور الذي قاوم .. فكل مايفعله الاسرائيليون الان هو استفزاز الاقليم لصياغة بيان انتخابي للانتخابات الامريكية .. ومن الواضح ان ترامب قد تم عصره الى آخر نقطة وأنه لم يعد مفيدا للصهيونية .. فالولاية الاولى في أي رئاسة تكون لاطلاق المشروع الرئاسي .. والثاني تكون لاتمامه او اعلان موته .. فولاية بوش الاول كانت لتدمير العراق .. وكان يخطط في الولاية الثانية لاجتياحه وتغيير خرائطه وتقسيمه .. ولكن جاء بيل كلينتون وكانت مهمته تتجه نحو الملف الفلسطيني والسوري .. ولما عاد بوش الابن استكمل مشروع الولاية الثانية لبوش الأب .. وأنجزه على أكمل وجه .. وعندما جاء أوباما عاد الاهتمام بالملف السوري والفلسطيني لصالح اسرائيل .. ولذلك أطلق الربيع العربي الذي أسقط المقولات التقليدية الباقية عن القضية الفلسطينية وبقيت شعارات دول النفط التي هي في الأصل ولايات اسرائيلية او كما يقال حكومات الظل الاسرائيلية ..

ولكن ترامب وصل في زمن يريد فيه الامريكان الذهاب الى الصين ومحاصرة روسيا .. فالأولوية الامريكية تغيرت .. وليس للانشغال بحماية اسرائيل .. وآن لاسرائيل ان تتولى حماية نفسها .. ولذلك قرر ترامب ان يحضّر كل الشرق الاوسط ليكون اسرائيلي الهوى والمزاج .. فحاول اخراج ايران من سورية وابتزاز حزب الله ليكون على الحياد .. وحاول ابتزاز سورية بان حرية أرضها تكمن في تعهد واحد بعدم التعرض لاسرائيل .. لانه في ولايته الثانية سينصرف نهائيا الى حلمه الاول في مواجهة الصين بشكل مباشر .. وهو أعد لاسرائيل وسائل الامان اللازمة زفرش لها الشرق الأوسط بالسلام والمراسيم وصكوك الملكية .. فالدول العربية النفطية والسعودية ستوقع السلام وبهذا يتم تحييد المال العربي والدين الاسلامي في اي صراع ضد اسرائيل ..
ترامب لايريد حربا ولكن اسرائيل تريد حربا امريكية بالنيابة عنها .. والوحيد الذي سيؤجل رحيل اميريكا شرقا هو وصول بايدن .. وستتجه اسرائيل الى بايدن بحماس لأن لديه مشروعها فهو من مؤسسي سياسة أوباما وهيلاري كلينتون .. ولكن الاقتصاد الامريكي هو الذي سيقود الانتخابات هذه المرة وليس اللوبي اليهودي .. والاقتصاد الامريكي كائن قلق ونزق وأنفه لايخطئ .. وأنفه يقول له ان رائحة النفط لم تعد تشفيه .. بل رائحة الشرق الأقصى .. ولذلك اذا لم يصل بايدن الى البيت الابيض سيترك الاسرائيليون في لحظة حاسمة كما ترك السوفييت نظريتهم الشيوعية في أفغانستان وانصرفوا لانقاذ الاقتصاد الشيوعي الذي أصيب بالنوبة القلبية .. ورغم ان السوفييت تركوا لحلفائهم الافغان السلاح السوفييتي وكل وسائل الدفاع الى جانب أكوام من كتب ونظريات قساوسة الشيوعية والاشتراكبة الا ان حكومة نجيب الله عصفت بها جموع المتربصين بها ..
قد لايكون الاسرائيليون في نفس الاطار والشكل والاخراج والشكل المدوي السينمائي للسقوط الافغاني .. ولكن سيكونون في لحظة ما همّا اميريكا صغيرا في الشرق الاوسط كما كان الشيوعيون الافغان وحيدين لأن الاميريكيين سيكونون في مهمة بعيدة تحتاج منهم ان يجمعوا كل طاقتهم في مواجهة عاتية مع الصين .. والسبب في خطورة بقاء الامريكيين في العراق والشام فيما اميريكا تنظر شرقا هو ان الايرانيين والسوريين لاشك سيستفيجون من هذه الاستدارة للظهر وسيشنون حربا عاصفة على الوجود الامريكي في العراق والشام او مايمكن تسميته (داعش الامريكية) وهذا يعني ان يتعثر زخم التحرك الامريكي نحو الصين وينشغل عنه .. وهو مالاتريده اميريكا .. ولذلك فان الامريكيين يراهنون على ان تؤجل عمليات استئصال الوجود الامريكي الى مابعد عودة ترامب الى السلطة في الشهر 11 وبعدها سيكون طليق اليد في التزحزح خارج العراق والشام بعيدا عن ضغط البنتاغون واصدقاء اسرائيل ..
وفي حال وصول بايدن فلن يتغير الاتفاق السوري الايراني لضرب الوجود الأمريكي لأن النتيجة واحدة وهي ان حرب الاستنزاف والمقاومة ستشل الامريكيين الذين لن يكون بمقدورهم الا ان يتوصلوا لاتفاق سريع للانسحاب او لطرح مشروع تسوية للقضايا مقبول لسورية وايران .. وفي حال وصل بايدن فان هناك احتمالا ان يتم استعماله لاردوغان للعبث باوراق المنطقة خاصة ان يقول انه تواق ليمزق الخرائط .. وهذه التصريحات مرتبطة بوعود ديموقراطية له .. ولكن في هذه اللحظة فانه سيقصم ظهر العلاقة الروسية التركية وسيتعرض لحملة تأديبية عنيفة في ادلب توصله الى الحدود التركية ..

المنطقة تنتظر وصول ترامب الثاني .. ولكن الاسرائيليين لايريدون ترامب الذاهب الى الصين والذي يصف الحروب الامريكية في الشرق الأوسط بأنها عبثية ولانهاية لها .. بل يريدون بايدن الاول .. ولذلك فاما ان يدفعوا ببايدن الى السلطة او انهم سيقتلون ترامب اذا تحرك بعيدا عنهم .. وهذا يعني ان اميريكا ستدخل مرحة الصراع بين الاقطاب وهو صراع في منتهى الخطورة بسبب تفسي البطالة وانتشار السلاح وزيادة الطلب على الذخائر الى درجة ان مخازن الذخيرة في الاسابيع الاخيرة نضبت بسبب الاقبال الرهيب على اقتناء السلاح والذخائر في اميريكا من قبل كل الاطراف ..
واذا كانت فلسفة الحرب قد اديرت من طرفنا بصبر يستحق الاعجاب والدهشة فان الفترة الباقية من حكم ترامب تحتاج الذكاء المعتق فينا رغم ان اسرائيل وحلفاءها يفعلون المستحيل لتفجير الموقف في الاسابيع الاخيرة من عهد ترامب لاستدراج اميريكا الى منازلة مع الايرانيين والسوريين او لتفجير الداخل السوري بالازمات المتلاحقة لخلق حملة عالمية توجه الانتخابات الامريكية نحو الشرق الاوسط وليس نحو الصين .. وليس الحصار الغذائي وافتعال أزمات الوقود والخبز في سورية الا محاولة اسرائيلية مستميتة لاستدراج السوريين الى الفوضى الداخلية من جديد ..
وفي حال نجح ترامب في البقاء في السلطة .. عندهافي غالب الظن ان ترامب سيودع الشرق ويتوجه الى منازلة القرن في الشرق الاقصى .. ويغادر هذا الشرق الذي استنزف اميريكا وشغلها ولم تفق من ملاعبة هذا الشرق الا بعد ان تبين ان التنين الصيني صار ضخما جدا وفوق حدود السيطرة .. وسيجري ترامب الكثير من الصفقات والمقايضات في فترة الرحيل .. وسيزنّر اسرائيل بمعاهدات سلام عربية واسلامية .. وسيعطيها الكثير من السلاح لكنه سيعتذر أنه مضطر للمغادرة بسرعة كما فعل السوفييت مع أفغانستان .. فهو في سباق مع الزمن .. الزمن الصيني ..
نحن نعتقد ان السياسات الامريكيه هي ذاتها عند كلا الحزبين لكن ياتي الرئيس ليضيف بعض الرتوش عليها فتسمى باسمه , بالمحصله لا تغيير قريب او بعيد في السياسه الامريكيه فكل شيء مخطط له ومدروس الا ما استجد من احداث طارئه .
صباح الخير