آراء الكتاب: لحظة واقع – بقلم: وليم ياسين عبد الله

(((إيلينا: عليك أن تعود للدراسة يا سيد إيدن.إيدن: الدراسة تحتاج إلى المالإيلينا: لا أعتقد أن عائلتك ستبخل عليك بالمال، فهذا أمرٌ مهمإيدن: أعتقد أنني سأتعلم بنفسي.))))هذا الحوار الصغير من الفيلم الإيطالي “مارتن إيدن”، قد يبدو عادياً ولكنه يختصر حكاية كبيرة ، حكاية الفقراء والأغنياء الذين لا يمكن أن يفهموا شعور الفقراء أبداً حتى لو كانوا طيبين.إيلينا الفتاة الأرستقراطية رغم طيبتها وجمالها وثقافتها إلاّ أنها لا يمكن أبداً أن تشعر بشعور الفقراء، فهي تعتقد أنّ جميع العائلات تشبه عائلتها، لم تفكر أنّ إيدن لا يمتلك المال للدراسة لأنها ومن وجهة نظرها يمتلك الجميع المال كما هو حال عائلتها، فهي لم تسمع يوماً بالفقر وهكذا لم تفكر إيلينا للحظة كيف يعيش الفقراء، ولا تعرف كيف ينظرون إلى المال ، هل هو هدف عندهم أم وسيلة؟!.

إيلينا لا تقصد أن تكون أنانية أو متعجرفة أو متكبرة، بل هي فعلا لا تعرف شيئاً عن الفقراء وهي لم تعش حتى لو لحظة واقع وحيدة، لذلك رغم ثقافتها الواسعة إلاّ أنها لا يمكن أن تقرأ أدب الواقع وتحبه، بل تتجه دوماً إلى أدب الحب والخيال والتفاؤل لأنّ فطرتها تقودها إلى هذه الأنواع فهذا ما يشبه البيئة التي نشأت بها.هنا أتذكر مقولة ماري أنطوانيت ” الذي لا يجد خبزاً للأكل ، فليأكل كاتو” وهذه المقولة أصبحت نكتة متداولة حتى يومنا هذا ، وهنا نحن ظلمنا ماري أنطوانيت، هي ليست فتاة سيئة وإنما تحدثت بمنتهى الطيبة ، فهي ومن وجهة نظرها تعتقد أنّ المعاناة هي عندما نفتقد الخبز في أيامنا لكن مطابخنا تزدحم بمختلف أنواع الأطعمة باستثنائه.لا يمكن للأغنياء أن يفهموا أدب الواقع كثيراً، هم دائماً يبحثون عن الكتابات التي تحتوي على الأمل والسعادة لأن الملل يغزو جزءاً من حياتهم وبنفس الوقت يريدون للمعاناة عند الآخرين أن تنتهي بسرعة وبعيداً عنهم لأن حياتهم تتأثر بها، فالمزارع إن لم يزرع لن يأكل الغني…لا يمكن للغني أن يفهم أو يشعر بآلام الفقير عندما يفقد ابنه في الحرب أو يشعر بالذل أمام فرن الخبز أو محطة الوقود، فهو ببساطة لم يجرّب أيّاً من هذه المصائب وهكذا أكثر ما يمكن أن يفعله هو تقديم مفردات العزاء أو تبسيط الأزمة ثم يذهب بعدها إلى حياته الهانئة والهادئة .هذه المعادلة نلمسها يومياً في بلادنا، بين الجنود العائدين من الحرب والناس الذين استفادوا من الحرب، بين الجرحى والناس المتعافين، بين الذين لم يعانوا من الأزمة إلاّ الغلاء وانقطاع الكهرباء وبين الفقراء الذين خسروا أبنائهم في الحرب…لن يشعر بك ولن يفهمك ولن يشاطرك الرأي إلاّ من عاش ظروفك، ولن يمسك يدك إلاّ الذي يعرف معنى حاجة اليد لتكون قابضة على يد أخرى في الظروف الصعبة، ولن ينجح بكتابة الألم إلاّ المتألم، وكتابة الحب إلاّ العاشق، وكتابة الموت إلاّ الذي عاشه بمختلف أشكاله، وهنا يختلف القلم الذي يكتب بحبر الألم والقلم الذي يكتب بالحبر الأزرق.في هذه اللحظة يدور صراع كبير بين ردم التراب على لحد الكلمة أو بين سحبها من اللحد وإطلاقها للحياة، فلو كانت الكلمة حيّة لما حدث ما حدث في هذا العالم البائس، وهل ستنشب الحرب؟؟الحرب لم تتوقف يوماً، ولكن نحن من كنا نعتقد أنفسنا في سلام…

هذا المنشور نشر في المقالات. حفظ الرابط الثابت.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s