آراء الكتاب: مصير .. – بقلم: وليم ياسين عبد الله


الساعة الثانية عشر ظهراً… أدير السيارة متجهاً إلى مدينة جبلة لمراجعة إحدى الدوائر الحكومية، توقفت لأقلّ معي بعض الناس الواقفين على الطريق و ما هي إلاّ لحظات حتى تناهى إلى مسمعي صوت رجل نحيل قد أنهكه التعب والزمن يناديني ويركض باتجاهي مع عكازه الطويل يطأ بقدم الأرض ويجرّ الثانية إلى جوارها..
يقف إلى جانب شباك السيارة ويسألني إن كان بإمكاني أن أقلّه إلى مكان قريب، فقلت له اصعد، لكنه توّقف قليلاً وقال لي:
-أنت وليم؟
حينها تأملته جيداً، تذكرته، كان يعمل في قريتنا منذ حوالي خمسة عشر عاماً، وكان فقير الحال، وعندما بدأ الربيع العربي في نهاية العام 2010 وابتعدتُ عن محيطي لانشغالي الكامل بالأحداث، لم أعد أراه، واليوم بعد عشر سنوات من غيابي أعود لأرى الكثير من الوجوه التي كان من المفروض أن تكون مألوفة لناظري ولكنها لم تكن كذلك أبداً ولا أعرف كيف غيّرت الحرب ملامحها.
عندما ركب بالسيارة نظرت إليه متأملاً ثيابه الرّثة وعكازه الطويل وقلت له:
-لك شو صاير فيك يا رجل؟ شو عمل الزمن فيك؟


تنهد الشاب وقال لي:
-تصاوبت بالحرب وخسرت حياتي بالكامل وما عاد اقدر اشتغل، وإجيت لهون عم شوف الناس القديمين اللي كنت بعرفهن، في منهن بيعطوني مصاري وهيك عم دبّر حالي.
أصابتني الدهشة وأنا أسمعه، لم أتمكن من تخيّل هذا المصير لجندي محارب عاد من الحرب ولم يعثر على عمل بسبب إعاقته الجسدية، وأصبح يجول على معارفه القدماء علّهم يساعدونه بما يقدرون.
أوصلته إلى المكان المُراد ولحسن الحظ كان لديّ مبلغ من المال سأتقاضاه من المدينة فقلت لنفسي ” إجت بوقتها” سأعود وأعطيه ما أقدر عليه، لكن لم أراه في العودة فتركت له خبراً عند أحد معارفه كي يحدثني عندما يعود.
بعد ساعة التقيت بأحد جنود “غجر الحرب” الذين كنت أوثق حكاياتهم منذ بداية الحرب ورويت له قصة هذا الشاب وسألته إن كان يعرفه باعتباره كان يقاتل في نفس التشكيل العسكري للجيش، فقال لي:
-أعرفه، لقد رمى المسلحون عليه وعلى رفاقه جرّة غاز وانفجرت بهم في بداية الحرب بدرعا، وتمّ تسريحه من الخدمة الاحتياطية بعد هذه الإصابة.
كل ما فعلته بعد هذه العبارة أن لذتُ بالصمت وبدأت أفكر بهذا المصير الذي كان من نصيب الكثير من الفقراء الذين دمرتهم الحرب، لا هم قادرين على متابعة الحياة كما كانوا في السابق ولا هم قادرين تغيير قدرهم الذي فرض نفسه بقسوة عليهم.
أعتقد أنّ العزاء الوحيد لهذا الجندي وغيره ممن هم بنفس حالته، هو أن يلاقوا اهتماماً ممن عرفوهم في السابق وهكذا يجنبونهم الشعور بالخيبة والقهر والحزن.

هذا المنشور نشر في المقالات. حفظ الرابط الثابت.

1 Response to آراء الكتاب: مصير .. – بقلم: وليم ياسين عبد الله

  1. Nabuokz Nuosr كتب:

    الاتساوي عكازة هذ الرجل عقل علي فرزات وريشته ؟؟

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s