في البدء عليّ أن أذكر لكم حدثا مرّ معي أنّه وأثناء وجودي في أحد الملتقيات الأدبية قرأت ثلاثة نصوص شعرية اثنان على البحر ( رد العتب ، حب وحرب ) والثالث كان عالتفعيلة بعنوان ( امرأة من مسك وطين ) وكان في الملتقى باقة جميلة من النّقاد والأدباء منهم الدكتور الرّاحل محمد درويش المصطفى وكان برفقته طبيب ذوّاق محب للأدب يستمع بكل شغف لما قدّمت إلا انه قال امرأة من مسك وطين ليست لك أعطها للقبّاني ولن يقول أحد أنها لغيره وابق على لونك ففيه من البلاغة والعنفوان مايكفي ويضاهي نزار
الكلام بالنسبة لي جميل جدّا ومع انها المرّة الأولى التي أكتب بها على التفعيلة مستخدما بعض الكلمات والمفردات التي سجّلت للقباني طابو على اسمه ( يا سيدتي ، حصون الجان ) وهذا ما أتفق عليه لكون لكل شاعر لون
ومن لم يجد لونه فلم ولن يجد نفسه


الجدير بالذكر أنّ جلسة واحدة كانت كفيلة لتظهر شخصيتي ولوني الحقيقي أمام من أحبّ وأصرّ أن يرى
وفي حدث آخر وقبل سنة أيضا وبينما كنت أقرأ من ديوان المتنبي على كاس متي في المنزل مرّرتُ بعضا من أبيات هي لي ضمن قراءتي لإحدى قصائد أبو الطيب وعلى الفور انتبهت زوجتي على غير عادتها كونها لا تحب الشعر ذاك الحب
وقالت : هاي الأبيات مو للمتنبي
فقلت لها : ليش انت خاتمي كل ديوان المتنبي
فقالت لاء : بس هاد بيشبهك
النتيجة هناك شيء نلبسه ويلبسنا من الصعب جدّا أن يكون لغيرنا
ومنه نأتي على المفيد
فعندما يقوول الفنان دريد لحّام أنه شارك الماغوط في كتابته فهذا كلام خائب لا محل له من المنطق
لكون الماغوط كاتب حقيقي صاحب لون وهذا اللون معروف ومألوف وهو ماركة مسجلة وطابو أخضر باسمه ، والادعاء من قبل الفنان دريد بمساهمته مع الماغوط هو ادّعاء باطل
نعلّله بأنه لو امتلك الاسلوب لشكّل لنفسه لون ولكان وجد مكاناً على طريق الأدب الذي هو حلم لأي مشهور
إلى هنا قد تبدو الأمور رائعة لجمهور الماغوط الذي أنا منهم
أمّا أن يصبح الماغوط بهذا الوزن وهذا اللمعان مهما بلغت موهبته وكان إبداعه دون دريد لحام فلا والله ماكان
ولا كان له أن يُعرف خارج حدود حارته
إذ أن الأدب الذي لا يُترجم إلى فن ولا يسلّط عليه الاعلام
هو أدب فاقد لاسمه ومفتقد لوجوده
فالفن هو واجهة الأدب ومن تلك الواجهة جاء دريد بوجهه المهني واسلوبه الفنّي وأظهر روعة ما خطّه الماغوط
فدريد هو نصف الماغوط والماغوط هو نصف دريد
ولولا أحدهم ما عرِف الآخر حقّ معرفته ولا انشهر
وهذا أيضا ماكان وما حصل مع نزار وكاظم
فنزار قبّاني شاعر عملاق يستطيع أن يقيم أمسية شعرية يحضرها ألف شخص وتستطيع أن تُعرف قصائده من مئة ألف مهتم بالشعر لكن لن تبلغ ما بلغته بفن كاظم وصوت كاظم الذي جعله يدخل لكل بيت ويصبح بمرمى كل أذن حيث ملأت شهرته حدود الوطن وتجاوزتها لغير حدود أيضا
عن طريق نجم صعَد بشعر نزار فرفعه ورفع نفسه به
فكاظم هو نصف نزار ونزار هو نصف كاظم
ولولا أحدهم لما عرف الأخر حقّ معرفته ولا انشهر
ومن ذلك كلّه نود أن نوصل فكرة مفادها أن الفن هو وجه الأدب وأنّ الفنّان هو وجه الأديب ولا فضل لأحدهم على الأخر ولو كان بمقدار درجة ،،
علاء درباج