لا يكفي أن تقول عن العدو أنه غاشم حتى تكون إعلاما جريئا و مقاوما و لا يكفي أن تقول عن العرب أنهم أخوة حتى يكونوا أخوة و تكون أنت وسيعا مترامي الآفاق تحتوي مايبدر منهم من خيانة فقأت عينك و عين فكرتك ألف مرة .. مأساة أن تتحدث مع نفسك لسنوات و سنوات و لا تلحظ و لا تأبه لمن انفضوا من حولك و قد ملوا سماع حتى اسمك ، مأساة أن تنشد جمهورا واعيا و خطابك هذيان
ما زال إعلامنا مداوما على بلادته شأنه شأن أشقائه كمبدأ لا تحيده عنها حرب أو سلم ، مسمرا ذاكرته على توقيت أبدي أشبه بتوقيت الجنة حيث العرب و السوريون هم من الملائكة .. لا شك أن العرب أخوة و بلوى و لا خلاص منها دليلها الذي لا يدحض أمراضهم التي لم تبرأ منها فترة من تاريخهم و التي اختصوا بها وحدهم دون غيرهم من الأمم كأنها صفة يتوارثونها كما يتوارث الآخرون لون العيني و البشرة ..

حين صدر قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس رد الإعلام العربي بأن علق عبارة ” القدس عربية ” في زاوية من شاشاته كنوع من ” أضعف الإيمان ” المبدأ العامل على جبهات العرب الحقيقية ، و حدثت بعض اللقاءات و ألقيت بعض الخطب و الشعر و سخر بعض النخب من ترامب و وصفوه بالغبي لأنه لا يعلم كما يعلمون أن الحقوق تعود لأصحابها في نهاية المطاف .. تلك الفعاليات أكدت كلها أن الأمل بالله .. و استمرت القدس معلقة في تلك الزوايا عربية و وحيدة لأيام ثم تساقطت حروفها كما يتساقط الوهم حين تنكشف الحقيقة ، و على الأرجح ستعاود القدس للظهور مجددا في ذكرى صدور القرار شأنها شأن أي كارثة تلم بالعرب يبتلعونها ثم يهضمونها ثم يخصصون لها يوما للذكرى ، بينما في ذات التاريخ و على الجهة المقابلة ترفع كؤوس الاحتفال بغفلتهم و لامعناهم
منذ أشهر عرض تلفزيون BBC وثائقيا مطولا عن الممارسات القمعية للنظام البحريني حين كانت أزمة قبائل الخليج و مصر قائمة ، في عمل يظهر العبقرية الأعلامية و الدهاء السياسي إذ لا أحد يستطيع التأكيد إن كانت بريطانيا تمارس عبر منصتها الأشهر ضغطا على النظام السعودي أو أنها كانت تعطي دفعا للأنظمة الأخوانية و قياداتها في تركيا و قطر و مصر أو أنها كانت تحابي لوهلة السياسة الإيرانية الداعم الوحيد للحراك الشعبي في البحرين .. الإعلام الحي يخلق الأحداث و يوجه الآراء ليكرس قناعات لدى العامة تتوافق مع سياسة أصحابه الأحياء ، و الإعلام المقعد و المعقد لا يخلق شيئا و لا يتفاعل مع الأحداث حتى ، بل ينتظر منها ما قد يقترب من عقده أو يحوم حولها فيلتقطه و يعلق عليه تعليقا نمطيا بصيغ مقولبة لقنت له منذ أن ولد ..
الإعلام انعكاس للسياسة و صورة عنها .. هذه السمة لا تتوفر لدى إعلامنا ، فبينما نرى سياستنا الخارجية و الاستراتيجية العسكرية تنبضان عبقرية و حياة نرى إعلامنا قاعدا يغني و يفني عمره في الشرح .. ذات الشرح
كلامي لا يهدد اللحمة الوطنية بشئ و لا يوهن عزيمة الأمة و هو لم يأت في غير أوانه .. هناك استحقاق هو الأهم و الأخطر في هذه المرحلة ، بعده لن يكون كما قبله إذ تبني عليه كل الأطراف و تحشد له إمكانياتها لتغيير اتجاه الآخر أو لي ذراعه تحضيرا للمرحلة التالية من الحرب ، و إعلامنا يتعامل معه كأي حدث عرضي أو اعتيادي و يتصرف كتلميذ أبله يقوم بواجب دراسي مفروض عليه تحت رقابة أستاذه الصارمة لا تصرف جندي يقظ متأهب في الخندق يعي ما يجري حوله و يقدر ما في حوزته من سلاح
فلتلغى وزارة الاعلام اسوة بالاعلام الغربي لتكون اكثر حرية وانسجاما مع الأحداث .اعلامنا مبوب ومقيد لا يجرؤ على قول الحقيقه او نقلها في اوانها .