لم نعد بحاجة إلى أقنعة أو حفلات تنكرية لإخفاء الوجوه ، أو إضفاء الغموض على مواقفنا وعلاقاتنا مع الآخرين ، فكل شي من حولنا رغم وضوحه يكتنفه الغموض و الوجوه ذاتها تتحول من شكل لآخر دون استخدام اقنعة أو مؤثرات خارجية . في مسيرة حياتنا نقضي في جل محطاتنا البحث عن الحقيقة ، بعضنا يستند إلى الشك المحمود فيظفر بالحقيقة التي يتوخاها، ويطمئن إليها ويثابر على نشرها حين يستدعي الأمر كنوع من التنوير، والبعض الآخر يستند إلى الشك المنبوذ والهدام فيتخبط بين حقيقة وأخرى، أو بالأحرى بين شك وآخر فلا يرسو على بر، ولا ينال مبتغاه فيهيم على وجهه تائهاً ومشرداً بين كثبان الشكوك ، وغالباً ما تكون الحقيقة أقرب منا إلينا بل معظمها في داخلنا، كما قال سيد البلاغة الإمام علي عليه السلام : ( و تحسب أنك جرم صغير ، وفيك انطوى العالم الأكبر )
إن الظفر بالحقيقة يبهج الروح والعقل والفؤاد ، وخاصة بعد جهد وكد وتعب كلفوا الكثير من الوقت و السهر وربما المرارة والألم أحياناً ، و للحقيقة متعة لا يمكن وصفها ولكن يمكن التعبير عنها بزهد ورصانة وإيمان ، والمتعة الأكبر في نقلها لمن يستحقها وفي أشد الشوق لها. المعرفة وحدها لا توصلك للحقيقة ، وعليك أن تشارك أحاسيسك التي تأصلت فيها الفطرة الإلهية لتصقل معارفك و معلوماتك ، لتحصل على الحقيقة كأيقونة سرمدية لا بداية لها ولا نهاية .

يقول الحكيم الصيني كونفوشيوس : ليست الحقيقة هي التي تجعل الإنسان عظيماً ، و لكن الإنسان هو الذي يجعل الحقيقة عظيمة ، ويقول الهندي أوشو : اعلم أن للحقيقة وجهان متناقضان ، و عليك اكتشاف الوجه المنير منها . وأنت حين تبحث عن الحقيقة عليك أن تسلك أقصر الطرق، وتختار الوجه الساطع لها الذي يشع نوره على العالم ، وربما لا تكترث فيما قاله جبران خليل جبران ” بأنك لو امتلكت الحقيقة مرات كثيرة عليك ان تعلنها مرات قليلة ” إلا إذا كانت ذا نفع كبير أوضرر قليل . وفي حياتنا المعاصرة يحدث أن تُغيّب الحقائق وحجبها بواسطة أقنعة ” هوليودية ” فيصبح جنود العام سام مخلصين ، وبايدن المسيح الجديد الذي سيمشي على الماء حتى لا يتعثر على سلم طائرة أو بساط أحمر ، و رغدة صدام حسين ستعود لتنفيذ وصية أجدادها من البابليين لحكم العراق من جديد ، كما قد يفعل هانبيعل القذافي في ليبيا ، أما في سوريا فالانتخابات الرئاسية يريدونها تتويجاً لإملاءات وزير الخارجية الامريكية الأسبق كولن باول ، وشراكة استراتيجية كما فعلها الرئيس الأمريكي روزفلت والملك السعودي عبد العزيز ، بعد ان انتهاء الحرب العالمية الثانية . الحلم الأمريكي قد بدأ بأرامكو جديدة في البادية السورية ، وما الهجوم الأمريكي الأخير على الروسي وتوتر العلاقات بسبب تصريح بايدن بأن بوتن قاتل ، إلا بسبب عرقلة الروس في تحقيق هذا الحلم، كما هو الحال مع إيران بالتلويح ضدها مجدداً بالملف النووي والعقوبات الإقتصادية ، بايدن لن يتأخر بفرض حقائق صناعة أمريكية في مواجهة حقائق ميدانية يفرضها الجيش السوري بمساندة حلفائه ، وستكون هذه السنة اشد حرارة من السنوات الماضية وخاصة بعد الضغط الأمريكي الصهيوني الشديد على دول المنطقة التي مازال فيها قوم يرفضون الاملاءات الأمريكية ، ويرفضون ارتداء أقنعة هوليودية مهما تواجد فيها عملاء وكومبارس جاهزون لتأدية أدوار الشر ، و بعضهم مرشح لدور البطولة من جديد كما يحصل مع جوقة 14 آذار في لبنان .
الساحات ستكون مسرحاً جديداً للتوترات والفوضى ، خاصة أن الضغط الاقتصادي قد بلغ اقصاه ، والتعب الذي أصاب فئات كثيرة من الشعب سيستثمر لحدوث اضطرابات داخلية ، قد يستغلها الرامبو الأمريكي في المحافل الدولية و الإشارة لإسرائيل أن تصعّد في أكثر من مكان ، كل ذلك يجعلنا في حالة حذر ويقظة لأن بابدن المتعثر يريد حفظ ماء وجهه ، فقد يقوم ببعض الخطوات الغير متعثرة والتي يريد من خلالها إثبات توازنه وفرض املاءاته بدون وسيط .
