كم يخطئ اصحاب الدروع وهم يظنون ان الدروع هي التي تحميهم وليست عقولهم هي الدروع .. وكم يبدو أصحاب الدروع أشبه بالكركدن المسلح بجلد سميك كالفولاذ وبقرن جبار .. ولكن فوق القرن عقل صغير ..
هناك أناس يقفون على زوايا السوشيال ميديا ينتظرون مرورنا .. وهؤلاء كلما أردنا ان نشحذ السيوف ونشحذ الكلمات .. طلبوا منا ان نترك شحذ الكلمات ونتوقف عن صنع السيوف من فولاذ الحروف .. وأن نذوب سيوفنا لنبيعها ونشتري بثمن الفولاذ طعاما ووقودا ودولارات .. حتى وان قلنا لهم اننا نستعمل السيوف لحرث الارض ومناجل لحصاد الزرع .. وليس لنزرع الندب والعويل وزرع الحزن والغضب واليأس ..
وهؤلاء الناس كلما اردنا ان نكتب عن العدو خرجوا علينا كما لو انهم حراس الهيكل من السوريين .. وطلبوا منا ان نترك تلميع السيوف وشحذها .. واقترحوا ان نستعمل السيوف لنقطع بها البطاطا والبصل ونفرم اللحم او نرقص بها ونضرب بها على القدور الفارغة .. وخزانات الوقود الظمأى للوقود التي ترن كالصنجات الموسيقية وكالطبول كلما ضرب عليها بعصي الفيبسوك ..

ولكن كيف نقول لهؤلاء أن البحث عن الخبز لايعني ان السيوف يجب ان تعمل في المطابخ .. فالسيف يجب ان يبقى مشهورا كي يبقى الخبز محميا .. ومن سلم سيفه من أجل خبزه لن يشبع الا كما يشبع العبد .. واذا كان السيف بلا خبز عنادا وتكبرا فان الخبز بلا سيف عبودية وسبي .. ونحن من كنا نتباهى في الاناشيد ونقول ان “عيش الذل والارهاق أولى بالعبيد” .. فهل الحرية فقط نشيد وأغنية ولحن وشعر وقصيدة أم هي روح وخيار وقرار مهما كان الثمن؟؟
لعل أشد مايواجه المحارب في معاركه ليس فرسان عدوه ولاصناديدهم وليس اولئك الذين يدفعونه الى التهور في الحرب واولئك المنجمين الذين يحذرونه جدا من الحرب .. بل ان أخطر شيء في الحرب هم أولئك الندابون والنواحون الذين يحملونه الشعور بالذنب وأنه صار دون كيشوت لايعبأ بمعاناتهم .. وأن زمن الفروسية ينتهي عندما يجوع الناس .. وأن من الجنون التباهي بالسيوف عندما لا يكون الخبز متاحا .. رغم ان من لايملك سيفا سيسرق الخبز منه بالسيف لا بالتسول .. فقطاع الطرق لايسرقون بيدين عاريتين ..
السوشيال ميديا تزخر هذه الايام بأولئك الذين يندبون والملاحظ ان هناك دعوات مفتوحة للندب من الخارج .. والكل يجتهد في اطلاق بكائيات على الشعب السوري .. حتى وزير خارجية اميريكا بكى وهو يتذكر الشعب السوري الذي يعاني .. فيما تنفرد محطات الخلايجة ومحطات المعارضة في عثمانستان (تركيا) بالحديث عن معاناة السوريين بل ان احدى المحطات أبدت استغرابها من ان العالم كان ينتظر ان ينتفض الشعب السوري الجائع على نظامه الذي تسبب له بهذه المعاناة ولكنه لم يتحرك .. أي ان الغاية هي ان يستسلم الناس وان يرموا بعشر سنوات من الحرب وكل التضحيات والدماء والالام والامال وكأننا لم نفعل شيئا .. حتى الآن ..
الأمر لايقتصر على الندابين والنواحين بل ان هناك من يبث قيما حقيرة في السوشيال ميديا ليسخر من التضحيات والفدائية .. ومن الواضح ان هناك مؤسسة بحثية خبيرة بالشائعات وخيبات الأمل تبث الخيبة في نفوس الناس وتروج ان من صمد في الحرب سيسرق منه صموده لصالح الخونة .. فهنك قصص ملفقة تنشر كأنها مقتبسة من كتابات الحرب العالمية الثانية عن خونة وقف أمامهم المقاومون مذهولين لأن الخونة والعملاء والجبناء هم من صار يتحكم بمصيرهم بعد النصر وهزيمة العدو لأنهم قطفوا ثمار النصر وجلسوا في الكراسي الحكومية كأنهم من صنع النصر ..
ولكن يستحيل ان تكون هذه كتابات حقيقية او قصصا يعلمها الاوروبيون لأبنائهم او حتى يمكن ان تنتشر لقلة قيمتها الاخلاقية والانسانية لأنها تريد ان تقول ان قرار يهوذا الاسخريوي افضل من قرار السيد المسيح الذي ضحى بحياته .. وأن خيار الحجاج بخدمة البيت الاموي كانت اكثر حصافة من موقف الحسين .. وكأنهم يقولون لأبنائهم ان العمالة أفضل من المقاومة .. والغريب ان هذه القصص المندسة الملفقة تستعمل مفرداتنا التي نستعملها اليوم لترويج حكايات عن خيبات الامل من الرهان على معركة الحرية مثل (المقاومون .. والمعارضون .. والفاسدون) ..
الماكينة النفسية التي تتلاعب بالناس لم تختف لكنها لم تعد تتحدث كثيرا عن الطوائف والمذاهب والثورة لكنها ألقت موجة من التفاهة المدارة بحرفية عالية ومدروسة بعناية .. فجيوش التفاهة تقضم النظريات الاجتماعية والثورية والمنظومات القيمية العليا وتنشر قيم الأنانية وكراهية الاخرين على أسس مختلفة ليست مذهبية كما كانت بل على أساس التفاوت المعيشي ورغم انه نتيجة مباشرة للحرب ولعدالة الحرب التي تصيب أفرادا ومجموعات بشكل متباين فانه تلاعب خطر جدا بمشاعر الناس .
الناس يجب ان يعلموا ان العدو ذكي جدا ولاييأس ولايستسلم في معاركه القاسية .. ولايصاب بالقنوط وانه فنان وعبقري في نصب الفخاخ والشراك .. فهذه صنعته .. وان هدوءه الظاهر لايعني انه لايعمل بنشاط .. فقبل الحرب السورية كانت دمشق لاتهدأ وهي تستقبل الوفود والرسائل الودية فيما كانت معسكرات اللجوء تبنى على حدودنا .. حتى جنبلا والحريري واردوغان وحمد ومشعل وكيري كلهم كانوا يتناولون العشاء معنا في دمشق .. وكانت الجزيرة تزرع البذور الطائفية بين بياناتها وبرامجها عن المقاومة والعروبة .. لم يتغير شيء سوى ان الهدف اليوم انتقل من الحاضنة الدينية الى الحاضنة التي هزمت الكون ..
’’.. واذا كان السيف بلا خبز عنادا وتكبرا فان الخبز بلا سيف عبودية وسبي‘‘
كلماتك هذي يجب أن تكتب بماء الذهب!