لا حاجة بالمؤامرة لمن يعمل على تأكيد وجودها أو لمن ينكره فهي ظاهرة ظهور الحروب التي قامت منذ قرن حتى الآن كتاريخ قريب تلك الحروب لم تكن صدفة بل كان لجهة ما مصلحة فيها جهة خلقت ظروفها و سخرت أحداثها و نتائجها لخدمة أهدافها
قد تظهر مسيرة الدولار حتى وصوله إلى السيطرة على الاقتصاد العالمي مقدرة تلك الجهة على التخطيط الهادئ و الذكي الذي يفتقده كل من كان تفكيره قصير النفس .. إن انتقال الدولار من مجرد عملة وطنية إلى العملة العالمية الأكثر نفوذا تم وفق خطة وضعت قبل اندلاع الحرب شأنها شأن أي حرب تمخضت عن مزيد من إحكام قبضة من تسميهم المراجع ” المرابين الدوليين ” على مقدرات الأطراف المتحاربة دون أخذ مصالحهم بأي اعتبار

كانت بريطانيا هي أول دولة اعتمدت ما يسمى ” المعيار الذهبي ” بداية القرن ١٩ و الذي يتمثل باعتبار الذهب على أنه العملة الحقيقية بحيث يمكن أن تتواجد في السوق أوراق نقدية و لكن يجب أن تكون مغطاة برصيد منه .. ثم عملت على مراكمته من خلال الحروب التي قامت بها للاستيلاء عليه أو على منابعه كحروب الأفيون مع الصين و حروب البوير في إفريقيا و غيرها من الحروب التي فرضت تباعا و أرغمت الدول على الاستدانة لتغطية نفقاتها فكانت تقدم لها قروض مقابل فوائد مادية أو سياسية تسلكها بما يخدم مصالح المقرضين .. و كمثال يمكن ذكر إنشاء الاحتياطي الفيدرالي سنة ١٩١٣ قبل أشهر من الحرب العالمية الأولى الذي احتكر إصدار العملة دون خضوعه للرقابة الحكومية شأنه شأن بنك إنكلترا و كثير من البنوك التي سنت لأجل المساهمين فيها قوانين و تشريعات تمنحهم حرية العمل المطلقة باقتصاد بلدانهم .. و بعد انتهاء مرحلة الكساد العظيم سنة ١٩٣٤ تمت مصادرة الذهب لدى المواطنين الأمريكيين مقابل سعر حددته السلطات حتى كان مؤتمر ” بريتون وودز ” سنة ١٩٤٤ الذي يمكن اعتباره غاية الحرب العالمية الثانية و خلاصة ما خططت لها و عقد لتنظيم الاقتصاد العالمي و تم فيه اعتماد ما سمي ” معيار الدولار الذهبي ” الذي تقوم بموجبه الولايات المتحدة بمبادلة الدولار بالذهب بمعنى أن تقدم الدولار المغطى باحتياطيها من الذهب .. و تم الاتفاق على إنشاء صندوق النقد الدولي و البنك الدولي و رفض الاتحاد السوفييتي الانضمام إليها لما أعطته من صلاحيات واسعة لأمريكا المنتصرة الأغنى و تم أيضا اقتراح إنشاء ” عملة عالمية موحدة ” و رفض الاقتراح حينها لأن الطريق كان يمهد لصعود الدولار الذي سيتعزز بخطة مارشال سنة ١٩٤٧ القاضية بتقديم القروض اللازمة لإعادة إعمار أوروبا و إنعاش اقتصادها و صارت أمريكا تزود العالم بالدولار و كان ما تملكه من احتياطي ذهبي لا يكفي لتغطية كمية الدولارات المتداولة و المقدمة حتى أعلن الرئيس نيكسون سنة ١٩٧١ أن أمريكا توقفت عن مبادلة الدولار بالذهب فيما سمي آنذاك ب ” صدمة نيكسون ” و انهار المعيار الذهبي و صار الدولار يعادل فقط ثمن المواد التي يصنع منها فقط و صارت آلة الطباعة هي أساس تحريك الاقتصاد العالمي في حين فرض اعتماده كاحتياطي كما الذهب يغطي معظم العملات الوطنية لدول العالم
لقد تم غرس الدولار في قلب الاقتصاد العالمي و في قلب اقتصاد كل دولة من دوله بهدوء و ثبات و رأينا مصير كل من فكر بفك ارتباطه بالدولار و التخلي عنه في تعاملاته التجارية و غيرها
ذكرت مختصرا معروفا عن مسيرة صعود الدولار و ذكرت العملة العالمية الموحدة التي تم اقتراحها في مؤتمر بريتون كمقدمة لما قد نحكي عنه فيما بعد عما يجري من اختبارات لإنشائها و فرضها كدفع الناس لاعتماد التكنولوجيا الرقمية في كل ما يتعلق بالأعمال و حتى بالحياة الشخصية الممارسة عن بعد هي نموذج عما ستؤول إليه العملة العالمية الذكية القادمة التي ستتيح مزيدا من السيطرة و التحكم بمقدرات العالم
قصة قصيرة ..
ما حدث مع الزعيم الفرنسي شارل ديغول حين شرح له وزير ماليته الفكرة من اعتماد الدولار بمثال .. قال له تخيل أنه عرضت لوحة لروفاييل في مزاد فعرض الألماني التكنولوجيا ” أساس اقتصاده الذي يستمد منه المارك قوته ” و عرض العربي النفط و عرض الروسي الذهب أما اليانكي الأمريكي فعرض مقابلها سعرا مضاعفا و دفع رزمة من فئة ال ١٠٠ دولار ثم حمل اللوحة و غادر .. و سأله ديغول و أين الحيلة هنا فأجابه الوزير الحيلة هنا أن اليانكي لم يدفع سوى ثلاث دولارات لأن ثمن الورق المستخدم لطباعة ورقة من فئة ال ١٠٠ دولار يساوي ٣ سنتات أي أن ثروة العالم بمجملها و كامل كمية الذهب فيه تتم مبادلتها بأوراق خضراء لا تتعدى قيمتها الحقيقية ثمن ما يستهلك لطباعتها من ورق و ألوان
و بعدها قام ديغول بجمع كل ما في فرنسا من دولارات و بلغت ٧٥٠ مليون دولار و أثناء زيارته لأمريكا استبدلها بالذهب و رجع إلى فرنسا يحمل شحنة ٦٦.٥ طن من الذهب .. و وضعت خطة لمعاقبته لم تنفع معها شعبيته أو تاريخه البطولي المشرف للفرنسيين إذ قامت بعد سنوات مظاهرات طلابية و عمالية تطالبه بالتنحي فتنحى مرغما