آراء الكتاب: “المعرفة”قوة تَطبيق القانون – بقلم: حنان حمود


مقالتي لا تشبه المقالات التي تمطر القارئ بالجمل الجذلة ولا فيها خيال أدبي تجعل اللفظة تغريده تنعش العواطف،ولا رسم لصور جميلة عن واقع يشبه المستنقع.. ربما مقالتي تأخذ الطابع العلمي الذي يدعوكم للرد على العقل المتسلل بالقيم المنحرفة.. و”الاصرار الثوري “.. صرعة المثقف الملتوي الراقص على أنغام الربيع العربي، ربيع شكل في ضمائرنا فجوة معلوماتية ضيعت لون الربيع، فكانت رائحة الدم فيه تطغى على عطر الياسمين، .. فاسمحوا لي أن استدعي من ذاكرتي بعضا” من روائح القيم و انشر هواجسي الخارجة من صندوق الانتماءات الصغيرة ولو كانت بحجم حزب قاد الوطن والمجتمع أو حزب عريق عمره بعمر الوطن.. لا يهم إنسانيتي سوى النهوض بعقلي بعونكم وإرادتي بالنهوض.. أسئلة ربما تكون ثلجاً على صدوركم و عقولكم، أنتم إخواني في المواطنة والانتماء الإنساني في أي بقعة من هذا العالم.
فشل المجتمع المدني بمجتمعاتنا لأنه بُني على أسس عقلية داعشية.. بمعنى آخر الفرد العربي غير متمدن بنفس السوية، في كل المجتمعات العربية، يريد هذا الفرد ” مجتمعاً مدنياً ” تحت جلباب الدين و قانون الشريعة.. لا تحت سقف القانون المدني الذي يحفظ حق المواطنة والوطن و لا يكترث لـ مفهوم الانتماء إلى الوطن الجامع،أو تبني مفهوم المصلحة العليا للمجتمع والدولة.


بعد سقوط مفهوم الدولة الأبوي الذي بالغ بالمسؤولية وبالغ بالتفكير عن المواطن،ومن وجهة نظري أنتج مواطناً اتكالياً وغير فعال ينتظر ما تنعم به الدولة وما تعطيه من مكتسبات إن كانت مادية أو معنوية صغيرة بحجم لقمة العيش أو كبيرة بحجم الحرية.
مغالاة الحزب القائد بتحمل المسؤولية وتفريط بقية الأحزاب بتحمل المسؤولية جلبت أزمة ركود إنساني وحرب مدمرة للقيم والهوية الوطنية.
إن ظاهرة التطرف التي تسللت بكل معتقداتنا ونخرت كل العقائد بغض النظر عن الصفة الدينية أو المدنية في جميع المجتمعات الغربية والشرقية، ولكي لا نقع في فخ التعميم والمبالغة والتطرف.. لا نستطيع أن نساوي تأثير وأثر التطرف بالفعل ورد الفعل في جميع المجتمعات، والسؤال.. هل التطرف ظاهرة من ظواهر القرن العشرين معطوف عليه القرن الحادي والعشرين ؟.. لكي نعرف الجواب علينا أن نتفق على مصطلح وتعريف التطرف من الناحية الأخلاقية والصحة النفسية و ربطها بنمو الشخصية.
حسب التعريف اللغوي : هو الغلو والإسراف، أو الشطط بعيداً عن التوسط والاعتدال، والوسط في علم الأخلاق (عند أرسطو) هو الفضيلة.. ولكن عندما نطرح الأسئلة على أنفسنا.. هل يختلف مفهوم التطرف من مجتمع إلى أخر؟ هل التطرف (الاجتماعي،السياسي،الأخلاقي) يدل على تعقيدات القرن القادم ؟ هل هو خروج عن العادات والتقاليد في المصطلح الاجتماعي أم تمسك بالعادات والتقاليد؟.. ما هو المفهوم الأمني للتطرف، وهل هو خروج عن القانون والعرف؟.. هل التعصب ظاهرة صحية تعيد المجتمعات إلى الصواب؟.. أم ظاهرة تدل على خلل أخلاقي واجتماعي يدّمر المستقبل و يُقيّد الحريات والإبداع؟.
إذا كرّسنا فكرة الفضيلة التي هي وسط بين رذيلتين بعد تبيان خطورة التطرف بالمفاهيم والقيم التي تؤدي إلى إلغاء الآخر والتقوقع ضمن شرنقة التطرف.. يقفز إلى أذهاننا سؤال آخر..هل الاعتدال هو الوسطية؟
لاشك .. إن طرفي النزاع ملتقون في نقطة البداية ونقطة النهاية ومنه.. فالنتيجة واحدة وهي حالة غير صحية من وجهة نظر مادية ومعنوية ومنه نصل إلى حل الوسط أو الاعتدال.
بالاستشهاد بالمفكرين والمرجعيات الروحية وعلماء الأخلاق.. فإن القيم الأخلاقية لا تتغير عبر الزمن هي المعرفة، والمعرفة حكمة.. والحكمة مصدر العلوم ومرجع لكل العلوم..و الأخلاق هي ما يجب أن يكون.. وعندما نضع كلمة “يجب” ينفر العقل فيقع بالمحظور.. وإن عدنا لبعض القيم الأخلاقية التي ميزت الإنسان عن بقية الكائنات الحية لأنها نتاج عقلي بحت، مثلاً.. بعضهم يقول : الحرية غير موجودة، والبعض يقول هناك حريات، وآخرون يقولون الحرية هي إرادة و فعل واعي ملتزم و مسؤول، و حسب مبدأ الوسط و الفضيلة، فالحرية هي وسط بين الفلتان و القيد .و الشجاعة هي الاعتدال و العدل .. هل تتحمل المفاهيم للحريات مثل (حرية الاستماع ،حرية الكلام، حرية الرأي و المعتقدات،حرية الإعلام، حرية التعليم و التعلم، حرية التملك، الحرية الجنسية، حرية الأكل، حرية الاستمتاع) مقياس الاعتدال؟
هل للحرية قيود أم تفقد معناها مع وجود القيد؟ وهل هناك مفهوم مطلق للحرية؟
هل القيد شرط ضروري لبقاء (النظام الاجتماعي، السياسي، الأخلاقي) متوازن؟
وهل الحرية مجرد فكرة في الذهن، أم فعل و هل “الضرورة” نقيضها ؟
بما أن الحرية فعل، فالوعي والإرادة ركيزتان داعمتان لفعل الحرية وعندما يكون الإنسان حراً يصبح أشد التزاماً، وأكثر شعوراً بالمسؤولية..الحرية هي معرفة و تلاق وانتقال وتبادل بين الذات والمحيط، وحدودها حرية الآخرين.
الحرية و المعرفة و المسؤولية أفعال ثلاث في فعل واحد لا يتجزأ، جوهرها التوازن الذاتي، هل نستطيع تكرّيس مفهوم الحرية كفعل و ربطه بالمسؤولية و المعرفة و بأن الحرية مفهوم فطري لدى الإنسان.
عندما ظهر الفكر الاشتراكي تقلص فعل المسؤولية ليحل مكانه عقاب الجماعة ومكافئة الفرد فتشاركنا بعدم تحمل المسؤولية كما تحملنا جميعا عواقبها.. ظهر الخلل وكبرت الفجوة وتراجعت المبادرات خوفاً من بطش العقاب وقلة الثواب.. أن تكون مسؤول فأنت عارف وحر ، لأن الحرية أساس كل مسؤولية والقانون وحده الحكم.
ما أن تقع مشكلة، أو يضيع مستند مهم، أو يُعرقل عمل، يعطل فعل، تُشل حركة، أو حتى يموت مريض في غرفة تحت سقف مستشفى ما، على عجل نتساءل من المسؤول عن هذا أو ذاك؟
أما العقل الجمعي يسأل.. هل تُوزّع المسؤوليات كما تَتوزع الحقوق .
بالتأكيد هناك حالات من المبالغة في حس المسؤولية (قائد،حزب، مدير، أم، أب، أخت)، أو موظف عادي لديه حس عالي بالمسؤولية لدرجة جعل الآخرين غير فعالين وغير مهتمين
هل الإفراط بحس المسؤولية يجعل من حولك غير معنيين بالأمر وهل حالات الإهمال و اللا مبالاة هي نقيض المبادرة؟هل الخوف من الخطأ و من تحمل المسؤولية يؤدي إلى الفوضى، أم أنك تدلل نفسك وتترتفع فوق القانون أو تَتَهرب منه فتجعل من حولك يتحملون نتيجة أفعالك؟
ما هذه العلاقة الجدلية بين المسؤول و اللا مسؤول في تكوين المجتمع وما سياسة العقوبة الجماعية والثواب الفردي إلا تجني وميلان نحو الهاوية، ما يجعل الفوضى مصدر المعلومات ،فتضيع ثقافة المسؤولية، ويختفي المسؤول .
من المسؤول عن التهرب من العمل والابتعاد عن المبادرة؟.. وكيف نعلم أطفالنا فعل تحمل المسؤولية وثقافة الحقوق والواجبات؟
فلتسقط السيرورة الثورية و مقولة أن التاريخ يعيد نفسه في مستنقع الأوهام .
عندما نُفَجر هذا المستنقع.. نعيد كتابة التاريخ السليم دون مغالاة أو تَزّلف.. تاريخ بقارئ جديد وقراءة جيدة لأجيالنا القادمة.. يا أيها العارف اتحد مع أخيك العارف لنشر المعرفة بعد تنقية دقيقة للمعلومات .

==================

المقال منشور على موقع فينكس

https://fenks.co/index.php/2020-09-27-10-37-43/2020-09-27-10-45-06/44904-2021-04-21-08-51-36

هذا المنشور نشر في المقالات. حفظ الرابط الثابت.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s