كم عزيزة هي تلك الرسائل التي تصل الينا لتوشوشنا كالعصافير والفراشات الملونة .. وأنا في خلال هذه السنوات جمعت كنزا كبيرا من هذه الرسائل التي اعتبرها ثروتي التي جنيتها في الحرب .. هذه الرسائل الكثيرة احتفظ بها كما يحتفظ الابطال بأوسمتهم وميدالياتهم الذهبية .. ولكن ثروتي كبيرة جدا من الكلام الذي يجعلني سعيدا ويعطيني شعورا انني عشت فقط لأسمع وأقرأ كلاما كتب لي من جنود وجرحى ومواطنين وجدوا فيّ ميناء لمشاعرهم وغصنا لطيور تعبت أجنحتها من السفر الطويل فوق البحر وهي تبحث عن يابسة .. فحطت على شجرتي ووجدت ان اغصانها وارفة وحنونة .. ووجدت الدفء والامان ..
انها ثروتي التي لاأبيعها .. فماذا يساوي الذهب أمام هذه الثروة الانسانية؟ .. هل يكلمك الذهب؟؟ ماذا يقول لك وانت تنظر فيه او ترتديه؟؟ ربما كان الذهب يعني شيئا نفيسا لكثير من الناس .. ربما يعني الثروة والمال والسعادة؟؟ ولكنها ليست سعادة الشجر .. بل انها سعادة من يقدس الجسد ولايزال لايعرف الروح .. ربما مالم نفهمه في رسالة جلجاميش القديمة لايزال مشكلتنا .. ولم نوفق الى ان نتذكر ان نغرسها في نفوسنا .. وهي ان الاعمال الصالحة أهم من البقاء المادي .. اهم من الذهب الذي يخدم الجسد .. وفي نفس الوقت يستعبد الجسد ..

مئات الرسائل التي وصلتني في هذه الحرب جعلتني فخورا وكأنني كنت أبني مع نوح سفينته لأنقذ الناس .. وانني كنت ذلك الطائر الذي عاد بغصن زيتون لا بقطعة من الذهب .. عاد بالبشارة والأمل .. كل مقال كان غصن زيتون في فمي أعود به كل يوم .. وكل غصن زيتون كان يحكي ويعطي أملا لأولئك الذين كانوا على متن السفينة يبحثون عن يابسة .. اي يابسة تنقذهم من طوفان الدم والعنف والفجور والموت والعذاب والجحيم ..
كل الرسائل التي وصلتني عششت في قلبي وسكنت فيه وصارت ترفرف على اغصانه .. تزقزق فيه بكل لحن .. أعرفها وأحفظها .. ولكن فيما هي طيور حرة على أغصان روحي وقلبي فانني أحتفظ بألحانها في اقفاص أسمعها وحدي أنا ..
ومن بين كل الرسائل كانت هذه الرسالة البسيطة ذات قدرة على ان تهز الأغصان وهي ترفرف .. ولها نغم جميل خاص .. رغم انها كتبت بلغة عامية بسيطة .. الا ان كمية الصدق فيها هائلة .. وحرارة المشاعر فيها تجعل الطقس في صدري كأنه طقس الربيع تتمشى فيه الأيائل .. وربما يصبح الجو فيه مثل خط الاستواء تتمشى فيه الزرافات والغزلان .. وتنمو فيه الفاكهة الحلوة المذاق .. والاعشاب الطويلة وحقول السافانا .. وثمار الكاكاو .. التي تنهمر وتتساقط لشدة نضجها ..
الكتابة والتعبير لاتحتاجان أبا الأسود الدؤلي دوما .. ولاتحتاجان سيبويه .. فهناك لغات كثيرة غير لغة اللسان والحرف والقلم والقواميس والاكاديميات واللسانيات .. لغات لانزال نجهلها ولانزال أميين فيها او مجرد أطفال في المرحلة الابتددائية فيها .. انها لغة الروح والمشاعر والعيون واللغة التي تأتي من صوت النجوم والتي نجدها تحت أعماق الحاسة السادسة .. يكتب بها الناس العاديون بكل صدق ومحبة وعفوية .. يقطفون من ارواحهم ثمارا واغصانا ويصنعون منها أقلاما وحبرا .. حبرا سريا له عطر يشمّ اينما ذهب .. وبريق كالماس والذهب ..
============
نص الرسالة:
نارام
بعتذر إني عم اكتب عامية..وأنا الي بحترم اللغة العربية،وكل من يحبها..بحترمها لدرجة بخاف أكتبها،لأني بخجل من أي خطأ رح أرتكبه بحقها -بحبك وبحترمك لأنك بتشبه كتيييييير الأشخاص الي بعتبرها رموز بحياتي ..
انا الي مابعرف كيف شكلك بس انت بتشبههم بطريقة تفكيرك . -لازم خبرك : من وقت ما تعرفت ع نارام افتراضياً،صار يخطر ببالي الفيلم الكرتوني -المأخوذ عن القصة العالمية-((صاحب الظل الطويل )) -حتى صرت لما بسمع سعاد حسني عم تغني ؛ الرجل الغامض بسلامته متخفي بنضارة..بتذكرك
–
لازم قلك وقت بقرأ أي منشور إلك : بخجل من حالي وبزعل ع حالي أنه : قديش أنت عارف تستغل كل دقيقة بحياتك بالمطالعة والحصول عالمعرفة بكافة أشكالها ..وقديش أنا الي بمثل شريحة كبيرة من جيل صار بمنتصف العمر حالياً،وماعرف يستغل ساعات عمره
–
فرحت كتييير وقت رديت ع تعليقي بمنشور المقابلة الصحفيه الي أجريت معك..بس ما استغربت..لأني كنت عارف أنه شخص متلك،مستحيل يهمل او مايطلع ع اي تعليق او اي رسالة الكترونية.. بعرف منيح هالنوع من الأشخاص كيف بيحترموا الناس الي بتتعاطى معهم..أنا متأكد أنك بتعتبر شغلك عبادة..وأنه حبك لشغلك بقوي علاقتك مع الله..وأنه إتقان العمل بيعكس علاقة العامل او الموظف مع بلده..وبنفس الوقت هوي انعكاس لتربيته وطريقة تعاطيه مع أهله. –
كان لازم راسلك من وقت ما كتبتلي إيميلك..بس والله كنت مارق بظروف صعبة وبنفس الوقت كنت خجلان اكتبلك بالعامية…كنت ناطر رجعة صديقي من السفر ((شاطر باللغة العربية كتير)) لحتى يحولي العامية للفصحى((بس لحد هالوقت مارجع)).. -بعدين قلت : يا ولد اكتب شو بتحس وبالطريقة الي بتريحك..انت عم تراسل شخص بيشعر بالكلمة وبيلقط ماوراء السطور وبيستشف اذا فيه دفء وحب او كره وحقد من طريقة صف المفردات
–
بتخيل انك رجل سبعيني صوتك حلو..مستمع جيد للناس الي بتحكيك..ابتسامتك حلوة..متجدد..بحب يقعد مع جيل الشباب..مابتبخل ع حدا بأي معلومة او أي مساعدة..حامل عطر بلادك وين مابتروح ((هيك بتقول الغنية)) –
كنت كتييير اتخيل انه ******* عامله لقاء إذاعي معك وانا المخرج الي عم حطلك أغاني وموسيقات بتحبها ((طبعاً مع الحفاظ ع كل الغموض والسرية الي انت حريص عليها من ولادتك))..ع فكرة **** بتشبهك كتييير
–
شكرا لانك كنت تمدني بالطاقة الاجابية..شكرا لانك كنت تعطيني الصبر ع كلشي مو حلو بواقعنا..شكرا لانك كنت تلفت نظرنا عالشي الحلو ببلدنا…شكرا لكلشي كتبته،حتى لو كان ع قولة الي مابيشبهنا : كتابات طوباوية وخيالية و فنتازيا..شكراً لانك كنت واحد من الي ساعدوني انه حافظ ع مساري بهالازمة
شكراً لأنك سوري
شكرا له!! لقد عبر عن كل ما يعترينا من مشاعر اتجاهك أيها العظيم!!
شكرا لك لأنك نشرت هذه الرسالة الحلوة. غرغرت الدموع في عيني عندما قرأتها!
إنها رسالة عفوية مليئة بالحب وصفاء القلب والطلب للمعرفة والعلم.
أقول إلى صاحب الرسالة: أنا مثلك يا عزيزي عندما تعرفت على مقالات نارام من كم سنة وقعت في غرامه ! نعم عشقت قلمه، عشقت ثقافته الواسعة، عشقت نقده السلس، عشقت بصيرته و، و، و، . أنا الآن مدمنة على نارام ، على كتاباته على تحليلاته . أنتظر مقالاته بفارغ الصبر وأرسلها إلى أصدقائي.
اسمح لي يا عزيزي أن أصلح آخر كلمتين مؤثرتين في رسالتك ” شكرا لك لأنك سوري” لا ليس لأنك سوري بل لأنك وطني سوري ، لأن حب سوريا يجري في عروقك، لأنك تدافع عن سوريا بكل ما عندك من ثقافة واسعة ومن عزم وإرادة حتى نرى الحقيقةالتى صارت قطع نادر هذه الأيام. شكرا لك لأنك ساعدتنا كثيرا في الأيام السوداء التي مررنا بها وما زلنا.
لو عندنا كلنا نفس الحب لبلدنا لكنا في أحسن حال!
كلمة أخيرة، إن نارام ليس هو أول كاتب بالتاريخ يكتب بأسم مستعار ، الأسم غير مهم المهم المضمون.
مع احترامي وتقديري
من بغداد ومن اشد المعجبين بهذا الاديب الفذ ، انا قارئ كتب نهم ، وبأمكاني معرفة الذوق والاسلوب الامثل في الكتابة والتعبير ، ولكن المثالية مع نارام محرجة جداً ، فهي خائفة من ان لا تحتمل وصف حجمه ووزنه وفنه .
في كل مرة اقرأ فيها مقالا ما لنارام اعرف كم هيه فداحة الخسارة من أديب مفوه ومفكر ..
لا ينشر كتابا ما لافكاره وما يحتويه بحر معرفته ، وكم يتملكني الحزن لذلك .