لايمكن الحكم على اي فرضية او مشروع الا بالتجربة .. وتجربة المنتدى الافتراضي للاستاذ ناصر قنديل نجحت في اظهار ان التفاعل اهم من الانفعال .. وان الانتقال الى مرحلة اشراك المتلقي في الحوار اهم من اقناعه لانه في الحوار معه نتعرف على ثغرات في النظرية التي اطلقناها والمعطيات التي استنتجناها .. وهذه طريقة ننتقل فيها من طريقة الوعظ والقاء الخطاب كما درجت عليه العادة في ثقافتنا المشرقية حيث يتحدث الواعظ من على منبره ويكون دور الموعظ اليهم هو الاستماع دون تدخل ..
اليوم العالم كله يعظنا عبر الاخبار والتقارير الكاذبة .. والعالم كله في كل منصاته يمارس دور الواعظ والوصي وشيخ الجامع ..ولايسمح لنا بالكلام.. والحقيقة ان وعاظ العالم اليوم كوعاظ السلاطين – بالأمس واليوم – كانوا دوما كذابين وصوت الاعلام الواعظ يغطي على صوت المصلين السذج .. الذين لاصوت لهم الا بقول آااااميييييييييين فيما هو يخاطب الله نيابة عنهم ويقول مايريده هو ..
وتحضرني قصة صديق سوري وطني جدا يعمل في السعودية كلما حضر الى الصلاة في المسجد في السعودية كان عليه ان يستمع الى خطبة نارية من الخطيب الذي يتحدث عن النظام السوري كما لو انه يروي قصصا من الخيال الجهنمي وعن عام الفيل وابرهة الاشرم .. وعن الملائكة التي تهاجم الجيش السوري وعن الطيور والغرانيق التي تهبط ويراها المؤمنون وهي تصعد الى السماء حاملة معها أرواح المجاهدين الانتحاريين في مظاهرة الى السماء حيث زغاريد الحوريات تجلجل في السماء .. فيما تحمل طيور الابابيل المهل والنار وتلقيهما على جنود النظام النصيري .. والمصلون يكبرون وتدمع عيونهم .. وكان هذا الصديق يستمع بغيظ شديد ولايقدر على التصحيح والسؤال والاعتراض والا نزلت عليه طيور الابابيل وقطع رأسه بالسيف في الجامع على صوت التكبير .. ولكن أصعب لحظاته كانت عندنا كان الخطيب يبدأ بالدعاء .. ويدعو على الأسد بالهلاك وعلى الجيش السوري بالدمار وأخذه اخذ عزيز مقتدر وان يجعل كيد الموالين في نحورهم وان يذلهم وان يفنيهم عن بكرة ابيهم لترتاح السماء ويسعد الانبياء ويبتسم النبي والصحابة .. وكان الجميع يرددون الى حد الصراخ آآآآمييين .. فتهتز الثريات .. وكان صاحبي يرفع يديه الى السماء مثل القوم .. ولكنه يقول بصوت خافت .. مو آآآميييين يارب العالمين ..
هذه حال المتلقي في الوعظيات .. سواء كانت سياسية ام دينية او اعلامية .. ولكن التجربة التفاعلية للمنتدى الذي اقامه الاستاذ ناصر قنديل في اللقاء الافتراضي جعلت الجميع يصعد على المنبر ولايكتفي بقول آمين .. ويكون خطيبا لدقائق .. يقول مايقول .. يوافق أو يعترض ..
وبعد ان تحدث الاستاذ ناصر .. نزل عن المنبر .. وتوالى صعود المشاركين بين موافقين او مختلفين .. ولكن هذه الديناميكية أغنت الافكار .. والاسئلة أثرتها .. ولاشك ان تطور اللقاء سيفتح آفاقا جديدة ومنعطفات جديدة في الحوار والتفاعل .. وأساسا ديمقراطيا وثقافة ديمقراطية .. وسيكتشف الناس ان صراخ الديكة والمصارعة في برامج حواريات الجزيرة والاتجاه المعاكس والاعلام الخليجي واستقبال خمسة ضيوف او عشرة مأجورين لايضيف شيئا .. وان الطريقة الدنيئة للخطاب واعتماد الوعظ شيء لايليق وهو مهين للمستمع الذي يرغم على ان يبتلع قيء المتحدثين وينحط في مستواه ويتدنى مستواه الاخلاقي والفكري والاجتماعي ..
التجربة في بداياتها .. ولكنها ستؤسس لمسار جديد في الخطاب الاعلامي العربي الجماهيري ..