و نحن في زمن يعقب عهودا طويلة من الخذلان و فقدان الأمل بفعل عربي جامع فيه أثر من شرف قد يتوق البعض لحدث ينفض عن نفسه ما تراكم من إحباط و يزيح ستائر الخيبة التي أسدلت دون ٱمالها بوجود أشقاء مفترضين أو يبعث فيها ما مات من حلم بوجود عاقل في هذا العالم العربي الموحش و الأبله .. إثر الخيبة المريرة التي أحدثتها الجزيرة و غيرها من نخب إعلامية و فكرية عربية بعد أن كانت ترتدي زي المقاومة و ترابط في خنادقها و تلهث لنقل تحركاتها ظهرت حقيقتها المخزية فجأة بداية الحرب السورية .. كما حدث مع جواسيس جاسوا ديار العرب محمولين على الأكتاف و بالعيون زرعوا بخبث في تربة أمدتهم بنسغها بكل بساطة و طيبة و بعد مدة كانت تظهر قبضة الخنجر و النصل غائب في القلب العربي و قلب قضاياه .. و لم يتوقف الخداع و لم تتوقف الطعنات و لأن العربي لا يلدغ من جحر مرتين أو أكثر كان لزاما على كل طعنة جديدة أن تكون أكثر مهارة في اختيار موضعها لتجدي مزيدا من العمى ليعقبه مزيد من الضياع ..

و حين ينطلي الفعل الاستخباري الحالي على الكثرة الغافلة يكون العمل جاريا لاستهداف القلة التي اكتسبت مناعة ما أو يقظة جراء ما سبق .. توقفت الجزيرة عن مقاومتها و توقفت حماس و صارت كل منهما تناضل مع بغال الربيع و أي منهما لم تغدر و لم تتغير بل كانت تتابع تنفيذ العمل الذي أنيط بها ..قد تحتاج المهمة الجديدة لحماس نيل مزيد من الثقة .. ثقة من يتوقون لعمل بطولي في زمن الضعف و الاستسلام .. توفره مشاهد القتل و الدمار التي تبرع إسرائيل في إحداثه مع الضخ الإعلامي المركز المرافق لصورايخ حماس و للهلع الذي تحدثه في نفوس المستوطنين مع ما يصدر عن الجيش الإسرائيلي من تصريحات عجيبة أحيانا أشبه بتسليط الضوء عليها منه لإضعافها كأن يقول إن حماس تتبع أسلوبا غير معهود في حربها هذه و إن القبة الحديدة لا تجدي نفعا مع صواريخ حماس .. ثم يلتقط الإعلام المقاوم تلك التصريحات و يرددها كأغنية تظهر فيها نشوة النصر كما تظهر غفلة أن من ينقلون عنه هو ذلك العدو الذي طالما وصفوه بالكذب و الخداع .. تعمد وسائل الإعلام على نقل أخبار حماس بطريقة تخلق حماسا و تعاطفا لدى المتلقي و قد يغدو معها مهيئا لتقبل مهمتها الجديدة مستقبلا .. أكاد أجزم فيما لو غيرت قناة الجزيرة بعض خطابها و صارت تحكي حقيقة الحرب السورية لأجهش الملايين بالبكاء و كنت سأشعر بذات الاشمئزاز من كم العاطفة المقيت المرافق لكل خبر عن حماس ..البعض يتابع من الأخبار ما يحب أن يسمعه و ينأى بأذنيه عما لا تحتملان سماعه و هذا البعض يسعى دائما للتأويل بما يتواءم مع حاجته .. هناك ثوابت خلقتها أحداث خاصة في الحياة تعلق بالذاكرة لا تبرحها حتى تأتي ثوابت أخرى مناقضة لها و أكثر قوة تقتلعها و تلقي بها بعيدا لتحل محلها هذا عندما تكون الذاكرة حية لا مريضة أو مرهقة حيث تكفي بعض الشوائب و الشواهد الجديدة لتغيب ثوابتهاقبل الاندفاع لحماس و نسيان حقيقتها في زخم الصواريخ و التصريحات و حتى قبل اتهامها بالخيانة أو بصحوة الضمير يجب أن نتمسك بذاكرتنا و لا نرغمها على النسيان أو إهمال أي معلومات أكيدة و ثوابت وهبتها لنا الحرب السورية التي كانت و ستبقى المحك الأخير للحقيقي و المزيف بكل ما يتعلق بالشأن العربي و التي يجب أن ينظر من خلالها إلى كل حدث في المنطقة و حتى في بعض أجزاء من العالم بزاوية ما .. حروب حماس يمكن أن تقع كل مدة و قد تنتهي دائما على ذات النمط و الحرب السورية وقعت مرة واحدة و ما تزال قائمة و هي لن تنتهي بالمدى المنظور و لن تنتهي بنمط معهود أبداكنت أقول .. قبل الاندفاع لحماس إيجابا أو سلبا يجب السؤال ما الذي دفعها لسوكها القذر بداية الحرب السورية .. أخطأ ارتكبته و بالإمكان تصحيحه أم هفوة و كبوة يمكن عذرها أم هو أمر نفذته بكامل وعيها صدر عن جهة اعتادت الخضوع لها و أن تكون طوع بنانها لأنها أخوانية و لأنها ذليلة .. إن الاحتمال الأخير هو الصواب الوحيد المتاح للعاقل .. الأخواني كالقبلي و الطائفي رغم ما يستطيعه من إحداث خلل في البنية المجتمعية و تمزيق لنسيج الحالة الوطنية لكنه أعجز عن أن يهزم عدوا حقيقيا و أعجز عن أن يكون غير عبد ” كالميت بين يدي من يغسله ” .. و حماس أخوانية و عبدة و ذليلة و طائفية و لن تسلك يوما غير سلوك هذه العاهات و لا يمكن أن يعول عليها بخير من قريب أو بعيد