عندما يذكر رجال الدين يقرر العقل ان يذهب في نزهة ولايعود الا عندما يغادرون النقاش .. ويقرر المنطق أن لاينطق .. وخاصة بعدما رأينا الدين في مرحلة الانحطاط والاستئجار والاستثمار .. ورأينا النماذج المتوحشة منه .. وراينا دين القصور والرفاهيات .. وأنواعه فهذا دين نفطي وذاك دين سلجوقي .. وهذا دين مزروع في أصيص السي أي ايه .. وذاك في مزارع الموساد .. ولاشك ان الربيع العربي جعل الدين طعاما مسموما ..
قلة قليلة من رجال الدين كان عليها ان تقاتل للحفاظ على نقاء العمامات ونظافتها بعد أن تحولت العمامات الى ثعابين ملتفة سوداء وبيضاء تذكرنا برأس الميدوسا الذي كان شعرها مجموعة من الافاعي .. فالعمامات صارت تصنع من اجسام الافاعي وتلتف حول الرؤوس .. واذا بالميدوسا تفرّخ بيننا رجال الدين وعماماتهم ماهي الا ثعابين ملتفة على رؤوسهم .. القرضاوي كان ميدوسا قطرية وكل مشايخ الفتنة الوهابيين لم تكن عمائمهم الا رؤوس الميدوسا ..

وكان الدين الاسلامي في خطر شديد من موجة عمائم الميدوسا .. ازداد الكفر يسببهم وازداد النفاق من شدة الخوف من هذه الرؤوس الاسلامية الميدوسية التي تنفث السم والموت .. وربما كانت الحرب بين العقل وعمائم الميدوسا شرسة للغاية .. ليس فيها الا قاتل ومقتول .. ولكن أصعب مهمة وأشرس قتال كان بانتظار العمائم النظيفة .. التي كانت منسوجة من صفحات القرآن .. وكان عليها ان تتقاتل مع عمائم الميدوسا ..
صعبة جدا هي عملية التصالح مع الدين والاطمئنان اليه بعد الذي جرى .. ولكن كلما استمعت الى الشيخ احمد بدر الدين حسون – وخاصة بالامس – احسست أنني أمسكت برأس الخيط الذي بهديني والترياق الذي يداويني من سقمي .. ويرقأ جراحي .. استمعت الى خطاب ديني يتفوق فيه العقل بل ويبارز العقل بجدارة .. ويجلس العقل يتأمله معجبا ومبهورا .. يستمع اليه باضغاء شديد من فم هذا الشيخ التقي النقي الورع العالم الذي يقرأ الدين منذ فجر الخليقة وليس منذ البعثة المحمدية .. ويعلم ان الجامع الاموي كان معبدا وثنيا ثم كنيسة ثم جامعا .. ويرى في هذا التكامل في البحث عن الخالق بين الاجيال المتعاقبة تكاملا بين البشر ورايات تتلو رايات في الرحلة نحو الحقيقة وسرّ الله والايمان الذي صار اطاره الاسلام .. ويقرأ الرسالات وكأنه باحث في تاريخ اللاهوت .. لأن معرفة الاسلام تقتضي معرفة كل الديانات والعقائد الاخرى ..
والحقيقة الصادمة هي التي نكتشفها في هذا الحديث .. وهي ان معرفة اي دين لاتكون كاملة الا بادراكها لكل الاديان المحيطة .. وكل معرفة دينية معزولة عن غيرها تكون ناقصة ومشوهة ومريضة .. والايمان بأي دين لايمكن ان يكون صحيحا الا بمعرفة الأديان الاخرى على حقيقتها .. وهذا ماوقعت فيه الغالبية الساحقة من رجال الدين المسلمين .. الذين وصل بهم الجهل بالاديان الاخرى انه انعكس عليهم جهلا في دينهم .. وتحول علمهم الى قوقعة متكلسة .. وصاروا مستحاثات تمشي .. وهذه نتيجة طبيعية لهذا التقوقع والتعمق في القاع دون المرور بكل المياه التي حولك .. فلايمكنك ان تتطور في اي شيء في الوجود من خلال نسخة واحدة ونوع واحد يكرر نفسه الى الابد .. بل ان التلاقح والتبادل والتأثر هو سبب من اسباب البقاء والحياة ..
ولذلك نجد ان الفترة الذهبية للاسلام هي الفترة التي خرج فيها من الصحراء واعتنق الثقافات الأخرى واعتنقته الثقافات الاخرى .. واضافت اليه .. واعطته الكثير لينتشر ويقوى .. وكان من الظلم ان نقول ان الشعوب المفتوحة اعتنقت الاسلام دون ان نقول بأن الاسلام أيضا اعتنق الثقافات الاخرى .. ولكنه منذ ان تحنط في استانبول في المرحلة العثمانية التي لم تضف اليه الا بعدا عسكرا انكشاريا واستبداديا وتوسعيا وابعدته عن التعرف على الثقافات والديانات الاخرى والعلوم الاخرى فانه تراجع وتعثر وتحنط وتجمد وتحجر وصار مستحاثات شرقية .. وفقد اتصاله بالحضارة والعلوم .. وصار غريبا في العالم وغريبا عن العلم .. وكل الحركات السياسية والاجتماعية التي ظهرت في المجتمعات الاسلامية بعد فترة الاحتلال العثماني كانت تحاول ان تبعث فيه الحياة والدم .. حتى الحركات الشيوعية المشرقية والقومية كانت في اعماقها محاولات لتطعيم الدين دون ازاحته ..



عندما ينغلق رجل الدين فانه يجبس دينه في زنزانة .. ولذلك تجد ان الاديان العنصرية تلد السياسات العنصرية وتنفلت في توحش واجرام لاحدود له وهي تصادف الغرباء عنها وتقتلهم بسبب شدة الجهل بهم والخوف من الغرباء .. كما حدث مع الافكار العنصرية الغربية الأوروبية التي قتلت وفتكت بكل خصومها باسم الدين واستجلبت نظرياتها العنصرية من عنصرية الدين الذي تحول الى دين عنصري على يد ابنائه .. فكيف يمكن لدين جاء به يسوع المحبة والسلام والتسامح ان يقتل ملايين الافارقة والهنود الحمر ويخرجوا بحملات ابادة واستعمارية .. وكل من ارتكب العنف العنصري الاوروبي القاسي الهمجي كان من بيئة المسيحية التي كان يجب ان تحميها من العنصرية ..؟؟ وهذا هو نفس الامر في الفترة العثمانية السوداء وفترة ابن تيمية والفترة الوهابية .. وفترة داعش والعنف الاخواني المفرط في الكراهية والحقد رغم ان نبي المسلمين دخل مكة وقدم درسا فذا في الصفح والغفران والمحبة والتسامح .. فالقتل في الدين العنصري هو وليد انغلاق الدين الذي يخترع او يجترح آلية دفاع نفسية متوحشة عن جهله بسبب جهله الذي صنعه بنفسه لنفسه .. وهذا مانجده دوما عند المتزمتين دينيا والذين لايريدون ان يعرفوا الخير في الطرف الآخر بل تجدهم مشغولين بالبحث عن الثغرات في أديان الاخرين ومذاهبهم ليس للاطمئنان على نقاء دينهم بل من اجل الاستعداد لتبرير العنف والتطرف عندما يتعرض دينهم للامتحان امام اي تجربة عقلية او دينية مغايرة تتحداه .. فتكون الفتوى جاهزة وقرار الاعدام جاهزا بالتكفير .. ولذلك فان ماتراه من عنف اليهود الحاريديم لايختلف قيد شعرة عن الدواعش والاخوان المسلمين ولا عن التنظيمات الاصولية المسيحية المتمثلة بالمسيحيين الجدد .. وهم استكمال لمسيرة التشنج الصليبي في الحروب الصليبية والتشنج العثماني في المرحلة العثمانية السوداء .. وهذه الأصوليات على انواعها انفردت انها عنيفة مع كل المغايرين وخاصة مع المغايرين من ابناء عقيدتها أنفسهم ..
انا مثلا عندما يقول المفتي في اي بلد مسلم انه ليس مفتيا لجزء من اهل البلاد بل لجميع من هم في تلك البلاد .. فانني أستطيع ان أقول انه نقلة هائلة نوعية في الفهم العميق للدين .. المفتي حسون يقول انه ليس مفتيا لأهل السنة في بلاده بل هو مفت لكل السوريين على اختلاف انتمائاتهم الدينية .. وهذا هو دوره كعالم في الدين الاسلامي .. وهذا يدل على انه يدرك دينه جيدا وقد ثقفه جيدا .. وخلصه من العنصرية والكراهية والصلف والخيلاء والغرور والجهل .. ولكن هذا التثقيف أدّبه وهذبه وجعله غنيا ثريا بالحكمة والمعرفة والروح والانسان .. ولايمكن لأي رجل دين ان يصل الى هذه المعرفة الا ويوصل دينه الى المعرفة السامية العليا والايمان الاقصى ..
المفتي حسون رجل دين استثنائي جدا وظاهرة بكل معنى الكلمة .. وهو الذي أضاف للعمامة ولم تضف العمامة له شيئا جديدا بل انه هو من شرّفها وهذّبها وعلمها .. ولولاه وأمثاله لكانت عماماتنا في سورية عمامات ميدوسا .. أفاع تلتف فوق رؤوس الوعاظ .. مخيفة مرعبة كما عي رؤوس الميدوسا في كثير من مساجد الشرق .. عندما تنظر اليها سترى انها ليست عمائم بل أجساد أفاع .. فوق رؤوس لاأقول الا انها رؤوس للشياطين ..
===============================
استمعوا لهذا اللقاء بعناية فائقة .. وتعلموا أصول أديانكم ان كنتم مسلمين أو مسيحيين وكل من له كتاب