
السيد نارام سرجون المحترم،
تحية عربية وبعد!
تواصلت مع حضرتك قبل بضعة أعوام عبر السيد اسد زيتون – أعاده الله لنا سالماً في أقرب وقت – وقد تذكرني لإنني ربما من القلائل الذين عملوا على ترجمة بعض مقالاتك الى لغات اخرى في بدايات الازمة وذروتها، كمقالات: وقرون الثور ولويناها وقرون الشيطان.. تركيا وادي الذئاب.. العواء الذي لن يوقف الفجر.. ثورات الكوكاكولا ونهاية التاريخ.. استشهاد الثور المجنح وانتقام اور شليم.. الحمامة البلجيكية.. نهاية افلام هوليود وغيرها وغيرها.. كنت دائماً أشعر عند ترجمتي لمقالاتك او عند ترجمتي لكلمات الدكتور بشار الجعفري- عذراً، ولكن ناهيك عن الأهم، وهو ترجمة كلمات ومقالات السيد الرئيس – بشعور لا يوصف، لا يضاهيه ربما سوا شعور حضرتك عندما تنتهي من كتابة مقال يمرغ انف الاعداء في الوحل، كذلك المقال الذي ادخلت فيه فيصل القاسم في…. المهم ان شعور ترجمة الكتابات والمقالات المهمة في تواقيتها المقدسة شعور عظيم بالعمل وبالمسؤولية، بالأحرى بالوظيفة التي يكون بلاها الإنسان مجرد لا شيء.. فأين الشرف والعزة وأين تكون لذة الحياة وذلك التحدي المزروع في جيناتنا لمغترب ما لم يقم بكل ما بوسعه من مكانه في هذا البلد او ذاك لنصرة بلده ونشر نور الحقيقة التي يريدون طمسها، فباتت تحرق أعينهم وأعين أتباعهم وتكوي عين رأس هرمهم..
ساعدني في أغلب ترجماتي هذه صديق مجري تعرفت عليه عبر الانترنت حين كنت أسعى عبر الفيسبوك بلغة بسيطة على نشر الحقائق التي يريدون طمسها فأصبحنا ثنائياً رائعاً، أنا اترجم، وهو بكونه اديب وفنان يعيد تغيير ترتيب الكلمات لتدب فيها الروح كما كانت في الأصل عندما انهيت حضرتك كتابتها وانت ترتشف فنجان القهوة الجميل ذاك على مكتبك.. أنا متأكد بأن مكتبك جميل وقد يكون احدى احلامي ان اشرب فيه القهوة يوماً معك.. المهم صديقي هذا شاعر واديب يتفنن باللعب بالكلمات بلغة هذه البلاد ومدرك تماماً ماهية العدو المشترك لجميع الدول والشعوب المتمثل بالليبرالية الجديدة التي تنهش جميع المجتمعات بأسنان تنانين.. تارة تحرض وتقتل وتقصف وتجوع كما هو الحال في بلادنا، وتارة بأعلام أقواس القزح للتي تريد أن تطغى بها على كل الأعلام الأخرى كما هو الحال في هذه الايام جراء الحملة المسعورة ضد دولة المجر لتصويتها على قرار يمنع تعليم الأطفال في المناهج الدراسية أي شيء يمت بصلة بأي من أنواع الشذوذ الجنسي..
صديقي هذا في الواقع أديب وفنان جميل الروح محب لسوريا لأقصى الحدود من دون أن تسنح له بعد فرصة زيارتها ويرى في السيد الرئيس فيلسوفاً لا يصل الى مستواه أحد من باقي السياسيين في العالم.. تفننا معاً حينها بترجمة كلمة السيد الرئيس في اوائل الازمة لعلماء الدين الى اللغة المجرية أكدت له صدق روايتنا وسمو فكر ونبل رئيسنا وقمنا بنشرها على صفحات مختلفة.. صديقي هذا اسمه بيتر، ولكنه يكتب باسم وهمي، كما كنت أنا أفعل ذلك أيضاً، هو كان شيروي ايشي أي الصخر الأبيض بالياباني، وأنا كنت أكتب بإسم قدموس.. بيتر كتب الأسطر التالية باللغة المجرية محاولاً إيصال فكرة عميقة لمتابعيه المجريين بطريقة فنية أدبية لا أجمل منها بلغة ومفاهيم هذه البلاد، فاسمحوا لي بأن أنقلها لكم عبر ترجمتي المتواضعة التي، حتى لو احتاجت بعد بعض التنقيح، ولكنني متأكد أن روح كلامها ورحيقه سيصل الى كل الباحثين عن الرحيق، أولئك الذين أصلاً لا يرضون إلا بالرحيق.. لأنني هذه المرة وعدت صديقي بأن كتابته هي التي ستصل الى نارام وليس العكس، فتقبلها يا سيدي وانشرها إذا رغبت لتصل الى اصدقائك المتابعين أيضاً..
“آه، يا أبناء الرحيق، يا أبناء محيط الرحيق. أرجوكم، أن تستمعوا الي. يا من وُلدتم في الرحيق. أنتم وُلدتم، لكي تستطعموا الرحيق. لا تسمحوا إذاََ لأنفسكم، أن تملو أنفسكم وترضوا بغير الرحيق. استيقظوا! استيقظوا! وابحثوا عن هذا الرحيق!”
في غابر الزمان سحرت سواحل فينيقيا، إحدى مُهُد ثقافاتنا القديمة، آلهة الأوليمب، آلهة ذلك الزمان.. ووُلد في تلك البلاد جمال قد تمكن من سحر إله الإغريق الأكبر، زيوس أيضاً.
إن الجمال حقيقة، الجمال علم، الجمال خير، الجمال محبة، الجمال فن، الجمال أدب، الجمال موسيقا، الجمال ثقافة، الجمال كلام، الجمال أدب، الجمال أدب، الجمال صوت، الجمال هو العلم.
هذا الجمال.. هذه الجميلة.. كانت أوروبا.. ابنة الملك الفينيقي أجينور.. الجميلة..
هي كانت رحم الثقافة الأوربية وأصل الانسان المكتوب بالأحرف الكبيرة، القانون الأبدي، خيط السانتا دارما (الترتيب الخفي)..
أوروبا كانت ترتدي عقداً من لؤلؤ الحقيقة، يحافظ على موازين هذا العالم.
اختطف زيوس – كبير الآلهة – الجميلة أوروبا وهو على هيئة ثور أبيض كبير.. فكرة – مفهوم – الجمال بحد ذاته..
خصب كبير الآلهة زيوس الجمال خالقاً بذلك ثلاث ثقافات أخرى..
لم يسمح أجينور باختطاف ابنته، وأرسل ابنه قدموس للبحث عنها.
كان يلقي قدموس أينما سعى وهو يبحث عن اخته.. (الجمال نفسه).. بتلاته في كل مكان، فكانت الحضارات تزدهر عند قدميه..
“آه، يا أبناء الرحيق، يا أبناء محيط الرحيق. أرجوكم، أن تستمعوا الي. يا من وُلدتم في الرحيق. أنتم وُلدتم، لكي تستطعموا الرحيق. لا تسمحوا لأنفسكم إذاً، أن تملو أنفسكم وترضوا بغير الرحيق. استيقظوا! استيقظوا! وابحثوا عن هذا الرحيق!”
ابحثوا وابحثوا عن الجمال (الجميلة)! ابحثوا وابحثوا مع قدموس عن الجمال (عن الجميلة)..
عن الحقيقة!
انتصر قدموس على تنين سيد الموت، وتمكن من بعد أعوام طويلة من العبودية أن يحصد مكافئته هارموني.. ابنة إلهي الحرب والجمال..
ابحثوا عن خيط عقد اللؤلؤ الخاص بأوروبا، لتتمكنوا من إعادة تجميع لآليه!
أوروبا باتت عاهرة اليوم..
أوروبا باتت ثقافة الموت..
نحن علينا أن ننتصر مجدداً على هذا التنين، لكي نقتلع أسنانه، كما فعل حينها القادم من الشرق قدموس..
اليوم.. سادة أوروبا التي باتت عاهرة، لا يزالون يزرعون أسنان التنانين.. يغرسون محاصيل أسنان التنانين في كل مكان..
لذلك عليكم أن تقاوموا.. أن تناضلوا معاً مع قدموس من أجل الجمال، من أجل الحقيقة، من أجل أوروبا الضائعة المخطوفة!
ابحثوا وابحثوا عن الجمال، ابحثوا عن الحقيقة..
هذا ما يطالبكم به كاتب هذه السطور.. وهذا ما يطالبكم به قدموس أيضاً..
ناريشيما
ختاماً..
لكل لغة سحرها وقد يكون من شبه المستحيل نقل كلام ادبي من لغة الى أخرى بذات المستوى الادبي وبالطبع أنا أعرف ان الأسطر أعلاه بعيدة كل البعد عن حالها بلغتها الاصلية، ولكننا عندما كنا نترجم لك، كنا نعمل كل ما بوسعنا من مكاننا هنا لتدبّ الروح في ترجمة كلمات نارام كما كانت – خاصة في أول الأحداث وعند أهم منعطفات الحرب – غذاءً للروح السورية العطشى.. نحن لسنا الا بتردد صدى صوتك وصوت سوريتنا القديسة الجريحة اوروبا العروبة التي طالما حاول أهل المكر اختطافها ونسبها لهم.. نحن اصلاً لا شيء من دون سوريا ومن دون صمود أسدها وجيشها وشعبها.. ومن هذا البلد الصغير في اوروبا الوسطى نحن الآن على موعد قريب مع اعادة افتتاح سفارة الجمهورية العربية السورية في بودابست، وربما يوماً ما قد تزورنا أنت أيضاً هنا واتشرف بأن أحضر لك القهوة بنفسي واضعاً على جانب الفنجان وردة ليمون او وردة برتقال – انا تعلمتها منك وأسميتها قهوة نارام – عندما يكون حظي جميلاً في الربيع وتزهر أشجاري الصغيرة التي أحاول تربيتها داخل منزلي.. بشكل طفولي لا يمكنني أن أتخيل زيارة نارام الا في الربيع.. أتمنى أن آخذك معي الى المكان الذي كنت أسهر فيه مطولاً حين يتطلب الأمر ويأمرني ضميري أن أترجم، وانا انقل كلام قد سطر من نور الى لغة هذه البلاد.. أتمنى أن أحكي لك حكايا سوريين من الغربة، كيف اغتربنا وكيف علقنا وكيف وكيف وكيف.. وأحكي لك كيف صرت مترجماً معتمداً في هذه البلاد، ولو من دون علمك، ولكن بفضلك وفضل السيد الرئيس حماه الله ونصره على كل أعداء الانسان..
مع كل الحب والوفاء، من بودابست..
عامر أحمد عباس
متابع من دولة المجر..
—
Abbas Ámer – Credit-Med Kft.
http://www.cadmusforditas.com
