و نحن نشهد قفزاتنا النوعية العريضة للانتقال من واقع الدولة الطبيعية المقاومة إلى واقع الدولة الافتراضية ” المتخيلة ” المقاومة .. لا يمكننا التشكيك بأحد دون امتلاك المستندات اللازمة .. المستندات هي الأساس و هي ما يؤكد التجاوزات و ليست آثارها حتى لو عانى منها معظم قاطني البلد و حتى البلدان المجاورة .. و أما كيف لإنسان لا يعرف مقدار ما يدفعه من ضرائب و رسوم و لا ما يحتاجه ليعيش و ينتظر ليل نهار رسالات البطاقة ” و يحمل المعول باليد الأخرى ليبني ” أن يحصل على مستندات أو أن يهتم بها تلك مسألة لا قيمة لها في زمن التحولات ..
ملاحظة .. لم أذكر الفساد يوما لإدراكي أن لا أن لا داع لإضاعة الوقت بالسعي للإمساك بذرات الغبار و ليكن الوقت ضائعا دائما في مسعى آخر كأن نذكر رياح الغرب التي لطالما تعصف بنا و ترقص في مخيلتنا و تثير في بعض رقصاتها ذلك الغبار .. لم أذكر الفساد ليقيني أنه مهما استشرى بصيغته المتداولة ” السرقة ” لن يتسبب وحده بهذا الكم من الإنهاك للاقتصاد و للدولة .. و لا بد أن يكون هناك من يتجاوز بارتكاباته السرقة ليكون عميلا مخربا ..

ظروفنا ليست قدرا و لم تكن يوما قدرا و لقد واجهنا العسكرية منها بإرادة لا تعرف المهادنة بينما نركن للاقتصادية و نسايرها بكل ما بقي لدينا من إرادة فنمضي فيها عبر ما ندفع إليه دفعا أو عبر ما يتاح لنا المضي فيه دونما ترو أو حذر .. الأمر الذي تسبب مرارا في استهلاك النجاحات العسكرية بإضاعة الوقت الثمين الذي وفرته حين أخضعنا اقتصادنا لتجارب غريبة عنه ” تحت مسميات متطلبات المرحلة و اللحاق بالحداثة و غيرها من عناوين لا تليق بمن يسعى للنهوض اعتمادا على ذاته لا اعتمادا على ما يفرض عليه أو يقدم له على طبق ” .. تلك التجارب ابتعدت بالاقتصاد عن الماهية التي بني عليها منذ أن اختارت سورية هذه الطريق .. المقاومة .. كان لخروح روافده في منطقتي الشمال و الشرق عن مساره إضافة للحصار أثرا في إضعافه لكن تجارب الحلول و ما تلاها من تجارب لحل مشاكل التجارب هي ما أنهكه و أفقده عقله .. كل تجربة كانت تتسبب بانتكاسة و كل محاولة لتلافي آثار الانتكاسة كانت تعتمد تجربة جديدة منطلقة من سابقتها بدل أن يبادر إلى وقف التجارب فورا و العودة به إلى خندقه الأول .. البطاقة ” التي سخرت لها وزارات و هي بسبيل المزيد ” مثال و قصتها تحكي نموذج التجربة الغريبة التي كرست دون تفكير بالرجوع عنها مهما تسببت من عراقيل و اختناقات و لا جدوى عملية بعكس ما كان يرجى منها ..
لنذكر أن الاقتصاد السوري ليس طارئا على الأزمات و إن كانت الأزمات التي مر بها لا ترقى لقساوة الأزمة الحالية لكنها كانت تسعى أيضا للنيل منه .. و كانت بمثابة لقاح متتابع أكسبه مناعة و خبرات عظيمة تؤهله لأي مواجهة محتملة فلا يظهر فيها متخبطا و ضائعا .. تلك الأزمات استفادت منها قوى العدوان و باتت من وقتها تعرف مرتكزات القوة و نقاط الضعف في منظومتنا الاقتصادية و لا بد أن تأتيها من حيث نحتسب و حيث لا نحتسب و هي صاحبة المقدرة الفائقة على إحداث خروقات في منظومات عمل الدول المستهدفة و كانت معظم حروبها العسكرية تمهيدا حاسما تصل عبره للسيطرة على الاقتصاد و بالتالي التخريب و الإخضاع و لنا في العراق و ليبيا شواهد قريبة .. هذه حقيقة معروفة و مجرد إهمالها أو الغفلة عنها في أي من مراحل الصراع ستجعلنا شركاء و مساعدين لهم في تحقيق مبتغاهم ..
عشر سنوات كانت كفيلة بخلق اقتصاد مقاوم .. لو لم يكن مخلوقا قادرا .. و هي مدة كانت كفيلة لوحدها بخلق مجموعة من قادة و عناصر اقتصاديين لا يستنسخون التجارب و الحلول و لا يقبلون الدخول في الفخ .. مقاومين إن أطبق عليهم الحصار لا يتطلعون لما يغريهم به عدوهم من طعام و شراب ..