مقال جدير بالقراءة: الصراع الصيني الاميريكي .. وفرصة قيام الدولة العربية الموحدة (1) – بقلم: الدكتور عمر ظاهر

ما زلنا نختلف كثيرا في تقييم ما حصل في أفغانستان: هل هناك هزيمة أمريكية مدوية؟ أم انسحاب، وتراجع تكتيكي، وإعادة انتشار؟ أما من يرى ما حصل كهزيمة تاريخية فإنه يستند إلى حقيقة أن أمريكا سبق لها أن هُزمت في فيتنام، وللهزيمة قوانينها التي تسري في كل زمان ومكان! الفيتناميون كانوا يمتلكون إرادة القتال من أجل قضية عادلة، وكانت لديهم قيادة كفوءة ومجربة، وكانوا فوق هذا وذاك يتلقون الدعم من الاتحاد السوفيتي والصين – أما الأمريكيون فكانوا في موقع المعتدي الأثيم. ألم تكن هزيمة الأمريكان محتمة؟ والآن، الأفغان أيضا متمرسون في القتال، ويمتلكون عقيدة راسخة، وقيادات تعرف ما تفعل. أما الدعم من دول كبرى فاستعاض الأفغان عنه بدعم إلهي! والأمريكيون كانوا هناك، مرة أخرى، في موقع الباغي اللئيم. والصور من مطار كابل في أغسطس 2021 تبدو نسخة طبق الأصل من الصور من سايغون عام 1975. إنها هزيمة حقيقية نكراء بصرف النظر عما دار وراء الكواليس، وما تم ترتيبه!

وأما من يرى الأمر غير ذلك فلأن هناك مؤشرات واضحة على أن أمريكا، التي لا يمكن أن نشك في أنها ما تزال قوة عظمى إن لم تكن القوة الأعظم في العالم، تحتاج إلى قوتها في مكان آخر أهم من أفغانستان، وتواجه عدوا أقوى من حركة طالبان وأخطر منها، وقد يكون من بين خططها استخدام طالبان نفسها في مواجهة العدو الآخر، ومن هنا التنازل لها، وإكسابها صفة المنتصر. وأمريكا في عجلة من أمرها حتى أن الانسحاب كان يمكن، على ضوء التفاهمات مع حركة طالبان، أن يكون هادئا ومنظما. فلماذا هذه الفوضى؟ ألم يكن ممكنا لمن ضيّع عشرين عاما في أفغانستان أن يضيّع شهرا آخر، وينسحب بهدوء مع الحفاظ على ماء الوجه؟ إن هذه العجالة مؤشر على أمر جلل سنعرفه ذات يوم عندما تنكشف الاتفاقيات السرية بين الأمريكان وحلفائهم من جهة وطالبان من جهة أخرى.

أمريكا والصين.. من يلتهم الآخر؟ - RT Arabic

الأحداث تتلاحق، وتظهر تدريجيا مواقف وردود أفعال تلف معظمَها الضبابية والغموض. ولعل الموقف الأوروبي من الانسحاب من أفغانستان هو الأهم، وهو بحاجة إلى تحليل عميق. الاتحاد الأوروبي الذي استبشر بإدارة جو بايدن بعد أربع سنوات عجاف من عجرفة دونالد ترامب التي كانت تهدد حتى تماسك الناتو، يرد الآن بانفعالية شديدة على قرار الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بالدعوة إلى تشكيل قوة تدخل سريع أوروبية موحدة ومستقلة، والخروج من تحت مظلة الحماية الأمريكية. أوروبا هي من تفعل ذلك الآن بعد أن كانت قلقة من انسلاخ ترامب من التزامات أمريكا تجاه حلفائها في حلف الناتو. ما الذي يجري؟ هل أوروبا لم تعد واثقة بقيادة أمريكا للعالم “الحر”؟ أم أنها تتوجس خيفة من نواياها وتخشى، عن معرفة، أن يكون الانسحاب مرتبطا بخطط حرب لا تريد أوروبا التورط فيها لأنها لا مصلحة لها فيها؟

قرار الانسحاب لا يمكن فصله عن المشهد السياسي والاقتصادي العالمي. هل هناك في هذا المشهد عدو لأمريكا أشد خطورة من طالبان أفغانستان؟ ألم تجعل أفغانستان أمريكا قبل عشرين عاما تظن أن “القرن الأمريكي” يبدأ بغزوها وتدميرها؟ فلماذا تنهي أمريكا أحلام ذلك القرن” وكأنها تستيقظ من كابوس؟

ومن يكون ذلك العدو الذي ترى أمريكا أن الأولى بها أن تتفرغ لمواجهته؟ بعضهم يرى أن العدو هو الصين، وأن حربا مدمرة بين أمريكا والصين هي قاب قوسين أو أدنى. وهذا لا يدخل في باب نظريات المؤامرة، والتخمينات، وضرب الأخماس في الأسداس، بل إن سياسيين غربيين، منهم الأمين العام السابق لحلف الناتو، الدنماركي أنس فو غاسموسن، صرحوا بذلك علانية، ناهيك عما يصدر من الساسة والقادة العسكريين الأمريكان أنفسهم. وكل هذا في ظروف دولية تؤكد وجود صراع بين القوتين العالميتين، وهذا الصراع يختلف عما كان يطلق عليها في حينه “الحرب الباردة” بين الغرب وبين الاتحاد السوفيتي السابق. هناك الآن حرب اقتصادية مستعرة بين أمريكا والصين يمكن أن تشعل في أية لحظة حربا حقيقية.

دروس التاريخ .. وأم الانسحابات الأمريكية
إن الخبراء الذين درسوا الظروف التي أدت إلى وقوع الحربين العالميتين، الأولى عام 1914 والثانية عام 1939، ما برحوا يحذرون من أن الظروف نفسها يمكن أن تتكرر خاصة بالارتباط مع الأزمات الدورية للنظام الرأسمالي. ولا شك في أن هناك اليوم تنافسا، إن لم يكن صراعا، على قيادة العالم. إن الحرب، إنْ لم تكن حتمية، فإنها محتملة إلى حد خطير. ولا شك أيضا في أن كل طرف يقوم بالتحضيرات اللازمة لها، ومن هنا الشك في حقيقة الهزيمة الأمريكية على يدي طالبان. إنها قد تكون لعبة مزدوجة، فمن جهة إعادة الانتشار وتكثيف الوجود الأمريكي في الخليج العربي وفي بحر العرب، وبحر الصين، ومن جهة أخرى توجيه طالبان (والمجاهدين العرب الذين سترسلهم السعودية إلى أفغانستان مرة أخرى) ضد الصين (الكافرة!) التي لا تتوقف عن اضطهاد المسلمين الأيغور. ولعل الإعلان “المفاجئ” عن التحالف الأمريكي-البريطاني- الأسترالي – في ظل ما يطلق عليها “أزمة الغواصات”، هذا التحالف الذي يقلق الصين، ويغضب فرنسا، يلقي مزيدا من الضوء على هذا الجانب من “أم الانسحابات” في التاريخ.

من الخطأ بمكان بناء التوقعات على أن مثل هذا الصراع على قيادة العالم كان موجودا في السابق بين الاتحاد السوفيتي والمعسكر الرأسمالي، ولم يؤد إلى حرب، وعلى ذلك لا خطر من وقوع حرب إذ حلت الصين محل الاتحاد السوفيتي كقطب آخر. علينا أن نتذكر أن الاتحاد السوفيتي، بعد وفاة جوزيف ستالين، وتولي نيكيتا خروشوف وعصابته زمام الأمور، رفع شعار التعايش السلمي الذي جرى فهمه – بشكل صحيح، على أن الاتحاد السوفيتي غير راغب تحت أية ظروف في دخول حرب ضد المعسكر الرأسمالي – ولعل أزمة الصواريخ إلى كوبا عام 1962 خير دليل على رغبة الروس في تجنب الصدام. وكان شعار التعايش السلمي ليس فقط سبب عدم وقوع صدام بين المعسكرين، بل وأيضا السبب المباشر لاستشراس الامبريالية الأمريكية وتضخم عدوانيتها وتقلدها دور شرطي العالم، وسببا مباشرا لانتكاسات كارثية عديدة تعرضت لها حركات التحرر في العالم. إن حماقات خروشوف جعلت النصف الثاني من القرن العشرين بحق القرن الأمريكي – لكن ذلك القرن الذي ادعى بوش الابن أنه بدأ بغزو أفغانستان، انتهى في الحقيقة بذلك الغزو.

هل هناك ما يدل على أن الصين ورثت شعار التعايش السلمي من الرفاق السوفييت؟

يتبع

هذا المنشور نشر في المقالات. حفظ الرابط الثابت.

1 Response to مقال جدير بالقراءة: الصراع الصيني الاميريكي .. وفرصة قيام الدولة العربية الموحدة (1) – بقلم: الدكتور عمر ظاهر

  1. غ ر كتب:

    شكرا الدكتور عمر ظاهر

    20210925

    “ماذا يحدث عندما تصبح الصين رقم واحد؟”

    وفي عام 2015 ألقى كيشور محبوباني ( Kishore Mahbubani) محاضرة في معهد السياسة في كلية كندي بجامعة هارفارد ( Kennedy School’s Institute of Politics at Harvard ) تحت عنوان:

    “ماذا يحدث عندما تصبح الصين رقم واحد؟”

    Video Link

    ينهي حديثه بهذا:

    “هل ستكون الولايات المتحدة مرتاحة للعيش في عالم تتصرف فيه الصين تماما كما تصرفت أميركا عندما كانت القوة العظمى الوحيدة

    وفي إجابة على سؤال بعد حديثه، محبوباني، الذي يعتقد أن الصين ستكون قريبا رقم واحد، يشرح (58:00 دقيقة):

    وعلى عكس الولايات المتحدة الأمريكية، لا يؤمن الصينيون بالتبشير بمعتقداتهم.” …

    لذا بمعنى من المعاني سيكون لدينا عالم مختلف جدا عندما لا تعود القوة الأولى في العالم قوة تبشيرية وتزوير.

    شكرا.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s