القرن العربي هدف أكثر واقعية من “القرن الأمريكي”. إنه التاريخ يُغدق فرصَهُ على من يشاء رغما عن أنوف الأقوياء والمتجبرين.
الحياد العربي هو السلاح الأمضى والخيار الأمثل
العرب لا يلزمهم أن يقفوا مع أي طرف ضد الآخر في الصراع المقبل، فكل طرف بحاجة إليهم. يكفيهم أن يضمنوا لكل طرف أنهم سيقفون على الحياد، وأنهم لن يضعوا قدراتهم في خدمة الطرف الآخر، ولكن ليس مجانا وبسلبية. العرب يمكنهم، لو توفرت لهم بعض الشروط، التفاهم مع كل طرف على ما يعطيهم من مكاسب حقيقية وفورية مقابل الحياد، وليس وعودا كتلك التي أعطاها لورنس لشريف مكة مقابل الدعم. وفي هذا يجب ألا يقبل العرب بأقل من تركهم يقيمون بإرادتهم الحرة دولة عربية كاملة المقومات، ويختاروا بأنفسهم النظام السياسي الذي يلائم رغبتهم في العيش بأمان ورفاهية، وسيطرتهم الكاملة على مواردهم. دولة حقيقية، قادرة على حماية نفسها ومواطنيها يوم تضع الحرب أوزارها بخسارة أحد الطرفين وانتصار الآخر، أو بتفاهمهما على اقتسام جديد للعالم، أي ألا تكون المكاسب أمرا مؤقتا، إلى حين تنتهي الحرب، بل على أي طرف يريد بقاء العرب على الحياد، أن يفتح لهم باب امتلاك التكنولوجيا والسلاح الذي يجعل من يحاول لاحقا، عند انتهاء الحرب، نزع مكاسب العرب، يفكر ألف مرة قبل الإقدام على أية حماقة.
ربما يكون الحياد في هكذا صراع عالمي أمرا لا يصدق معظم العرب أنه ممكن. إنهم يعرفون أن كل الحكام الذين وضعتهم أمريكا على كراسيهم سيخضعون للإرادة الأمريكية؛ ويعرفون أن معامل إنتاج المجاهدين جاهزة لإغراق الأسواق بالملايين منهم مقابل ثمن بخس، أو وعود بالحور العين – تماما كما فعلوا في إغراق سورية بالقتلة المأجورين ومجاهدات النكاح؛ ويعرفون أيضا أن الحقد على أمريكا سيدفع الكثيرين من العرب إلى الوقوف إلى جانب الصين انتقاما من أمريكا ورغبة في جعلها عبرة جديدة في التاريخ بأن “عاد الأولى” ستلحقها عاد الثانية والثالثة. وربما تدب الحياة في الحركات الشيوعية في العالم العربي، فتكون بالكامل تابعة للصين.

هذا هو الواقع المر، فهذا الحياد لن يحققه القادة الحاليون للعرب، ولا دولهم الكارتونية، ولا حتى أحزابهم السياسية التقليدية لأن هذه الأحزاب أصبحت بالية عفا الدهر على عقليتها وأيديولوجياتها، وعلى أساليب عملها. ليس العرب في حاجة إلى أحزاب دينية طائفية – وكل حزب ديني هو بالضرورة طائفي. ليسوا بحاجة إلى أحزاب تنسلخ عن التراث العربي، وتتنكر لفكرهم الذي أنار العالم لقرون. ليسوا بحاجة إلى أحزاب تقفز إلى السلطة باسم الوحدة العربية، ثم تجعل من بلدين عربيين هما أحدهما امتداد للآخر وعمق ستراتيجي له، عدويين بينهما قطيعة بدلا عن الوحدة.
أن يصبح هذا القرن قرن العرب، عبر انتهاج موقف الحياد، هدف يحتاج إلى عقلية سياسية جديدة قادرة على استيعاب صراعات الزمن الحاضر والاستفادة من تجارب الماضي، وإبداع أشكال من القوة لم يعهدها أحد. العرب بحاجة إلى تفكير مختلف، وإلى ابتكار وسائل كفاحية جديدة .. إلى حركة عربية قومية صرفة وواسعة سعة الوطن العربي كله، لا ترتبط بأية علاقة من أية جهة خارجية، ولا تقع تحت أي تأثير أيديولوجي، شرقيا كان أو غربيا. العرب بحاجة إلى فهم تراثهم الفكري واحترامه، فهو غني بكل ما يحتاجونه. وهم بحاجة إلى حركة “شبحية” لا تعتمد على أي شكل تنظيمي سري أو علني تقليدي، بل تتواصل مع الإنسان العربي الفرد لتثبت في عقله فكرة أن فرصتهم آتية، وعليهم أن يكونوا على استعداد لسحب كراسي الحكام العرب من تحت أدبارهم، والتفاوض مع أمريكا ومع الصين على إقامة دولة عربية حقيقية مقابل وقوف العرب على الحياد. دولة، ليس بالضرورة من المحيط إلى الخليج في البداية، بل نواة تلك الدولة، مثلا توحيد العراق وسورية والشام الكبرى في كيان لا يتزعزع.
هذه الحركة غير التنظيمية يجب على مثقفينا، وليس كتبتِنا، تحمل مسؤولية نشر بذورها، وتطويرها، وإغنائها فكريا ومعنويا للاستفادة من الفرصة القادمة لتحقيق القرن العربي. هذه الحركة غير التنظيمية ستضمن لنفسها:
أن تكون عصية على الاختراق الذي حصل مع كل الأحزاب العربية حتى الآن عبر زرع العملاء والخونة في صفوفها لتوجيهها حسب الحاجة.
ألا ترهق حامل الفكرة بالالتزامات التنظيمية وخضوع الأدنى للأعلى.
أن تعفي حامل الفكرة من الدخول في أية صراعات أو منافسات مع “الرفاق” من أجل الارتقاء إلى القيادة، مثلما يحصل في الأحزاب التقليدية. وبذلك تنعدم في صفوف من يشعرون بالانتماء إلى هذه الحركة ظاهرة تبديد الجهود والطاقات بلا طائل.
أن تربي كل عربي على أن كل منتمٍ إلى الحركة قائد نفسه.
أن تحمي حامل الفكرة من الملاحقات من قبل أجهزة الدولة الكارتونية، فليس بإمكان أجهزة الدولة تلك إثبات أن الشخص يحمل الفكرة، ومعاقبته. بل إن تلك الأجهزة القمعية ستعاني من آفة الشك بكل عربي، بمن فيهم العاملين في صفوفها.
ألا ترهق كاهل حامل الفكرة لا اقتصاديا، ولا نفسيا، ولا اجتماعيا.
وحيث أنها حركة غير تنظيمية فإن من يشعرون بالانتماء إليها لا حاجة لهم في استخدام تكنولوجيا الاتصالات لأي غرض سياسي، ويمكنهم الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات لإغناء فكرهم، وتوسيع اطلاعهم وأفقهم الثقافي.
إن مجرد وصول هذه الفكرة إلى أول عشرة من الشباب العرب سيجعل من محاولات تصفية أصحاب الفكرة عن طريق الاغتيال أو الملاحقة أمرا عبثيا، فالفكرة رشحت إلى الشباب، ويستحيل بعد ذلك تتبع تطورها، وانتشارها، وتبلورها وذلك لعدم وجود علاقات تنظيمية تتيح التجسس أو استحصال الاعترافات. إن حملة الفكرة يمكنهم في ساعة الصفر الإبداع في إيجاد شكل تنظيمي مناسب تحت شعار الحياد. إنها ستكون حركة تموج كالبحر نحو هدفها الأسمى: دولة عربية حقيقية.
2021-09-26
شكرا د. ظاهر
20210928
لا أعرف إذا كنت قد فهمت مذا المقال؟ (#3)
عقلي منفتح والرجاء تعريف الحياد بالتفاصيل.
الرجاء التنوير.
أرتعش عندما اسمع كلمة الحياد واقول “يا للهول” (كما تقول المتابعة من ألمانيا).
ما عن الحياد بالقضية الانسانية الفلسطينية؟
هل إقناع امريكا ب_الحياد هوا حلم إبليس ب_الجنة…؟
هل يمكننا تعليم حساب التفاضل والتكامل للكلب؟
هل نريد حياد الراعي في وادي الذئاب؟
الراعي الماكر، الفاسق، الكاذب، العميل، الجبان، الخبيث والاناني الظالم؟
(بعيد عن السامعين)
شكرا