آراء الكتاب: توازن الرعب – بقلم: فايز شناني

لن أذيع سراً فيما سأذكره عن المقاومة اللبنانية ، وكيف هزمت أعظم قوة في المنطقة متمثلة في الكيان الصهيوني . المقاومة جاءت رداً على واقع سيء عاشته القرى الجنوبية في لبنان ، فقد ذكر الإعلامي رفيق نصر الله أكثر من مرة أن اتفاق الهدنة منذ عام 1948 يمنع انتشار الجيش اللبناني على الحدود مع الكيان الصهيوني ، وأن أهالي الجنوب بقيت أراضيهم وبيوتهم وممتالكاتهم مستباحة لقوات الإحتلال الإسرائيلي، و قضوا معظم لياليهم في ظلام دامس حيث كان يمنع عليهم أي ضوء أو إنارة بعد الخامسة مساءً . هذا الظلم الذي استمر لسنوات طويلة ، توّجه ظلم أبشع بوجود جيش من العملاء تناوب على قيادته سعد حداد وانطوان لحد وآخرين ، فما أبشع أن تعيش في ذل وقهر وحرمان ، لا دولة تحميك ولا جيش في ظل غطرسة اسرائيلية قل نظيرها، حيث يقف العالم كله عاجزاً أمامها ، فقط عبارات تنديد وإدانات لاطعم لها ولا تردع أو تغيّر في الواقع شيئاً .


القوات الدولية التي انتشرت بعد قرار الهدنة كانت بلا حول ولا قوة ، بل جاءت لحماية حدود الكيان الصهيوني وخاصة بعد اختراقات عدة من قبل المجموعات الفدائية الفلسطينية آنذاك ، ومازالت تلك القوات شكلية وفلكلورية لايقيم لها الصهاينة وزناً أو يحسبون لها حساباً ، ربما فقط لإحصاء الخروقات من الجانب اللبناني ومنع أي تسلل باتجاه فلسطين المحتلة . جاءت المقاومة رداً طبيعياً على هذا الواقع المأساوي الذي يعيشه شعب الجنوب ووصلت اليوم إلى مرحلة خلقت فيها ما سمي بتوازن الرعب مع الكيان الغاصب، وأثبتت أن جهوزيتها تضاهي جهوزية عدة جيوش عربية مجتمة ، والعار الذي ألحقته بالجيش الذي لايقهر في 25 أيار 2000 سيبقى ذكراه للأبد يتوارثه الصهاينة وكل القوى العالمية والرجعية التي دعمته وساندته . وفي حرب تموز 2006 تجرع الجيش الصهيوني مرة أخرى من كأس العار نفسه ، وكان نصراً إلهياً بحق كما وصفه السيد حسن نصر الله حينها ، ومعجزة لم يحدث مثيلها في العصر الحديث ، هذا النصر كان له مقومات عدة أهمها الإيمان بقضية التحرير والدفاع عن النفس والإستشهاد في سبيل ذلك ، والعامل الأهم أيضاً هو السرية فالكثير من المقاومين غير معروفين، يعيشون بشكل طبيعي ويمارسون حياتهم العادية بين الناس، في الوقت الذي كانوا يخضعون فيه لدورات تدريبية أو تنفيذ مهامهم القتالية . السرية التي حاول العدو اختراقها عبر زرع العديد من الجواسيس والعملاء في القرى والمناطق اللبنانية، وكلكم تذكرون ما قام به سعد الحريري وحكومته لنسف الشبكة السلكية ، التي يستخدمها كوادر ومقاتلي حزب الله وكان لها الفضل الأبرز في قيادة العمليات الحربية والمواجهات خلال حرب تموز . لقد ظن الصهاينة أن مخزون حزب الله من الصواريخ بعيدة المدى، والتي وصلت إلى معظم المدن الاسرائيلية قد نفذ ، وصرّح أكثر من مسؤول صهيوني بذلك وأكدوا على سحق منظومة حزب الله الصاروخية ، وأن الجيش الإسرائيلي سيدخل إلى لبنان بعد أيام أو ساعات . الذي حصل أن عدد الصواريخ تزايد وفي يوم واحد أطلق المقاومون مئات من الصواريخ على مدن اسرائيلية جديدة، وكما قلت لن أذيع سراً ما سأقوله اليوم ، فقد بات يعرفه القاصي والداني ، أن السلاح كان يصل من سوريا بسرية تامة ، وأن مرفأ اللاذقية كان يومياً تقريباً يستقبل ناقلات وبواخر محملة بشتى أنواع السلاح ، ولا سيما الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى . تلك الناقلات والبواخر التي تحمل اسماءً وهمية ، وتعود ملكيتها لدول عدة وأشخاص من جنسيات مختلفة ، كانت تسلك مسارات صعبة تبقيها بعيدة عن مجالات رصد الأقمار الصناعية الأمريكية والتي تدور في فلكها ، مما عرضها لمخاطر محدقة وتطلّب منها العبور من مناطق معينة في أوقات محددة ، والوصول وتفريغ الحمولة في ساعات قليلة لتدخل البحر مرة أخرى واغراقها خلال دقائق دون ترك أي أثر لها . الجدير بالذكر قبل قبل إنهاء المقال أن المفاجأة الكبرى كانت لشبكة الأنفاق الكورية ، التي استخدمها المقاومون خلال حرب تموز وخاصة خلال المواجهات البرية وقد أحدثت رعباً لدى جنود الاحتلال الصهيوني مازالوا يعانون منه حتى اليوم .

هذا المنشور نشر في المقالات. حفظ الرابط الثابت.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s