لن تنفع عبارة جبران خليل جبران عن الويل الذي سيلحق بالامة التي تأكل مما لاتزرع وتشرب مما لاتعصر .. وتلبس مما لاتحيك .. لأن الكارثة هي ان تأكل امة مما يزرع عدوها وتشرب مما يعصر لها وتلبس مما ينسج لها .. لأنها تأكل السم وتشرب السم وتلبس نسيجا مليئا بالعقارب …
أحاول فعلا ان أفهم كيف يفكر السوريون بالعلاقة مع الاقتصاد التركي في هذه الازمة .. فهم في كل مناسبة يشتكون من اللص اردوغان ويسمونه لص حلب .. ويحدثونكم بالتفاصيل المملة عن سرقة معامل حلب التي كانت أهم معامل في الشرق الاوسط .. ويسرد لك المعنيون السوريون حكايات لانهاية لها عن سرقة تركيا للنفط السوري وتهريبه مع الاكراد .. ويحدثونك بلا ملل عن سرقة القمح ومواسم الزيتون .. وكلما فتحت التلفزيون السوري توضع لك مقتطفات وصور عن اللص التركي وعن التتتريك وعن غزو الليرة التركية للشمال السوري واعتمادها بدل الليرة السورية في ادلب ..
وبعد كل هذا تمر ببعض الاسواق السورية وتجدها محشوة بالبضاعة التركية من كل الانواع والاصناف ويفردها التاجر امامك دون خجل ودون وجل وكأنها صناعة وطنية فيما يحس كل وطني سوري بالاهانة وكأنه امام بضاعة اسرائيلية .. فكل ماتريد تركيا التخلص منه من بضائع فاسدة ورخيصة تدفعه عنوة او خلسة الى اسواقنا التي تتلقفها والتي تتحول الى سوق تصريف للمنتجات التركية .. والذريعة ان السوق يحتاج هذه المنتجات الرخيصة ..
الانكى من كل ذلك هو ان الليرة التركية تتهاوى وتترنح وتمر بحالات اسهال وفي كل مرة يدخلها اردوغان العناية المشددة .. ولكن بدل ان نساعد في خنق الليرة التركية فاننا نفرش لها المطارف والحشايا والأسواق السورية .. وبعضنا عن قصد او غير قصد يرمي لها بأطواق النجاة ..

انا لاأعرف الحكمة والفلسفة من سياسة التساهل هذه مع عدو يسعى كل يوم لتحطيم اقتصادنا ويسعى كل يوم لتدمير ليرتنا ونهش زراعتنا .. وهو يحتل أرضنا علنا .. ولااعرف الحكمة من هذا التجاهل والتساهل وغياب قوانين العقاب والردع لمن يتعامل بالبضائع التركية .. أي ان مكتب مقاطعة اسرائيل عليه ان يسأل عن سبب عدم شمول تركيا العدوة ضمن مكتب مقاطعة اسرائيل اذا كانت تتصرف كما تتصرف اسرائيل دون اي فرق ودون اي زيادة او نقصان ان لم نقل انها تفوقت على اسرائيل في تدميرنا .. بل المذهل ان صناعات اسرائيلية لاشك انها تمر خلسة الينا عبر تركيا .. فالاخوة الاتراك يمررونها باسم بضاعة تركية ولكنها بضاعة اسرائيلية في الاصل ..
احيانا أحس اننا نستحق مايجري علينا من حيف وضيم لأن الوعي الاقتصادي الوطني الذي يجب ان تطلقه مؤسسات الدولة متروك ليعيش على البركة بيننا ولتقدير المواطن .. ولاتحرض قوانين ودعاية الدولة المواطن السوري والتاجر السوري على الابتعاد عن البضاعة التركية التي فيها الكثير من الفساد وفيها الكثير من الاسرائيليات .. لاعجب اذا اذا رأينا البضائع التركية تتجول وتتمشى وتتنزه في اسواقنا طالما انه لاتوجد قائمة بالبضائع التركية التي يجب ان يحاكم من يعرضها بأشد العقوبات وبأقصى الغرامات واعتبارها نوعا من تجارة الحشيش والمخدرات .. لأن هذا التشدد سيضيق على اردوغان الذي كان اقتصاده سابقا ينتعش من تدفقه على سورية والجنوب العربي ابان شهر العسل ومسرحية سفينة مرمرة التي كافأناه عليها بسخاء من جيب اقتصادنا الوطني ..
اردوغان في ورطة اقتصادية عنيفة وكل جهد مهما كان بسيطا سيدمر الليرة التركية أكثر .. ولاتستهينوا بأطواق النجاة التي تلقى لاردوغان في أسواقنا السورية .. والتي يرميها اليه الاخوان المسلمون الذين أصدروا فتاوى لكل المسلمين ان يستثمروا وان يشتروا في تركيا رغم ان هذه الفتوى تسببت بكارثة على كثيرين من المغرر بهم من أجل انقاذ ليرة اردوغان .. وكانت النتيجة انهم خسروا نصف مايملكون بسذاجة .. وهذا اول الغيث ..
هذه فرصة ثمينة كي يندم الاتراك على جموح وطيش حكامهم وسلاطينهم الذين كان بامكانهم ان يقيموا اقتصادا مشرقيا دون احلام السلاطين واحتلال الآخرين .. ويجب ان يتعلموا انهم خسروا الشعب السوري والاقتصاد السوري والسوق السورية والطريق الى الجنوب كلها ..
الاتراك يقتلوننا ويحتلوننا ويسرقوننا ويدمروننا ويسرقون آثارنا .. وبعضنا مثل الأغبياء .. يأكل من انتاجهم ويستقبل منتجاتهم .. ويساعدهم على معالجة ليرتهم المنهكة والمريضة مرضا شديدا بدل ان يمنع عنها الماء والهواء ..
لم يبق الا ان نجد بضائع اسرائيلية الى جانب البضائع التركية على رفوف المحلات في سورية .. والكثيرون يرون ان من يشتري البضاعة التركية كمن يشتري بضاعة اسرائيلية .. ان المجتمع الذي يتساهل في محاربة منتجات عدوه فيه سواء بالتهريب او بالاستيراد النظامي هو مجتمع مخترق .. وهو عن غير قصد لايحترم دماء شهدائه الذين قتلتهم تركيا نفسها .. تلك التي تبيعنا بضائعها التي كانت يوما قمحا لنا ونفطا لنا .. ومعامل لنا .. ودما لنا