حل الخلاف الفرنسي الاسترالي على الغواصات .. غيمة هارون الرشيد التي ورثها هنري كيسنجر

لطالما تساءلت كيف سكت الفرنسيون عن اهانة وخسارة صفقة الغواصات النووية مع استراليا .. بعدعاصفة غاضبة كنت اظن انها ستقلع اوتاد حلف الناتو ليس لان فيها اهانة لفرنسا بل لان فيها ضربة عنيفة لصناعاتها العسكرية وسمعة سلاحها .. فمن غير المعقول ان الفرنسيين ابتلعوا الخسارة الضخمة وعادوا سمنا وعسلا مع من سرق منهم العقد الاسترالي الضخم وجرة العسل الاسترالية .. ولكن صمت الفرنسيين السريع لفت نظري وهدوءهم جعلني أحس انه تم ارضاؤهم بطريقة علي حساب احدى الدول المهيضة الجناح – على طريقة فرنسا في ارضاء تركيا في الحرب العالمية الثانية وتحييدها باهدائها لواء اسكندرون السوري1939 وكأنه مقاطعة فرنسية او حي من احياء باريس .. وهو اللواء السليب نفسه الذي اهدته المعارضة السورية لاردوغان لقاء ايصالها للحكم وفوقه تبرعت بالجولان لاسرائيل ..
اما من هي الدولة التي دفعت من جيبها لفرنسا كي تسكت عن خسارة عقد الغواصات النووية فلم اكن ادري ولكني كنت انتظر ان تظهر جائزة الترضية الضخمة .. في الشرق الاوسط .. ولم يتأخر انتظاري فقد كافأت اميريكا فرنسا على قبولها بالخسارة بمنحها التعويض من جيوب عرب النفط كما هي العادة .. والعرب هم دوما هم الجناح المهيض الذي تحل من لحومهم مشاكل الدولة المفترسة .. فقد أبرم الفرنسيون صفقة ضخمة تعادل صفقة اليمامة الشهيرة مع الامارات العربية دون اي اعتراض اميريكي او بريطاني او اسرائيلي .. ودعي ماكرون لاتمام الحصول على جائزة الترضية من السعودية ودول الخليج التي تم توزيع الحصص والجزية عليها لتدفع للصناعات العسكرية الفرنسية .. وستدفع كلها الجزية ولن تستثنى دولة واحدة على الاطلاق وخاصة قطر التي خصصت لها حصة طيبة في الصناعات العسكرية الفرنسية .. ويبدو ان هذا جزء من جائزة الترضية الذي دفعه العرب النفطيون من جيوبهم بأمر من اميريكا كما فعل ترامب عندما ذهب ليذبح البقرة السعودية فعاد والسكين معه ولكن جيوبه ملئت عقودا وذهبا .. الفارق بين ترامب وكل رؤساء اميريكا بسيط جدا وهو انهم جميعا لصوص وقطاع طرق ولهم عقل الكاوبوي وهم يظهرون المسدس على خصورهم ويتحدثون بهدوء لكن ترامب كان يرفع المسدس ويشهره في وجوه الضحايا ويقتحم بيوتهم ومحلاتهم نهارا ويسرقهم علنا ويطلق النار بين أقدامهم .. ثم يركلهم برجله ويأخذ الاموال وهو يكافئ نفسه ثملا بجرعة من الويسكي ..


الخليج العربي المحتل يشبع مزرعة اميريكة للابقار .. يبيعون فيها ويشترون الابقار .. وهو بيت مال الغرب .. ومنذ ان قرر هنري كيسنجر ان يرفع اسعار النفط من اجل فك العلاقة بين الدولار والذهب .. كان لديه شعور مثل شعور هارون الرشيد ان الغمامة اينما امطرت فان خراجها له .. فغمامة النفط العربي اينما امطرت بعد ذلك القرار سيعود الى اميريكا .. فالعرب النفطيون اذعنوا جميعا وقرروا تسعير النفط بالدولار فقط وصار الدولار الورقي المطبوع اقوى من مخازن الذهب .. وصارت عائدات النفط كلها تودع في خزائن اميريكا .. وفوق هذا فان كل ماينفقه العرب يجب ان توافق عليه اميريكا .. اي ان اميريكا تأخذ كل عائدات النفط العربي ومبيعاته لكل العالم وتعيد توزيعه على شعبها وشركاتها على شكل عقود عربية لشراء منتجات شركات غربية .. والعرب الاغبياء الاغنياء لايملكون حتى قرار الصرف والانفاق الا بموافقة المصارف الامريكية التي هي التي تقرر ماذا تعطي ومتى تعطي .. فكلما افلس ناد رياضي اوروبي ظهر المال العربي لانقاذه . وكلما مرت بنوك غربية بأزمة ظهر المال العربي السخي فجأة وحل المشكلة .. وكلما اندلعت حرب ظهر الممولون العرب .. وكلما احتاجت الشركات الغربية الى زبون غبي او زبون يخشى ان يسقط حكمه في اسبوعين يشتري بالقوة والاكراه منتجاتها الكاسدة ظهر المال العربي النفطي ..


اننا نعيش كذبة كبيرة وهي ان الاستعمار قد انتهى زمنه لنكتشف اننا مستعمرون جدا وان زمن الاستعمار مزدهر جدا .. فهو أمسك بالعراق ولن يخرج منه الا بحرب تحرير كبرى لاتنتهي الا باسقاط دستور بريمر .. ويمسك بالخليج .. ويمسك بالسودان .. ويمسك بفلسطين ويمسك بمصر ويقيدها ويحدد دورها في انها فقط مكان للتفاوض مثل اي فندق في شرم الشيخ .. وليبيا مستعمرة .. والمغرب العربي كله خاضع لشركة توتال الفرنسية .. وسورية التي كانت مستقلة عاد الاستعمار الى اراضيها في الشرق والشمال .. ولبنان تحول الى دولة فيها كل انواع الاحتلال العربي والغربي .. وهي اكثر دولة محتلة في العالم .. فكل قرية فيها تتبع دولة غربية .. او عربية .. والوزراء والنواب فيه مثل اطفال الانابيب يولدون في المخابر بعد عمليات تلقيح صناعية بين المخابرات الغربية ..


هذا يدل على الشعوب العربية لم تنضج بعد وأن كل مافعلناه هو اننا تحررنا بضع سنوات بعد الحرب العالمية الثانية بفضل الصراع الالماني الاوروبي على العالم القديم .. وجرت اجراءات الاستلام والتسليم بين الامبراطوريات الافلة والامبراطورية الامريكية .. وفي هذا الوقت الضائع تحررنا وظهرت مصر الحرة الناصرية وظهر العراق وسورية وليبيا والجزائر .. ولكن سقطت كل الدول العربية بسهولة في فك الاستعمار ..


وأمامنا جولة كبيرة من عملية التحرر الفكري والاستقلال الحقيقي التي تبدأ فقط بتحرير العقل من الاوهام .. وأول وهم يجب ان يسقط هو وهم ان العالم العربي مستقل .. وعندما يدرك جميع الناس من المحيط الى الخليج انهم لايزالون تحت هيمنة الاستعمار فاننا يمكن ان نتحرك .. اما ان نتوهم اننا أمة مستقلة فانه هو الاستعمار الخطر .. وهو الذي يجعلنا نحس ان غيمة هارون الرشيد لاتزال تحوم فوقنا .. وانها ستمطر يوما .. مع ان الحقيقة هي ان سماءنا بلا غيوم .. بل نحن من صار الغيوم التي تمطر في جيوب اميريكا .. سحابة من المحيط الى الخليج .. انها سحابة هنري كيسنجر .. التي ابتلعت سحابة هارون الرشيد ..

هذا المنشور نشر في المقالات. حفظ الرابط الثابت.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s