البحث عن عظام الديناصور .. عندما تصبح الحكايات يتيمة


أستطيع ان أقول لكم نبوءة خطيرة .. وأن اخذكم الى المستقبل لتروا الرعب القادم اليكم .. ونبوءتي تقول لكم بأن الفريق الاعلامي الذي كان يدير الحرب الاعلامية للبلاد انما يمحو اسمنا من المستقبل .. وستفتشون عن اسم كل هذه الحرب وماقبلها من اعمال عظيمة ولكنكم كأنكم تبحثون عن عظام ديناصور .. اي الرواية السورية منذ عام 1970 .. كلها تم تغييرها وتغيير أقوالها بالتدريج وحرفا حرفا بسبب اننا غبنا وكنا نغط في نوم عميق .. وقد فوجئت ان عشرات الوثائق والشهادات ومئات المقابلات والتحليللات عن أحداث كبيرة هامة جدا كنا طرفا اساسيا فيها كنا الجانب الصامت فيما كان الاخرون يتحدثون بالنيابة عنا .. فحرب تشرين مثلا ليس فيها اي ذكر لنا في الروايات العربية والاجنبية الا في ثوان عندما يحضرون السوريين على انهم شاركوا المصريين في الحرب .. ونظهر مثل كورس صغير في احد مشاهد الحرب والوثائقيات ثم نختفي وتكون كل الحرب من اختصاص الجيش المصري والسادات سابق عصره وزمانه .. ومن صناعة كيسنجر وشارون وغولدامائير ودايان ..


هذه حرب كنا اهم عنصر مفاجأة وتضحية وفدائية فيها ولكن لاذكر لنا فيها على الاطلاق واعلامنا وأبطال تلك المرحلة غائبون او غابوا وكل الشهود الذي عاشوها لم يعد لهم وجود لان اعلامنا يظن ان اخبار الحرب هي في اناشيد طلائع البعث وفي الصور القديمة لأغنية سورية ياحبيبتي .. وقد خجلت عندما سالتني صديقة مصرية: ولكن أين هي الرواية السورية عن حرب تشرين اننا لانعرف عنها شيئا ولانعرف أيا من شهودها امام الرواية المصرية والساداتية تحديدا التي تم محونا فيها تماما ؟؟.. الدور السوري في رواية حرب تشرين يحضر الا عندما يقولون ان القوات السورية تراجعت مما جعل السادات يطور الهجوم المصري رغم رفض العسكريين المصريين .. ولايذكرون ان سبب التراجع هو تلك الرسالة التي ارسلها السادات الي كيسنجر في اليوم الاول للحرب والتي صدمت الجنرال المصري عبد الغني الجمسي والتي اعتبرها افشاء لسر عسكري خطير لاسرائيل عن طريق كيسنجر من ان الجيش المصري لن يتم زحفه بعد اليوم الاول وهي اشارة التقطها الاسرائيليون بأن الجبهة المصرية آمنة وتوقفت وان كل الجهد العسكري الاسرائيلي والامريكي يجب توجيهه الى الشمال السوري .. وبدل ان يقاتل السوريون نصف الجيش الاسرائيلي فانهم وجدوا ان اسرائيل كلها تدفقت نحو الشمال .. بسبب تلك الرسالة المطمئنة التي لايزال الجنرالات المصريون لايعرفون اي سبب لكشف نوايا الحرب او مبرر او تفسير لارسالها الا على انها رسالة تطمين كانت اكبر خطيئة ..


اليوم نتفاجأ ان كل حربنا من اجل فلسطين وان كل شهدائنا من اجل الا نقبل باسرائيل على ارض فلسطين .. واننا الدولة العربية الرئيسية حول اسرائيل والتي لم تعترف بها ولم توقع سلاما ولم تطبع وترفض اي مساومة على فلسطين .. وهي الدولة الوحيدة العربية التي تتلقى مئات الغارات  الاسرائيلية التي تريد اخراجها من الصراع مع اسرائيل .. ولكن ومع هذا لايزال هناك فلسطينيون كثيرون لايحبون السوريين ويشتمون القيادة السورية بل وانخرط الاسلاميون الفلسطينيون في الجهاد ضد الجيش السوري ودعوا للجهاد في سورية .. وعندما أفتش وأبحث عن السبب تخرج على الفور من الوعي الفلسطيني حكايات تل الزعتر والصراع مع ياسر عرفات الى السطح وهي تختصر كل العلاقة السورية الفلسطينية .. ولكن اذا قمت بجولة بحث على النت لتفهم سبب هذه الذاكرة الفلسطينية المشوهة فستجد دفقا من البرامج والوثائق والتحقيقات عن كل شيء لم نكتب منه حرفا .. وكلها روايات اخوانية وخليجية ولبنانية من معسكر المستقبل وجعجع  ومن ال بي بي سي .. وفيها يظهر السوري باختصار على انه كان يتلاعب بالفلسطينيين واللبنانيين من اجل سطوة رجل اسمه حافظ الاسد كان في صراع مع ياسر عرفات .. وليس لأن السوريين لم يسمحوا ان يكون لبنان وطنا بديلا للفلسطينيين .. هكذا اختصر كل دمنا الذي دفعناه بحكايات مزورة صارت هي الحقيقة وليس ان تل الزعتر كان حربا اهلية تورط فيها ياسر عرفات رغم ان شهادات كثيرة لاتزال حية تؤكد ذلك والشهود أحياء يرزقون .. ولكن هل هناك من يأتي اليها ليسمعها لينصف سورية؟؟ وهل هناك من يفكر باعادة تزويد التاريخ بالحقيقة والرواية السورية ؟؟


اليوم فيما تخوض قوى علمانية عربية واسعة الحرب ضد التدين المريض والتطرف الذي دفع السوريون أكبر ثمن باهظ بسببه تغيب المساهمة السورية وكأن ماحدث في سورية كان نزاعا بين فريقي كرة قدم وليس بسبب نزاع عقائدي فقهي بين مدرسة تلقن التطرف والدين المريض ومدرسة تريد للدين ان يتنحى عن الحياة العامة .. ورغم اننا نحن من قدنا قاطرة الحرب والنصر في هذه الحرب الا اننا في الحرب الثقافية والاعلامية انزوينا في الظلام وتركنا قيادة التنزير لغيرنا .. فلايوجد اي نشاط فكري او حواري خلاق بين اطياف فكرية متناسقة لتوقف التسلل المستمر للتدين .. الذي يستمر ويستمر .. وظهر في نتيجة المجلس الفقهي الذي لن يقود اعتدالا دينيا بل سيخلق موجة دينية جديدة لأن الناس لاتستمع لهذه المجالس بل تستمع للاعلام وللبرامج الذكية التي تتسلل الى قلوب الناس لتثير النقاش الخلاق والبناء .. ففي مصر اليوم يجري نشاط تنويري على قدم وساق .. فهناك الاسئلة المثيرة التي يطلقها ابراهيم عيسى واسلام بحيري وسيد قمني والمستشار احمد ماهر وغيرهم .. وهم يخوضون حربا ضروسا ضد المؤسسة الدينية الازهرية المخردقة بالوهابيات والاسرائيليات وهي المؤسسة التي تدعم السلام مع اسرائيل وكادت ان تشارك في الحرب المذهبية في سورية والعراق عندما اعلن محمد مرسي الجهاد في سورية .. ولذلك كان لابد من اصلاحها وكشف العيوب التي تعتريها .. وهناك عمل مصري دؤوب وجدي وسيثمر لجعل الاخلاق والتفكير أهم من الدين والنص الديني .. فيما اننا على العكس خضنا في سورية اعنف مواجهة دموية مع التيار الاسلامي المتطرف وعندما انتصرنا صادرنا سباحه ونسينا ان نصادر منه وسائل الجهل وأدوات التخلف وأساليب التفكير البدائية الساذجة .. بل واعطيناه أسهما في الاعلام والثقافة وصار له مجلس فقهي .. ولكن لم تنهض على الاطلاق مشاريع تنوير كبيرة تطلق طريقة تفكير جديدة ومواجهة مع الذات المتدينة .. وغابت هذه المشاريع عن حواراتنا ومنتدياتنا الثقافية والنقاشات الحقيقية واختفى مفكرون كبار مثل نبيل فياض وفراس السواح وغيرهما كثيرون جدا تحت ستار التجاهل والنسيان .. ولذلك فان الموجة الدينية التي ضربتنا ستتلوها موجات لاحقة .. لأننا حتى هذه اللحظة نخاف ان نطلق عملية تنوير جريئة وشجاعة في أهم لحظة حاسمة وانعظافية .. عملية مواجهة متوازنة وشجاعة يعمل عليها فريق مثقف ومتنور تجعل الدين والعلم متساويين في المجتمع ولا يسحق احدهما الاخر ويقتله ..


استطيع ان اقول ان القائمين على المشروع الاعلامي والمشروع الثقافي السوري لم يبق لهم عذر وقد فاتهم القطار وهم نائمون على رصيف الزمن .. فيما مرت كل قطارات الخصوم امامهم ووصلت الى محطات بعيدة .. وابناؤنا هم من سيدفع ثمن هذه الغفوة الاعلامية والثقافية التي غيبتنا عن كل شيء في الوعي الجمعي للشرق العربي بسبب غفوة اعلامية دامت خمسين سنة .. وأنا على يقين ان بقاء هذا الفريق صار مطلبا للاسلاميين وهدية لهم .. لان الاسلاميين واعداء سورية لن يحصلوا على هذه الخدمات حتى لو كان القائم على الشأن الثقافي والاعلامي اسلاميا من جبهة النصرة ..

عاش قبل 85 مليون سنة.. الكشف عن جمجمة ديناصور مفترس في الأرجنتين |  التلفزيون العربي

هذا المنشور نشر في المقالات. حفظ الرابط الثابت.

2 Responses to البحث عن عظام الديناصور .. عندما تصبح الحكايات يتيمة

  1. التنبيهات: البحث عن عظام الديناصور .. عندما تصبح الحكايات يتيمة | UPROOTED PALESTINIANS: SALAM ALQUDS ALAYKUM

  2. التنبيهات: البحث عن عظام الديناصور .. عندما تصبح الحكايات يتيمة | UPROOTED PALESTINIANS: SALAM ALQUDS ALAYKUM

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s