من أراد مدينة فعليه ببابها وليس بتسلق أسوارها .. فكل قضية في الوجود فيها مفتاح .. وكل مدينة لها باب .. وكل من يحاول القفز فوق الاسوار كيلا يمر في الباب فانه مغفل ولن يدخلها الا كاللصوص .. ولذلك فانني أحاول ان أفهم مغزى المظاهرات التي خرجت في الاردن او في المغرب احتجاجا على قرارات التطبيع والاتفاقات التجارية مع اسرائيل .. وكل هذه المظاهرات تتجنب المرور من الباب والدخول في القضية الرئيسية باستعمال المفتاح .. وتصر على ان تناطح الاسوار ..

كل المظاهرات المناوئة للتطبيع تقول مالايقول مالك في الخمر وترعد وتزبد ولكنها لاتجرؤ على قول الحقيقة والتوجه الى من بيده القرار وهو صاحب التطبيع .. فكل المظاهرات الصاخبة والمجلجلة لاتجرؤ على ذكر الملك ولا التوجه اليه ولا لومه او تحميله مسؤولية هذا التطبيع وهذه الاتفاقيات التي تبيع هذه الممالك وشعوبها للشركات الاسرائيلية ..
لماذا يغيب الملك من نداءات المظاهرات في الاردن والمغرب اللذين وقعا اتفاقات تطبيع تجارية مع الاسرائيليين؟؟ ولماذا يصب الغاضبون جام غضبهم على أشخاص في الحكومة في هذين البلدين وهم لاحول لهم ولاقوة بل عبيد مأمورون؟؟ .. فالقرار في النهاية للملك وليس لهم .. فهل يجرؤ رئيس وزارة او وزير على توقيع اي اتفاق خارجي دون اخطار الملك ودون الحصول على بركته وموافقته؟؟ اذا كان كذلك فكيف لم يجرؤ وزير واحد او رئيس وزراء مثلا على ان يتواصل مع الوزراء السوريين طيلة الحرب على سورية ؟؟ ولماذا لايجرؤ اي وزير اردني على ابرام اتفاق سياحي مع ايران مثلا؟؟ هل كل ذلك بسبب احترام رغبة الشعب الاردني الذي لايريد ايران ؟؟ ولكنه لايخاف في اسرائيل لومة لائم ولايهمه المظاهرات ويغلق المعابر مع سورية الى ان يشير الملك باصبعه ان يفعل شيئا آخر ..

هذه المظاهرات رغم انها صادقة وراغبة ويجب الاعتراف انها ترفع رؤوسنا .. ولكن ينقصها شيء واحد فقط وهو الصدق مع الناس والشجاعة .. لان فيها نفاقا للملوك .. فهي لاتريد التطبيع ولاتوافق عليه ولكنها تخاف ان تقول للمطبع الاول انه هو صاحب القرار وصاحب الرزية .. وصاحب الرذيلة ..
كيف يتوقع هؤلاء ان يتوقف التطبيع اذا فقد المتظاهرون الشجاعة بالتوجه مباشرة للملك كصاحب قرار؟؟ وكيف يتوقع احدنا ان صاحب الخطيئة سيتراجع اذا وجد ان كل الحجارة ترمى على ضحية اخرى لاذنب لها .. فيما هو يقف متفرجا رغم انه صاحب الرزية والخطيئة والاثم ؟؟ 

تعلموا من تجربة الربيع العربي الأسود … تخيلوا ان الربيع العربي تمكن من ان يتقن حشد الناس وان يلقنهم شعاراتهم التي هزت الجمهوريات العربية كلها وأسقطت زعماءها .. فكل شعرات الربيع العربي التي تم تلقينها للجمهور كانت علانية تستهدف فقط شخص الرئيس في مصر او ليبيا او اليمن او سورية وليس الحكومات .. الشعارات كانت علانية مثل (الشعب يريد اسقاط النظام او الرئيس .. او ارحل يافلان .. الخ ) .. واستهداف الرئيس او الزعيم او الملك هو رسالة قوية جدا توحي ان الشعب صار متكمنا من ادوات التمرد .. ولذلك اهتز الحكم في تونس وفي مصر وانهارا .. وارتبك الناس في ليبيا وسورية في بدايات الربيع الاسرائيلي وكان هذا الارتباك سببا في سقوط الحكم الوطني الليبي واضطرار الحكم الوطني في سورية لخوض حرب شرسة ضد من كان يصنع الشعارات للجماهير ويحركها ويتلاعب بها ..

 
ولذلك فان اي معارضة للتطبيع اليوم واي مظاهرات مناوئة له يجب ان تسدد مباشرة على الشخص الذي بيده قرارا التطبيع .. هل ألوم الملوك أم ألوم شعوب الملوك ؟؟ فقد تخلص الملوك العرب من عبء تحمل المسؤولية امام عملية الخيانة والتطبيع دون ان يتخلوا عن جزء واحد فقط من سلطاتهم .. ويظهرون ان التطبيع قرارا تتخذه الحكومة وليس الملك .. ولكن هذا ذر للرماد في العيون .. فهل تخلى ملك المغرب عن سلطاته وعن تقبيل يديه والزحف بين ركبتيه؟؟ وهل تخلى ملك الردن عن اي سلطة مطلقة يملكها؟؟ اللعبة بسيطة وهي ايهام الناس ان الملك مثل الناس لايد له في قرارات الحكومة عندما تقصر وعندما تطبع وعندما تبيع وعندما تخون .. ولكن الحقيقة هي ان كل شيء للملك .. واذا اراد شيئا في السياسة فسيكون في لمح البصر ولو كان نقل عرش بلقيس ..

الملك حسين خان شعبه وعمل جاسوسا لاعدائه ومع هذا لايجرؤ اردني واحد على القول ان ملكنا خائن وعميل .. بل يتسابق الكثيرون لتبرير خيانته بالذهاب ليلا للقاء غولدامائير وتحذيرها من هجوم مصر سوري بانه كان يحاول انقاذ المملكة من الصراع بعد ان خسر الضفة سابقا !! ابن الرسول والعترة الهاشمية بذهابه ليلا للقاء غولدا مائير كانما يريد ان نقول بأن جده الرسول بعد معركة احد كان عليه ان يهرول ليلا الى هند بنت عتبة ويتفاوض معها من اجل انقاذ الدعوة التي تلقت هزيمة احد القاسية ..

لايوجد في كل المغرب من يقول لملك المغرب انه خائن وينافق ويبيع القدس .. فهو ورث عن ابيه لجنة القدس وهي المؤتمنة على القدس ولكن الاب في السر كان يزرع ميكروفونات التجسس في المؤتمرات ويصل كل نقاش المؤتمرات العربية الى تل ابيب .. ويسمعها الاسرائيليون ويضحكون على مدرسة المشاغبين العرب ..
كل هذه التظاهرات الشعبية العربية والحراكات المناهضة للتطبيع التي لاتزال تخشى ان تقول الحقيقة وتشير الى اسم المتهم علنا انما هي تضيع وقتها وجهدها وترسل رسالة الى الملك انه لاخوف عليه .. فهي مظاهرات تفريغ شحنات وتمييع للغضب .. وقد يرعاها الملك لتنفيس غضب الناس وتحويله عنه الى حكومات لاناقة لها ولاجمل .. وانا على يقين ان اي موظف في اي سفارة غربية له سلطة في تلك البلاد اكثر من رئيس الوزراء الذي يهاجمه المتظاهرون ..

ياعزيزي المواطن العربي الغاضب .. ياسادة .. ياشعوب .. ياجماهير غاضبة .. اذا اردتم ادانة التطبيع والاتفاقات وايقافها فورا .. فلاتنافقوا الملوك ولاتجاملوهم .. وليكن شعاركم موجها ضد الملك مباشرة .. قولوا الحقيقة وجاهروا بها .. واذا سمع اي ملك هتافكم ضده في موضوع التطبيع وذكركم له بانه هو المسؤول فانه سيرتجف ويرتبك ويصفرّ وجهه ويجف خلقه وسيوقف التطبيع وسيوقف الاتفاقات .. ويحترم رأيكم ويحسب لشجاعتكم ألف حساب .. وحتى ان عاد الى اللعب تحت الطاولة فانه سيكون دوما حريصا على الا يغضب الناس لا في قضية التطبيع ولا في قضية العيش الكريم والحريات .. ولكن من يسكت على التطبيع سيسكت على كل شيء حتى حقه في العيش الكريم وفي لقمة الخبز .. أي ان الشعوب اذا أرادت ان تنهض بمستواها المعيشي والسياسي والاقتصادي ومستوى الحريات فان الشعارات السياسية الموجهة مباشرة للملك او الرئيس هي التي تجعل الملك حريصا ألا يخطئ وألا يستخف بالناس وألا يضحك على عقول الناس باصدار قرارات باهتة وتافهة ولايكترث بالفقراء .. وعندها لن يترك المظاهرات تفرغ غضبها في شعارات ضد أناس في الحكومة لاقرار لهم في التطبيع والخيانة … ولكن من سيبالي بكم اذا كانت قلوبكم مخلوعة من ملك وحاشيته؟ .. القلوب المخلوعة .. لن تنال الا احتقار الحاشية واحتقار الملك ..  وأصواتكم ستضيع في حفلات التطبيع بين أصوات الكؤوس التي تقرع الكؤوس ..  ولم لا فصوت الكأس له رنين لايملكه متظاهر يخشى ان ان يغضب منه الملك ..  

لايقاف التطبيع والاتفاقات يجب ان يكون الشعار: التطبيع من عمل الملك .. فليرحل