حتى الان كل قصة السبي البابلي تجدها تشبه كل قصص الهزائم التي تتعرض لها الشعوب المغلوبة .. فليس اليهود هم الوحيدين عبر التاريخ الذين تعرضوا للسبي .. لأن السبي واستعباد الشعوب المهزومة كان سمة من سمات الحروب ونتائحها في جميع الحروب القديمة .. وكأنها كانت قوانين حرب حيث يؤخذ الرجال والنساء كالعبيد لبناء مدن الغالب والمنتصر ليقوموا على خدمة علية القوم فيها .. هذا حدث مع الرومان والفرس واليونان .. بدليل ان طبقة العبيد في هذا المجتمعات القديمة كانت موجودة ومعترفا بها كحقيقة .. ولكن العبيد لم يكونوا فقط من خلال تجارة الرقيق والنخاسة بل كانوا ايضا من سبايا الحروب وعبيدها .. الا ان اليهود كتبوا عن السبي البابلي كأنه السبي الوحيد في تاريخ البشر وانهم الامة الوحيدة التي تعرضت لهذه المصيبة .. كما كتبوا عن الهولوكوست وكأنهم الامة الوحيدة التي دفعت ثمنا باهظا في الحرب رغم ان الروس فقدوا 27 مليون انسان في الحرب .. اي ثلث السكان الروس وهو مايعادل النسبة التي اصر اليهود على انهم فقدوها كضحايا الهولوكوست .. اي ثلث اليهود …ومع ذلك فانه لايوجد ادعاء بالمحرقة الروسية ولاأحد يبكي في العالم على ثلث سكان روسيا في الحرب .. ولااحد يبكي على ابادة 98% من الهنود الحمر .. فقط اليهود جعلوا من خسارتهم مصيبة للبشرية .. كما هو السبي البابلي مصيبة للبشرية دخلت الكتاب المقدس وأجبرت الله على ان يتحدث عنه .. وصارت الاسطورة في خدمة لص الارض .. فتحت ذريعة السبي البابلي والمظلومية اليهودية .. صار اليهودي ينشأ في بيت أمه وأبيه وهو يحس بالمظلومية منذ ولادته لأنه حفيد السبي البابلي وانه أخذ من أرضه وان أرضه تركت لغيره .. وهذا الشعور بالمظلومية لاينشأ عنه شعور بالاضطهاد فقط بل ينشا عنه شعور بالكراهية للبشر الذين لايساعدونه على تغيير هذه المظلومية واعادة الحق الى نصابه .. ولذلك نشأت النزعة اليهودية التي تتعامل بالشك مع الجميع وتكره الجميع وتلوم الجميع .. وتبرر السلوك العنيف أو الأنانية المفرطة وتبلد المشاعر لدى اليهودي وهو يرى الطفل الفلسطيني ينزف على الرصيف ويكتفي بمراقبته كأنه يراقب غزالا اصطاده او ثعلبا تسلى باصطياده .. ونشأ مجتمع اسرائيلي مسكون بالكراهية والشك من كل ماحوله ويمتد هذا الشك في أعماقه الى جذر عمره 3 ألاف سنة .. ولايمكن استئصاله باي عمل لأنه صار مزروعا فيما تحت الشعور البشري .. أي في اللاوعي .. وصار جزءا من نفسية اللص الذي يعرف انه يسرق ويعتدي ولكنه أراح ضميره بأن كل ذلك مبرر لأنه يسترد حقه ويتقاضى بدلا عن مظلوميته التي لحقت به وبأبنائه .. فاللصوصية هنا هي عمل نبيل طالما انها للتعويض عن الظلم المزمن الذي لحق به ..
للأكراد الانفصاليين نفس القصة .. وتحس أنك تستمع لنفس المدرسة ونفس اللص ونفس السيكولوجية .. فهناك من أشبع الحركات الكردية حقنا انهم ظلموا آلاف السنين وانهم الشعب المضطهد في المنطقة والمخذول والمعتدى عليه .. وانهم حرموا من وطنهم الذي سرقته الامم .. وهذا الشعور بالظلم الذي يحقن به الاكراد الانفصاليون أجيالهم الجديدة سيكون مشكلة كبيرة لهم لأنه سيحولهم الى لصوص .. وسيجعل كل الشعوب المحيطة بهم تتوجس منهم وتعمل على استئصالهم ..



ولكن فيما يخص المظلومية الكردية الوليدة وتضخيمها الى مستوى يساوي الشعور بالهولوكوست الكردي فانها مصنوعة وليست حقيقية ولها أسس استخبارية بريطانية .. فالبريطانيون خبراء جدا في تأليب الناس على بعضها وخلق الكيانات داخل الكيانات .. كما فعلوا عندما ضخموا الشعور بالاضطهاد بين مسلمي الهند وأعطوهم شعورا بالرغبة بالانفصال فكانت الباكستان وبنغلادش .. وهم يعملون على تضخيم الظلم الصيني بحق الايغور لفصلهم عن الصين .. واشبعوا شيعة العراق حقنا بالمظلومية تحت حكم البعث السني حتى انفصل العراقيون الى مئة كيان .. وحقنوا الاسلاميين السوريين بالشعور بالمظلومية من حكم العلويين حتى ادلجوا الاخوان المسلمين السوريين ووجه هم نحو هدف واحد هو نزع الظلم الطائفي عن أهل السنة.. ولذلك فان الاخوان المسلمين السوريين ليس لهم برنامج سياسي او اقتصادي سوى ازاحة المظلومية عن أهل السنة بسبب انهم ليسوا على رأس السلطة … والاسلامي الاخواني لايرى نفسه الا ضحية في سجن تدمر او في احداث حماة .. وكل شيء أخر من تمدد اقتصادي وتجاري وثراء اقتصادي في اهم مدينيتن سوريتين في حلب ودمشق ومشاركة في كل القرار السياسي والعسكري والديبلوماسي من خلال جسم حكومي مترامي الاطراف فانه لايراه على الاطلاق ..
وبالعودة الى المظلومية الكردية فاننا نجد انها ملفقة ومبالغ بها جدا ومختلقة .. وهي تبرير نفسي لحالة اللصوصية والسرقة .. فكل اللصوص عندما يسرقون يبررون سرقاتهم بأنها للعيش او انها استرداد لحقهم من الاغنياء .. وهكذا .. اي ان الشعور بالظلم هو غطاء العمل الجرمي .. فالاكراد على مر التاريخ لم نشهد لهم حركة او جماعة او ثورة او تمرد ضد اي دولة او كيان حكم المنطقة .. ولم نسمع عن مجزرة تعرض لها الاكراد كمجموعة بشرية على مدى التاريخ او ثائر كردي علقت مشتقته او ألقي في البحر كما حدث مع الثائر الامير فخر الدين المعني الثاني .. فلم يتمردوا على الفرس ولا على الرومان ولا على الامويين ولا العباسيين ولا العثمانيين .. بل ان الدولة الايوبية الشهيرة في ايام صلاح الدين لم تطرح هذا الامر لأنه لم يكون موجودا على الاطلاق أنه حلم للشعب الكردي المظلوم لأنه لم تقع ظلامة على الاكراد كجماعة بشرية .. ولاشك ان شخصا وسلطانا مثل صلاح الدين كان بعد ان استرد القدس قادرا على ان يصرح بهذه الحاجة لانصاف الاكراد اذا كانت هذه قضية شعب مظلوم ووصل الى السلطة العليا المطلقة في الشرق ..
تاريخيا يعزو الباحثون عدم الحاجة لوطن كردي بأن الجغرافيا التي انتشر فيها الاكراد كانت جبلية ووعرة لاتصلح لبناء حضارة ولا مراكز حضرية ولامدن بل كانت قرى مبعثرة متناثرة وغالبا لاتصلها سلطة الدولة لهذه الاسباب الجغرافية وبالتالي لم يقع صدام مع اي دولة .. ولم يكن لهم عاصمة.. ولذلك يتعلقون بكركوك ليس بسبب نفطها بل لأنهم لم تكن لهم عاصمة في اي تاريخ او حاضنة مدنية.. ويجدون في كركوك حلا مناسبا لهذه المعضلة والضعف التاريخي المحير..
الشعور بالحاجة لوطن كردي ولقضية كردية وبالمظلومية الكردية ملفق ومصطنع وتزوير لأنه كان حاجة بريطانية قبل كل شيء لخلق حاجز بشري في وجه المد الشيوعي السوفييتي الذي كان يخشى منه ان يصل الى الجنوب حيث حقول النفط العربية .. فكانت القضية الكردية وحديث الهولوكوست الكردي .. كما تم تضخيم الالم اليهودي لتبرير سرقة فلسطين وتشريد شعبها .. رغم ان كل الشعوب التي احتضنت الأكراد لم يكن لها يد في اي ظلم حل بهم عندما قسمت المنطقة بين الدول الكبرى التي قررت انه لاحاجة لوطن للاكراد لان المطلوب كان الرهان على العنصر العربي الغالب في المنطقة ضد الامبراطورية العثمانية .. فالصدام بين العرب والاتراك كان ضروريا لاضعاف الطرفين والسيطرة على المنطقة العربية التي انتقلت عنقها من الظلام العثماني الى الاستعمار الغربي .. لكن الانفصاليين الاكراد ضحايا الغرب يتعاملون كأجراء لدى الغربيين ويقاتلون أبناء جلدتهم المشرقيين من العراقيين والايرانيين والسوريين والاتراك من باب انهم ظلموا على يد هذه الشعوب في المنطقة .. ولايوجد من يهدئ هذا الشعور بالمظلومية والتي تقود مشروعا خيانيا للمنطقة حيث يعمل الاكراد مع الاسرائيليين والانكليز والامريكان وقد حولوا منطقتهم الى أكبر قاعدة عسكرية اسرائيلية وامريكية مثل قطر تماما ولكن على مقاس واسع .. وحولوا شبابهم الى وقود للصراع والكراهية مع كل المحيط وصاروا يتصرفون مثل اليهود وهم مملوءون بالشك والتوجس والشعور بالاضطهاد من كل المحيط فهم يجدون انهم محاطون بالعرب والفرس والاتراك .. وهذا تهديد وجودي لهم .. تماما كما يرى الصهاينة اليهود انفسهم في المنطقة محاطين بالعرب والمسلمين فيبالغون في خوفهم الامني وردة فعلهم .. ويغطون هذا العنف بالشعور بأنه استرداد للحق السليب وثار من المظلومية التاريخية ورد دين وتصفية حساب مع ظلم تاريخي ..
خطأ الأكراد لايقدر حجمه لأن حقن جماهيرهم بالتزوير والتلفيق سيجعل الاكراد ضحايا معركة عنيفة ستدمرهم وتدمر الشرق معهم .. ولكنهم بلا شك أكثر من سيدفع ثمن هذه المغامرة (البريطانية) .. فهم ليسوا زوارا طارئين للمنطقة بل هم عنصر قديم فيها ولكنه يطمح لتغيير دوره واللعب بالجغرافيا والتاريخ ومحاولة خلق كيان لا جذر حضاري له ولا عمران ولا اصول مدنية .. ولامساهمة مستقلة في نشوء المنطقة منذ فجر التاريخ .. كما الامة الالمانية في اوروبة او الفرنسية او اليونانية .. فلا يمكن ان نخلق كيانا جديدا في اوروبة لم يكن موجودا ولكنه قرر ان يظهر الان مثل أمة متكاملة .. مثل أن يكون في اوروبة دولة للغجر لأنهم موجودون فيها رغم انهم لم يشكلوا كيانا او دولة او حضارة مع الاعتراف ان الانخراط الكردي في نشاطات المنطقة الحضارية كأفراد وجماعات كان انخراطا بناء – ليس كالغجر – ولكنه كان بسبب التفاعل مع الاعراق الاخرى وليس بسبب استقلاليته النفسية والعرقية ..
الانفصاليون الكرد في الشرق السوري سيكون مصيرهم كئيبا جدا .. بمجرد ان يخرج الاميريكون .. ويشبهون مصير المعارضة الاسلامية التي حصلت على كل شيء بعروض الدولة السورية ولكنها كانت تمني النفس بكل شيء وتعنتت ورفضت كل الطروحات لأن هناك من أقنعها ان الناتو بنفسه قادم لينصبها .. واستمتع الارهابيون بمكاسب السيطرة على الجغرافيا والمعامل والاتاوات والمعابر .. ولكنهم في النهاية تركوا لمصيرهم .. وفقدوا كل اوراقهم ولن يحصلوا على اي شيء في اي مفاوضات لأنهم لم يعودوا يملكون الكثير على الارض .. وموقفهم التفاوضي مرهون بالراعي التركي والامريكي الذي سيبيعهم مع اول صفقة .. والمسار الكردي الانفصالي على نفس الخط ونفس النهج بحذافيره ..
عندما تصبح الاسطورة في خدمة اللص ومن أدواته .. يصبح اللص في خدمة الاسطورة .. وهذا هو حال اسطورة الانفصاليين الكرد والغزاة الصهاينة .. أسطورة تخدم السرقة .. فيصبح اللصوص والمجرمون والخونة خدما للاسطورة ويعملون على احيائها .. وابقائها وتحويلها الى حقيقة تاريخية ..


قام بإعادة تدوين هذه على Kamal.