إن أي فكرة أو طرح لإحداث تغيير لو طفيف في الحياة العامة يحتاج لموافقة مسبقة من أسياد الوضع القائم فتخيل أي تغيير ذاك الذي قد يحصل و أي رضى قد يقدمونه طواعية على إجراء قد يمس أوضاعهم التي كرسوها بطول عهدهم و كرستهم لذات السبب أسيادا بدل طليعة و قدوة تحتذى .. و لكي لا أجحف أحدا حقه علي القول أنهم غيروا أحيانا في بعض المسائل لكن على طريقتهم ” نوع من العود بعين الحسود ” فمرارا تم ضخ دماء جديدة في عروق الحزب و الدولة لكن الضخ تم دائما عبر الدماء القديمة و لم يلحظ أي تغيير ذي أثر و استمر النبض الوئيد .. و في مؤتمر التطوير الإداري الذي عقد مؤخرا في أحد الفنادق و شارك فيه خبراء و رصدت له الاعتمادات اللازمة تم تغيير اسم قسم الشؤون الإدارية في الدوائر الحكومية و صار يدعى ” قسم التنمية الإدارية ” .. تغير الاسم و لم تتغير أساليب العمل .. و تم تغيير اسم القيادة القطرية و صار ” القيادة المركزية ” و لم يلحظ أي جديد في التفكير أو طرائق العمل تماشيا لو بحد أدنى مع المتغيرات التي تفرض إعادة النظر لا بالمبادئ و إنما بالأسلوب و التكتيك .. و أجرؤ على القول أن التغيير الأكثر خطرا الذي لم يعره أحد من القياديين أدنى اهتمام هو الابتعاد عن جوهر الفكر الاشتراكي و العمل الثوري الاجتماعي المنبثق عنه و الذي يكرسه واقعا ملموسا يمد الدولة المقاومة بأسباب الاستمرار و ربما كان رفع الدعم و الخصخصة آخر مسامير تدق في نعش ذلك الفكر ..
ذكرت ملاحظة لأجل البحث في إمكانية طرح مشروع ثقافي أو غيره و مدى احتمالية تقبله و نجاحه .. إن مشكلة أي مشروع للتجديد هي حاجته لتقييم جهات معينة ليبصر النور أو ليبقى طي الظلام .. تلك الجهات حزبية تخضع كل شئ لآراء مسبقة هي عندها المقياس الأوحد للصح و الخطأ و الخير و الشر .. و هي أيضا تسعى أثناء عملها لنيل رضى جهات رقابية أعلى منها تلك التي تعنى بتعيين الأشخاص في مناصبهم حسب التزام كل منهم بالنهج العام لا حسب كفاءته و مقدراته .. تلك الجهات بعضها من بعض و أي جديد يعد دخيلا و يجب طرده و أي خروج عن هذا النمط يعتبر خرقا خطيرا يتهدد مصالح الدولة التي تتقزم أحيانا لتصبح مصالح جهات .. بلادة الفكر تتبع قلة العمل و إذا طال بها العهد خيمت بظلها الثقيل و دمها الثقيل على كل شئ من حولها ..

لأجل المشروع الذي دعى إليه المعلم نارام .. و الذي يفتح الباب واسعا لنقاش ذي أهمية قصوى أقول هل من مثقفين انتحاريين يجرؤون على توحيد جهودهم للعمل على فك الارتباط المقيت بين الجهات الرقابية و المناهج الدراسية التي تخلق أجيالا موالية إما للأحزاب أو للمذاهب لا لسورية الوطن المحرر من القيود و العقد .. الإرث القديم صار مصدر معرفة و توعية و تحرر عند الشعوب الحية و استمر عندنا سيدا آمرا و منبعا للجهل و التناحر .. لتبدأ تلك الجماعة من المثقفين عملها من النشئ الذي بين أيدينا .. ثروتنا الوحيدة التي لطالما فرطنا في استثمارها و تركنا أمرها لتكون للشيوخ عدة يرهبون بها غدا القريب و البعيد من أبناء جلدتهم و تركنا أمرها للأحزاب لتكون غدا مشاريع روبوتات و نسخ من الملتزمين في الصف لا حول لهم و لا فكر ..
نارام .. يا معلم لنتحد و نخرج عن العرف السائد فنسعى لتحطيم التحالف غير المعلن بين الأحزاب و الكهنة و لنكف يدهم عن مناهج التربية و التعليم .. و إن انتحرنا أو استشهدنا و تم الأمر و تكلل ببعض النجاح سننتج لو بعد حين مواطنين طبيعيين واعين بطبعهم و مثقفين بوعيهم لا تستطيع قسد اقتطاع جزء منهم لتخسر سورية و لا يستطيع الأخوان و الوهابية أن تجندهم فتخرب سورية .. ليكن التدريس خالصا لوجه العلم وحده لا شريك له مشروع يستحق إعلان الجهاد و الاستشهاد لأجله