تأبي الاقدار الا ان نضحك على المفارقة بين زمنين .. زمن الرجال وزمن الاولاد والصبيان .. زمن الهزائم وزمن الانتصارات .. فقد حاول سعدو الحريري ان يجلس في مكان الزعيم العظيم جمال عبد الناصر وهو يلقي خطاب التنحي الشهير .. فاذا بقرار الاعتزال للحريري يشبه زفير بعوضة يريد ان يقلد زفير الاعصار والعاصفة ..
في أحد الايام هزم زعيم أممي كبير في مصر فسمع الناس أقسى خطاب للتنحي في حياتهم .. وكأنه الاب الذي قرر ان يترك أبناءه .. لم يجهش الرجل بالبكاء .. بل اجهشت الجماهير بالبكاء.. فيما كان يتكلم وهو في حالة تأثر وحزن .. واحساس بالعتب على نفسه وعلى الايام التي لم تمهله كي ينتصر .. الرجل الكبير يتنحى بسبب الهزيمة ويعلن مسؤوليته عنها بشكل كامل .. ويطلب العودة الى صفوف الجماهير .. في صوت ناصر الهادئ كان هناك اعصار يتشكل وعاصفة تجتاح الشرق .. كان الناس يسمعون النصر رغم الهزيمة .. لأن الرجل كان سفيرا للارواح الناهضة .. وسفيرا للاحلام في كل العالم الحر .. وكان ظهوره في موعد مع القدر مثل رسالة انتظرها الناس مئات السنين .. ولذلك تمسك به الناس وأحسوا ان الطقس في الكون تغير وأن عاصفة شمسة ضربت الكوكب .. وحزنوا لقراره وفجعوا به أكثر مما فجعتهم الهزيمة .. وصمموا على ان ينتصروا معه وبه لأنه رجل ليس كالرجال .. رجل لم تصنعه ثروة ابيه زعيما .. ولم تصنعه أموال النفط زعيما .. ولم تصنعه طائفته زعيما .. ولم تفرضه علينا حملات اعلامية مدفوعة الثمن كابطال السينما .. بل جاء من خلف البندقية وحرب فلسطين وحصار الفالوجة .. ليصنع عصرا كاملا ولينحت بصماته على كل صوت عربي وعلى كل أمنية وحلم .. وحفر في وجه الزمن كلاما لن ينسى ..
وفي يوم آخر هزيل ظهر سعدو الحريري يريد ان يتصرف مثل الزعماء الكبار .. يشهق بالبكاء.. وهو يبكي لأنه قرر التنحي او الاعتكاف .. فهل اهتزت الامة من زفير البعوضة الذي أراد ان يطلق اعصارا وعاصفة شمسية؟؟ هل شعر احد بأن الارض تميد به من هذا القرار باستثناء حاراته في بيروت؟؟ سعدو الذي خرب لبنان مع عائلته .. وبدل ان يكون بطلا شكسبيريا عربيا في مسرح شكسبيري مثل هاملت يبحث عن قتلة ابيه الحقيقيين .. فانه لعب دور التائه الأبله الذي ترك شبح أبيه معلقا في الساحات ومشى في موكب القتلة .. وخرب العلاقة السورية اللبنانية وأوصل لبنان الى الافلاس والخراب واللااستقلال .. وخرب العقول وبذر بذور الشقاق والنفاق .. وبذر بذورا للانتهازية السياسية التي ملأت كل لبنان بالمنافقين وتجار السياسة والوصوليين .. وتحالف مع كل اعدائه وتناحر مع كل من تمنى صداقته .. وباع دم أبيه في أسواق السياسة .. رغم يقينه ان من قتل اباه هو الذي أراده بديلا لأبيه .. فضاع الدم وضاع الثأر ..
ماذا ترك سعدو الحريري للأمة كي تتذكره وتشق الثوب لأنه سيعتكف السياسة ويتنحى ويحتج؟؟ خطابات الأطفال ام هزليات خلع الجاكيت ومراهقات السفر الى بيروت عبر دمشق؟ أم اشغاله لأقوى حزب مقاوم ومنعه من قتال اسرائيل بسحبه دوما من حدود اسرائيل الى حدود الطوائف وألاعيب السياسة القذرة ..
السيرة الذاتية لهذا الصبي المراهق المدلل مخجلة وتجلب العار .. ففي زمن حسن نصرالله وانتصاراته .. وصل هذا الحريري الطائش البائس على متون اليخوت والثروات والمليارات .. من قصور بني سعود وقصور الشانزيليزيه أراد أن يغير الشرق .. وكانت تسير خلفه براميل النفط وحوله براميل النفط وامامه براميل النفط .. وكانت كل مخابرات العالم تحتفي بوصوله وتحرس موكبه .. ففي زمن السلاح والتحدي الخشن وصل رجال الحياة الحريرية الناعمة ..
محظوظ متخم لم تخشوشن أنامله .. ولم يمسك بندقية .. لم يحرك ثورة في العالم .. ولم يحرك حتى ثورة في بيروت .. لم ينصر أحرارا في العالم .. ولم ينصر حتى احرار بلده .. واكثر ماحاول ان يكونه زعيما لطائفة اغلقها بستائر حديدية وكبلها بسلاسل أولها في بيروا ونهايتها في الرياض .. فكلما شدت الرياض السلاسل .. هزت الطائفة وهزت معها بقية الطوائف .. ومن يكون زعيما لطائفة لايمكنه ان يكون رجلا الا على مقاس صغير جدا .. ومهما كسب فان اكثر مايكسبه هو حفنة من طائفة وثمالة من مذهب .. وعندما يرحل او يتنحى لاتهتز الشوارع .. ولاتتغير مصائر الجغرافيا .. ولايتوقف التاريخ ليستطلع هذا الامر الجلل ..
اذا غاب سعدو الحريري فاننا حتما سنفقد تلك النكهة الطريفة الساخرة في السياسة .. وسنفقد ذلك الشعور بأن للقدر سخرياته وهو يطحن المنطقة في أعتى مواجهات ويهدينا سعدو كي نعلم أن الله يعاقبنا بهذه الطريقة .. وكأنه يقول اننا نستحق ان نكون بما نحن فيه اذا كان بيننا مثل هذه الرثاثة السياسية ..
دموع سعدو الحريري وشهقاته .. سمعناها قبل ذلك في الاندلس في نهاية عصر الطوائف الذي دفع العرب فيه ثمنا باهظا وكان خروجهم من غرناطة .. في زمن عبد الله الصغير الاندلسي الذي بكى على ملكه الذي ضاع .. الذي كان لابد يشبه زمن سعدو الحريري .. زمن الطوائف .. او بالاصح زمن ابي عبدالله الصغير اللبناني .. الذي أتمنى أن يكون قد خرج ولن يعود .. وسنكسر ألف جرة خلفه وهو يغادر الحياة السياسية .. وأشك انه لن يرجع عن قراره .. فهو دمية .. والدمى يؤتى بها أو ترمى في الخزائن .. دون ان يكون لها أي قرار ..
العاصفة .. وزفير البعوضة


شكرا لكم الاستاذ نارام سرجون
”
يا ويلَ لبنان مما يُحدثُ الغضبُ – جريدة البناء
الشاعر: يوسف المسمار
https://www.al-binaa.com/archives/325592
…
نُـوّابُ لبـنـان غـلـمـانٌ ســياسـتُهـم
الغـدرُ والزورُ والتهـريجُ والكَلَـبُ
عُــبّــادُ لبـنـان ضُـلاّلٌ ديـانـتُهـم
العهـرُ والفسقُ والتضليلُ والكذبُ
قُـضاةُ لبـنـان خصيـانٌ فحـولـتُهـم
الجبنُ والخوفُ والتزويرُ والهَرَبُ
أقطـابُ لبنان قـد خانـوا رسالتهـم
فاختـلّ وانهار ما من أجله انتدبـوا
…
يا أهـلَ لبنان لا تبـكـوا على وطـنٍ
إن ضاعَ أو زالَ أنتـمْ كنتـمُ السببُ
”
شكرا