عباس النوري الذي أحبه أخطأ وأصاب… أخطأ لأنه ذكر نصف حقيقة ونصف الحقيقة أحيانا: باطل كامل…
عباس النوري تكلم من بيتو اللي هوي سوريا ونحتاج ذلك بلا شكاوى على الرجل أو منع له أو لغيره… وكلامه تراوح بين الرأي الموفق في حيثيات وغير الموفق في حيثيات وفيه “الإخبار” اللي كلنا سمعنا فيه وتعرفه امريكا وروسيا وليبيا وفرنسا واسبانيا والسعودية عن البنك المركزي وغيره وحكاه أكتر من سياسي بينهم فراس طلاس الذي لايقل سرقة عن أحد وتم حذف لقاءه عن قناة روسيا اليوم ونحن نجهل كامل الأدلة والكلام للقضاء هنا…
ومن الخطأ حذف المقابلة على راديو المدينة لأنه لايلغيها وهو عبثي وهرب سريع الخطى من النفس… وسبق لنفس الإذاعة أن أجرت مقابلة معي بعد خروجي من الحبس لخمسة أيام بسبب حديثي عن أخطاء وزارة الزراعة التي ندفع ثمنها اليوم في طعام أولادنا… وحين بحثت عن المقابلة وجدتها محذوفة أو “لم تفتح مع أحد” بنفس اليوم لكن هناك من اقتنصها لي ورفعها يوتيوب…
بقناعتي ورغم غالبيتنا الساحقة بعثيين بالولادة كما غالبيتنا الساحقة مسلمين بالولادة… بقناعتي أنه اليوم لم يعد هناك بعثي واحد بسوريا وفق المكتوب في مبادئ حزب البعث حتى في صفوف القيادة القطرية نفسها… ولا واحد فيهم بعثي وأصلا مبادئ حزب البعث سبقها الزمن:
الزمن التكنولوجي وتطور علم الإدارة والاقتصاد…الخ
الزمن سبق الحياة السياسية كلها المعمول بها في سوريا…
لكن أخطأ عباس النوري حين استشهد بالحريات في الخليج!!…

وأخطأ حين تحدث عن الوضع قبل 1963 وأوضح وأنا أحفظ تاريخ سوريا وشخصياته ولاأريد الدق في الماضي ورجالاته من 1920 لكن كتذكير سريع:
حوالي أربع وعشرون حكومة تشكلت خلال اثني عشر سنة من ألف وتسعمائة وست وأربعون وحتى ألف وتسعمائة وثمان وخمسون… أرجو ألا يقنعني أحد بأن هذا تداول سلطة وحالة صحية ولو بنسبة واحد في المائة… الحالة الصحية كانت تقضي بتشكل حوالي ثلاث إلى أربع إلى خمس حكومات وليس حكومة كل ست أشهر وسطيا… هذه فوضى التي كانت خاصة مع انقلابات العسكريين وارتهانهم للخارج في ذلك الزمن… وتصرفاتهم ورجال مخابراتهم القمعية…
حكم العسكر وصل قبل 1970 أخي عباس النوري!!
لذلك يكفي البعض هذا الانفصام النوستالجي نحو ماضٍ فقط للإيحاء بمقاربات غير صحيحة لواقع تختلف معطياته لحد بعيد..
لايمكن إجراء مقاربة دون أسس كاملة الصحة للمقارنة…
“فتشليف” جزئيات أو كليات من ماضٍ لاستنتاج كليات أو جزئيات في الحاضر أو المستقبل هو خطأ مفضوح مالم يقترن باستحضار كامل للبيئة الزمانية والمكانية بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية… المرافقة لحدث ما في الماضي ومقارنتها بعد ذاك بالبيئة الحاضنة لحدث ما يجري في الحاضر أو متوقع في المستقبل…
رأيي:
دعونا من الماضي البعيد كله باستثناء استرداد مايمكننا من مال منه فالمال هو مايلزمنا فقط فقد تسامحنا مع كثيرين ارتكبوا أوسخ الجرائم في هذه الحرب… ولنهتم بالامس القريب واليوم والأهم:
غدا….
خبز الغد ومازوته وغازه وفروجه… ودواءه ومدارسه…الخ
بغض النظر عما قاله أو لم يقله عباس النوري، مع تأييدي المطلق للمعلومات التي أوردها د. أمجد بدران فإن هكذا مناقشات افتتحها عباس النوري هي بالضبط ما يحتاجه السوريين، يجب المحاورة بين مكونات الشعب وبين النخب وبين العامة، الحوار والنقاش يفتح آفاق المعرفة والمقابل هو التقوقع والتفرد بالأفكار التي قد تبدو خاطئة.
يحسب لعباس النوري أنه قال ما قاله في حوار على قناة إذاعية محلية ومن داخل سورية كما تفضل د. بدران، وهذا من حق الرجل، وكان الأجدى بالقناة المذكورة أن تأتي بأحد آخر لديه ما يناقش به ما طرحه السيد. النوري فيقوم هو الآخر بتصويب أو تأكيد أو نقض بشكل كامل ما قاله جزءاً أو كلاً، كان الحري بالقناة أيضاً أن يكون المحاور للضيف على اطلاع بالموضوعات التي سيسأل الضيف عنها.
هناك أناس متخصصين بكل مجال والحمد لله الطاقات الموجودة في بلدنا أكثر من كافية، فقط بحاجة لمن يظهرها وتظهر فقط عندما يكون هناك نقاش جاد وموضوعي وبهدف التبادل الثقافي وليس الهيمنة على أفكار الآخر.
كم مرة دعا السيد الرئيس للحوار؟ وعندما يبدأ أحد بالحوار نرى كيف تتم مهاجمته من قبل البعض المنغلقين. هناك خطوط حمر لا يجب تجاوزها بطبيعة الحال ومجتمعنا السوري مجتمع محافظ لديه تقاليد راسخة وليس كما هي الحال في نصف الشعوب القريبة مننا كلبنان وتركيا أو حتى العراق. ليس لدينا من يتطاول على الدين أو أي شعبة من شعبه التي تعددت مع وجود الكثير من الملحدين واللادينيين والعلمانيين المتدينين والغير متدينين، وليس لدينا من يتطاول على الخلفيات العرقية والدينية، ولكن لا أحد يملك سلطة كم الأفواه الناقدة والمحللة والدارسة.