ماأكثر الحكايات التي كنا نقرأها ونحن لاندري انها تحكي عنا وتخبرنا عما سيصير اليه حالنا من ثراء او فقر .. من سعادة او تعاسة .. من نجاح او فشل.. كأن الامم تمر بكل الحكايات التي لاتكون حكايات بل نبوءات ورؤى من المستقبل .. قصة الزير وهو يقاتل أهله أربعين عاما من أجل بضعة من أهله .. نقرأها ونحن نظن اننا نقرأ ماضيا وأسطورة فاذا بنا نتلفت حولنا ونجد اننا لانزال عربا نتقاتل .. كأن حكاية بني مرة وربيعة لم تكن سيرة شعبية وخيالا بقدر ماانها نبوءة واستشراف لهذه الايام التي يقتل فيها العربي العربي .. ويسرقه ويحاصره ويحرمه من الحياة ويحاصره ويقاطعه ويمنعه من ان يشرب وان يشعل النار .. هل ماحدث بين السوريين بسبب جهل بعضهم الا استرداد لتلك السيرة الصحراوية.. التي قرأناها واستمتعنا بها .. دون ان نعلم اننا سنعيشها في سورية .. وفي العراق .. وليبيا واليمن .. عن العرب التي تطحن عربا .. من أجل ناقة وبعير .. ناقة السلطة وبعير السلطان العثماني ..
صرت أخشى كلما قرأت قصة ان أعيشها .. او ان أراها في حياتي وفي الناس من حولي .. هل تراني أرى بائعة الخبز وبائعة الكبريت ؟؟.. وهل قرأت البؤساء وأبطالها الفقراء كأنها صورة عما أراه اليوم من معاناة الفقراء بسبب الحرب والحصار؟ .. وهل تراني ارى على الارصفة ابطال حكايات قرأتها وأخبرتني عن وجوه هؤلاء الناس القادمين الى عيوني .. ؟؟
من بين الحكايات التي أعجبتني في طفولتي هي قصة تمثال الأمير السعيد والسنونو .. وكلنا يعرفها ويعرف ذلك التمثال ذا القلب الحجري الذي يرى الام الناس ويبكي عليهم وينفطر قلبه حزنا.. كيف كان يهب عيونه ومقبض سيفه ودرعه الموشى بالذهب للفقراء .. ويرسلها مع السنونو سفير الحب والخير والكرم هدايا كي يرتاح قلبه الحجري ..

في سورية التي جار عليها الزمان في الحرب .. لن يموت الفقراء .. ولن يعانوا كثيرا اذا جار الحصار عليهم وجار العرب وجار الزمن .. ففي كل حارة وساحة تمثال للعطاء .. وفي كل مغترب سوريون يقدمون لأهلهم ولجيرانهم قلوبهم وعيونهم .. وسفراء للخير والحب والعطاء ..
الحرب العظمى توقفت في شكلها العنيف .. وتبعات الحرب بدأت .. ولكني أرى ان البلاد تغص بطيور السنونو .. وتغص بعيون من الياقوت وهدايا من أناس كرماء واسخياء .. ويحبون أهل بلدهم .. ويعرفون ان الغاية من افقار الناس هو اذلالهم وسحقهم واخضاعهم لاسرائيل واميريكا كي تموت الجغرافيا ويموت التاريخ .. وتموت سورية كقطعة تاريخية لم تمت قبل اليوم ..هؤلاء أمراء في قلوبهم وامراء في ارواحهم .. يكثر الفقراء .. ولكن يزيد تحليق طيور السنونو .. يحملون من أمراء الحب والخير رسائل للفقراء .. كي يعيش البلد ولايموت ..
انا أعرف معاناة الناس وأعرف ان الحكومة عاجزة من مجاراة معاناتهم .. وغالب الامر بسبب انهاك الخزينة في الحرب والحصار .. وبسبب سوء الادارة احيانا وقلة الخبرة .. ولكني أرى تكافلا بين الناس وأرى انه لايوجد سوري مقتدر الا ويتكفل بعائلة او أشخاص فقراء .. وارى نسخا لاتنتهي لجان فالجان الذي يحب الخير ولاينسى انه جاع يوما .. وحرم من حريته بسبب رغيف خبز ..
هذه القصص الرائعة عن تماسك الناس وتراحمهم هي التي لاتعرف معاهد الابحاث الامريكية ان تضعها في حسبانها .. هذه المراكز البحثية تظن ان الشعوب والامم مثل السوبر ماركت وحسابات الشركات التجارية ..اذا افلس السوبر ماركيت فانه يباع او يغلق ويتحول الى وكر دعارة او حانة للسكر والقمار ..
بلادنا ليست سوبر ماركت .. ولن تكون حانة للقمار والسكر والثمل .. مهما أفلست وصار الناس فيها بؤساء .. بلادنا قاتلت ونزفت من اجل الا تتحول الى حانة نساؤها ورجالها يباعون في العاب القمار .. البؤساء فيها سينتصرون ..
ففي الروايات العظيمة لايموت البؤساء .. بل يموت الحقودون الذين لايريدون للخير ان ينتعش .. جافيير القاسي القلب .. ينتحر ويموت .. لأنه لم ينتصر على جان فالجان الذي كان فقيرا .. ولكنه كان ثريا في قلبه وروحه اكثر من جافيير .. جافيير الذي يمثل التسلط الغربي والامريكي والصهيوني .. الذي يلاحق الفقير جان فالجان .. ويحاصره بالاتهامات والملاحقات .. سيموت جافيير .. وسينتحر .. وان لم ينتحر فسنساعده على الانتحار .. وسينتصر البؤساء ..
في الروايات العظيمة قصة الشيخ والبحر للروائي ارنست همنغواي .. عن عجوز صلب .. يفوز بالهدف … ويفوز بالسمكة العظيمة .. ورغم ان أسماك القرش تلتهمها فانه يصل الى الشاطئ .. هل هناك أصلب من شعبنا الذي قهر اسماك القرش وعاد الى الشاطئ؟؟
أنا رغم كل شيء وفي ذروة الحرب كنت متفائلا .. وكنت على يقين ان اعداءنا لن ينالوا منا .. وكنت ارى نفسي اتجول في الغوطة عندما كان زهران علوش يستعرض قواته وجيوشه ويقصف دمشق .. وكنت أرى نفسي اتجول في حلب رغم ان ثلثيها كان قد قضم وكانت تنهال عليها مدافع جهنم يوميا .. لم ينقص يقيني قيد شعرة .. وهاقد فعلت ماكنت على يقين منه .. ومشيت اليوم في الغوطة وحلب رغم كل المتشائمين الذين استسلمت هممهم وعزائمهم يوم سقطت المدن وتهاوت الجبهات.. وظنوا انها النهاية..
واليوم لن يتغير يقيني من انني كما استعدت حلمي في حلب والغوطة .. فانني أرى نفسي قريبا من المنطقة الشرقية .. ومن ادلب .. ولكني أرى رواية عظيمة لشعب ينهي آلامه وبؤسه وفقره ومعاناته بمعجزة .. المعجزة تأتي في لحظة يظن الناس انها لحظة النهاية .. انني أرى تلك المعجزة .. وأعرف أنها يقين سألمسه وستلمسونه .. قريبا .. وسنكتب رواية عظيمة اخرى ستقرأها أمم لاحقة عنا .. يقولون فيها اننا كنا بؤساء وفقراء .. ولكن أرواحنا كانت عظيمة .. ولكننا سحقنا أسماك القرش .. وسحقنا جافيير الغربي .. فالارواح العظيمة لاتقهر ولاتستسلم ..

شكرا عزيزي نارام على نفحة الأمل التي كادت أن تموت.
ربما ماتت عند كثيرين ولن نلومهم وربما قريباً تموت عندي وعند غيري.
ولكن لايجب ان يموت عند الجميع وان يمتلكوا ترياقاً سحرياً يحييوننا فيها ..