عبثا أحاول ان أخرج من هدير الحرب الذي اسمعه في رأسي .. وعبثا أحاول أن اخرج هدير الحرب من أذني .. لأسمع هدير الدولار وهدير الفقر ..ولكني لاأرى فرقا بين هدير الدبابات وهدير الدولارات .. فالحرب مستمرة في قلب الصمت الذي يثير الريبة .. ولكن يستحيل ان يستمر هذا الركون وهذا السكون ..
ولذلك فانني على يقين ان هذا الصمت لن يدوم طويلا .. فالوقت تأفف من الانتظار والانتظار تأفف من الوقت .. وكل مايجري حولنا هو استعداد لجولة جديدة .. لأن الاميريكيين مستميتون كي يمنعوا التقدم نحو نهاية العصر الامريكي التي بدأت منذ اضطرارهم الى الانسحاب من العراق ثم في التقهقر من أمام السواحل السورية .. فالانسحاب من العراق يشبه الانسحاب من فييتنام .. والتقهقر من سورية يشبه تقهقر السوفييت من أفغانستان ..
ان من لايقرأ السياسة اليوم فانه لن يقرأ أبدا .. فما هو مكتوب على الامواج يراه سكان المريخ .. ولكن كيف ألوم من كانت له عينان صنعتا في اميريكا وأنف صنع ليشم رائحة العطور الفرنسية وليس رائحة البارود .. فلم تعد الامية وصفا مقتصرا على القراءة والكتابة بل هناك الامية السياسية وهي الداء الذي تبين ان معظم ساسة العالم مصابون به.. فهم تبين انهم أميون في السياسة عندما عجزوا عن قراءة المعضلة السورية وظنوا بسذاجة ان سورية ستسقط من درعا .. ومن بيروت .. ومن استانبول ومن الرقة على يد البغدادي .. بل ظنوا ان سورية ستسقط من الدوحة .. لكن أخطأت القراءات الامية .. لأن هناك حدثا أشار الى ان السقوط قد يكون من نصيب السياسة الاميريكية وخروجها نهائيا من مساحة التأثير الدولي .. كان يمكن قراءة الانسحاب الامريكي من القدرة على صناعة الحرب لاول مرة عندما تقهقرت وعادت من الشواطئ السورية محملة بالبراميل الكيماوية ولكن اميريكا كانت مثقوبة بفعل ذلك القرار .. انه قرار اميريكا المؤلم بألا تنجز عملية اسقاط الدولة السورية عندما ارسلت الاساطيل الى السواحل السورية .. ثم في اللحظة الاخيرة قالت انها ألغت الضربة لأنها اخذت السلاح الكيماوي السوري .. والحقيقة هي ان اميريكا ادركت ان اللعبة خطرة جدا .. وانها تضغط على زر الجحيم لان الكل كان يتربص ويترقب ويكمن للخطوة الامريكية .. وهنا عرفت اميريكا ان اللعبة تغيرت وان الزعامة انتهت ..
كان تراجع اميريكا عن ضرب سورية في اللحظة الاخيرة مؤشرا خطيرا لدى من يقرأ سيرة الامبراطوريات في اول دليل على بقاء اميريكا ونهاية الدور الامبراطوري لها .. لان نهاية الدور الامبراطوري لأي امبراطورية تبدأ عندما تتراجع وتتقهقر في اي معركة حاسمة .. وسورية كانت معركة حاسمة في حياة الامبراطورية الامريكية لكنها تعثرت بسبب نهوض روسيا فيها واستبسال محور المقاومة استبسالا منقطع النظير ..

معركة سورية كانت تشبة معركة فييتنام .. لأن فييتنام كانت بعد زمن صعود امريكي كبير اثر اجتياح اوروبة في الحرب العالمية .. أما معركة سورية فكانت بعد صعود امريكي طوال التسعينات اثر زوال الاتحاد السوفييتي وتدمير العراق .. ولكن الفرق بين مرحلة فييتنام وسورية ملفت للانتباه … ففي معركة فييتنام تقهقرت اميريكا وانسحبت.. وكانت قريبة جدا من السقوط عندما تقدم الاتحاد السوفييتي والشيوعيون ووصلوا الى فم اميريكا في كوبا .. السياسيون الامريكيون كانوا يرون في هزيمة فييتنام مؤشرا على سقوط سريع للمشروع الاميريكي الامبراطوري في العالم والدور السياسي لاميريكا .. وكانوا يتوقعون سقوطا مدويا لاميريكا لأن هزيمة فييتنام كانت هزيمة للنموذج الامريكي الاقتصادي والسياسي .. وتعني صعود الشيوعية في اوروبة والعالم وقد تصل الى اميريكا نفسها .. لكن الاميريكيين تحركوا قبل العاصفة وزار كيسنجر الصين وبعده نيكسون عام 1972 ملتفا على الشيوعيين السوفييت وأعطى الصينيين كل ماطلبوه .. فانشطر البيت الشيوعي العملاق الصيني السوفييتي وعند ذلك تمكن الاميريكيون من اعلان هزيمتهم في فييتنام عام 1975 وانسحبوا وهم يعلمون انهم تجاوزوا الخطر .. وطعم الهزيمة لم يؤثر في دور اميريكا الصاعد لأن العدو الشيوعي قد تم تفكيكه .. وكان هذا التفكك هو اول مؤشر على هزيمة الشيوعية الذي بدأ يتراكم الى ان تبلور في هزيمة افغانستان قبل عام 1988 بقليل .. فقد كسب الشيوعيون فييتنام عام 1975… ولكنهم خسروا كل الصين او تحالف الصين والاتحاد السوفييتي كبلدين شيوعيين .. ولولا تلك الخطة الماكرة الاميريكية لكان العالم شيوعيا منذ تلك اللحظة التي اعلنت فيها هزيمة اميريكا .. الا ان اميريكا المهزومة تخلصت من خنجر فييتنام المنغرز في لحمها وشطرت العالم الشيوعي الذي كاد يلتهمها ..
تكتيك الامريكيين في الحرب السورية كان مغايرا .. ومعاكسا لتكتيكهم في سبعينيات القرن الماضي لانهم قرروا الآن ان يواجهوا الصين التي نجت من الحطام الماركسي .. حيث أن مواجهة اميريكا للصين ستدفع الصين الى الحضن الروسي .. وروسيا في نفس الوقت تنتظر اللقاء مع الصين على احر من الجمر بعد الهزيمة السوفييتية .. فكان حتميا ان المواجهة الصينية الامريكية ستعيد التحالف الصيني الروسي .. فقررت اميريكا اضعاف هذا التحالف الحتمي بالانقضاض عليهما بتحضير تقطيع اوصالهما بالمؤامرة الاسلامية التركمانية التي كلفت بها اردوغان ليقود النشاط الاسلامي باطلاقه من العالم العربي وحشده في حدود الصين وروسيا ..
المرحلة الاسلامية انكسرت في سورية .. الا أن الحرب لم تنته بعد .. اميريكا جريحة مثل وحش اصيب بطلق ناري .. وماحدث في تركمانستان واوكرانيا والحصار على سورية هي ان اميريكا تريد ان تقاتل بكل مالديها الان مما بقي من ذخيرة .. تقاتل بالدولار والنفط .. ولكنها قررت انها لم تعد تريد القتال في الميدان ..
تنبهوا جيدا وأصيخوا السمع .. فربما تسمعون في الهدير آلام امبراطورية اميريكية لاتريد ان تترجل عن العرش الامبراطوري .. ولكن قولوا لأميريكا الرافضة ان تنزل عن عرشها انه لاتوجد امبراطورية بلا نهاية مهما حاولت ابعاد هذا القدر وهذه القاعدة الرهيبة .. بل على العكس ان الامبراطوريات هي التي تتعرض للفناء والموت والانقراض أكثر من غيرها .. كالاشجار الطويلة المعمرة .. عندما تهرم وتشيخ فان وقوعها يرى من على البعد ولايرى موت النباتات الصغيرة مهما كان قاسيا ..
ولذلك لايريد الامريكيون ان يصدقوا ابدا انهم مقبلون على أفول لأن الصين وروسيا تقتربان لتتكاملا .. الاولى عملاق اقتصادي والثانية عملاق عسكري رهيب .. ومحور ايران وسورية وحزب الله هو صمام الامان لهذا العملاق ثنائي الرأس ..
ان اميريكا لن تتدخل في اوكرانيا .. وستتراجع كما تراجعت في سورية وتعود مثقوبة رغم انها محملة ببضعة براميل .. ان هذه الدولة العظمى التي صارت مثقوبة عدة مرات .. سنجعلها تضيف ثقبا آخر جديدا في هذا العام .. لأن لنا ثأرا مع هذه الدولة المارقة الحقودة الجشعة التي تسرق قمحنا ونفطنا وشبابنا وتفقر بلادنا .. وتجلب كل هذا الويل على شعبنا .. والتي تثقب كل لحظة امان لدينا .. وتثقب كل حلم لدينا وكل أمنية .. وتتسبب بكل هذا الحصار وهذا الدمار والمعاناة ..
انني اقترب من يقين ان يكون هذا العام عام ثقب جديد في جسد اميريكا .. في قلبها .. بل وماأدراك ماهو قلب اميريكا.. وماذا سيحدث عندما نثقب قلبها .. هل تعرفون اين هو قلبها؟؟

قلب امريكا هو الكيان اصهيوني المجرم