كنت فيما مضى مفتونا بالافلام الاميريكية والغربية ومبهورا بها .. ولكنني بعد فترة وصل الي شعور كبير بالسأم والملل .. لأن كل القصص الامريكية التي تحاول ان تختلف عن بعضها تقول نفس الكلام .. ونفس العبارات .. وتسير في نفس السياق .. وتعيد انتاج نفس المشاهد .. سيارات شرطة ولصوص ومطاردات ونوافذ بارات تتحطم وطاولات تتكسر ولكمات ورصاص .. ووصلت الى مرحلة صرت أحتقر فيها نفسي واحس بعقلي سخيفا وأنا أتابع فيلما امريكيا .. وخاصة تلك التي تصور بطولات خارقة تستخف بمن يشاهدها وتحتقر ذكاءه .. وتبارك له في غبائه وسذاجته ..
وظننت انني انتهيت من رؤية الافلام الامريكية والغربية .. ولكن شاءت الاقدار انني لاأزال اتابع الافلام الغربية ونفس الممثلين ولكن على شكل نشرات أخبار وتقارير .. فعندما أرى كيف يندفع المذيعون بحماس لشرح الحرب الاوكرانية ودوافعها السيكولوجية المنبعثة من شخصية بوتين المريضة المهووسة بالحرب واللامبالية بالضحايا … اعرف انني دخلت لمشاهدة نفس الفيلم الاميريكي حيث الاشرار دوما هم اعداء اميريكا .. وهم المنفصلون عن الواقع والسيكوباثيون ..نفس الكلام قيل عن قادة الصرب ونفس الكلام قيل عن صدام حسين والجيش العراقي .. وذات الكلام ونفس التعريفات تبرع بها نفس الاشخاص في تقديم الحرب على سورية والرئيس الاسد .. انها دوما قصة مساكين يقتلهم زعيم متوحش لايرحم .. وهم لايقتلون حتى الفراشات .. ولمن يريد ان يراجع نشرات الاخبار والتقارير منذ عشر سنوات يمكنه ان يلاحظ ان بوتين حل محل الرئيس الاسد .. الذي حل محل صدام حسين الذي حل محل ميلوزوفيتش الذي حل محل هتلر… ولكن نفس العبارات والاتهامات ونشرات الاخبار والبكاء والدموع .. والتماسيح والتمساحات ..
مايلفت النظر ان أهم مايجب ان يتصف به المذيع والصحفي الغربي عموما هو القدرة الفائقة على التمثيل .. ملامح الوجه تتلون وتتغير وتبدو حزينة وكسيرة ونغمة الصوت شجية وهي تتحدث عن معاناة الاطفال والمدنيين .. ثم تعلو النبرة وتتحول الى نبرة تحريض وهجوم عندما يلتقون مع من يمثل وجهة نظر الخصم .. الذي يحاول الممثل (أقصد الصحفي او الاعلامي) ان يبدو غاضبا معه وينفلت عليه .. ويسخر منه ويقاطعه ويقسم انه يكذب على الناس لأنه راى المذابح بعينه .. وتحس في اي لقاء ان المقصود هو تقديم عرض تمثيلي لاقناع الناس بالخبر .. فليست قراءة الاخبار هي الاعلام بل هو شحن الخبر بالمشاعر والغضب والفرح .. كما يفعل المشهد السينمائي تماما بالناس .. وعلمت من احد الأشخاص الذين يعملون في مؤسسات اعلام غربية انهم في بعض الازمات يستعينون بمخرجين سينمائيين لتقديم مشهد تعبيري او لتدريب المذيعين على كيفية قراءة الخبر او اجراء المقابلة .. وأحيانا في حالات خاصة يتم استعمال دموع صناعية لارغام المشاهد على المشاركة في البكاء .. مع ادراك عميق جدا من قبل الصحفي الغربي من أنه يكذب جدا وفي كل شيء .. ولكنها مهنته .. وهي التمثيل في أفلام نشرات الاخبار .. وهو لايحس بالندم اطلاقا لانه مقتنع انه موظف وانه يؤدي وظيفته التي وقع العقد لتقاضي اجوره كي يكذب وكي يقنع الناس بالخبر الكاذب عن طريق القدرة الفنية والتمثيلية الهائلة .. وقد انتقلت هذه الطريقة إلى موظفي الجزيرة والعربية الذين يكذبون ويفترون وهم يعلمون ذلك بحجة تبييض وجه المؤسسة التي تكافئهم على كل مشهد وكذبة..
هذا مشهد فاضح من المشاهد التمثيلية الذي تبرع فيه البي بي سي شقيقة السي ان ان .. والبي بي سي لمن لايعرف متخصصة في اجتياح العواطف بالتمثيل واطلاق الاسئلة العاطفية التي يتدرب موظفوها على اطلاقها على شكل محاكمة ضمير .. وهي متخصصة في الخداع .. هذه الموظفة تعرف انها تسأل سؤالا تعرف اجابته سلفا وتعرف ان الروس لايستهدفون المدنيين الاوكران .. ولكن صيغة السؤال تقدمه على شكل حقيقة حتمية تريد تفسيرا .. وهذه الموظفة التي تمثل انها تلح في الحصول على الجواب مثل قاضية تعرف ان الجيش البريطاني والاميريكي هو من اخترع قصة قتل المدنيين على شكل اذى جانبي للحرب .. وتعرف ان عدد المدنيين الذين يقتلهم الجيش البريطاني والاميريكي والاسرائيلي دوما يفوق قتلى العسكريين بمئات المرات .. ولكن قتل المدنيين في العقيدة العسكرية الغربية مفيد لأنه يشل قدرة المجتمع على القتال ويشل العسكريين عن القتال لانهم ينشغلون على ذويهم عندما تنتشر أصوات المجازر كما فعلوا في كل الحروب .. المدنيون هم الهدف دوما لأي نصر عسكري غربي .. ولم تنتصر اوروبة في اي معركة في القرن العشرين الا لأن المدنيين استهدفوا ..
المهم ان لافروف المحنك والذكي لفت نظرها الى ان تمثيليتها سخيفة وانها جزء من وظيفتها .. ووظيفة الاعلامي الغربي ليست الحقيقة بل طمس الحقيقة وتحويل التمثيلية الى حقيقة .. جواب مفحم .. ولمن يفهم عمق الجواب سيدرك ان هذه الممثلة كانت تستدر دموع المشاهدين عبر تمثيلية التأثر ومحاكمة القاتل .. ولكن كان جواب لافروف يمكن ان يترجم لها باللهجة الشامية الدارجة: روحي العبي غيرها ياشاطرة .. قديمة وبايخة ..
لم يمكن نكران ان الغرب استطاع استخدام سلاح الاعلام بجدارة و بفعالية لتجييش القطعان في كل مكان و زيادة معدلات هرمون الاستحمار لدى الكثير من شذاذ العقول و الآفاق .. اتفق مع السيد الكاتب ان هذه التمثيليات على وحشيتها و نفاقها و التي كانت تشعرني بالغيظ من هذا الكم من الكذب اصبحت تشعرني بالملل و بت اعرف كم عدد القتلى و ماهيتهم اذ هم دوما اطفال و نساء ..
ممثلو قناة الجزيرة يحاولون ذات الأسلوب..