آراء الكتاب: هل تنجح براءة الحكومات في القضاء على سورية (2) – بقلم: محمد العمر

اضطرب الاقتصاد الأوربي حين لوحت أمريكا بعصا العقوبات في وجه أوروبا و اضطرب ثاني اقتصاد عالمي حين فرضت “غوغل ” قيودا على ” هواوي ” .. و أمريكا حرمت فنزويلا صاحبة أكبر احتياطي نفطي عالمي من الاستفادة من نفطها .. في العراق و ليبيا المهزومتين عسكريا النفط و الثروات يديرها الغرب بينما الشعبان هناك منشغلان برفع شعارات الحربة و محاربة الفساد كما فصلتها لهم أمريكا .. شعارات ترفعها ضد بعضها مكونات بصبغتها طائفية و عشائرية و حتى ضمن المكون الواحد .. نوع من تقسيم المقسم و تقزيم القزم فن أبدع الغرب في خط لوحاته بأيدي العرب و المسلمين مظهرا ضآلة وجودهم و وضاعة آفاقه رغم جأرهم بأهداف لا يتسع لها العالم .. قائمة الدول التي أسقطتها العقوبات الأمريكية لا يمكن حصرها بحديث سريع و يكفي القول أن أمريكا تكفي وحدها لإفقار أي بلد و تكفي شركة واحدة من شركاتها لإحداث تخريب اقتصادي فيه و يرجع السبب إلى عبقرية الدولار المتغلغل في تفاصيل الاقتصاديات العالمية التي تخدمه و تتحرك وفق مزاجه .. ” قيصر ” كان البديل المنطقي الذي سيتابع مهمة العمليات العسكرية التي أخذت ملامح انحسارها تلوح في الأفق و تم تفعيله بعد سنتين من إشهاره حين هدأت كل الجبهات ليستكمل حلقات الحصار المطبقة لثمان سنوات .. لن نلوم أحدا من المسؤولين كيف فاتهم الحذر في التعامل مع الوضع الجديد آخذين بوهم النصر و اقتراب ساعة الصفر في إدلب بينما كان الحصار مضغتهم اليومية التي لم يعرفوا لها طعما ولا أثرا .. يذكرونه كلازمة تدرأ عنهم شبهة التقصير أو الخطو في مسارات تحددها أمريكا .. لن نلومهم لأنهم سايروا الحصار و لم يقاوموه لو بقراراتهم كما قاوم الوطنيون الرصاص و النار بصدورهم .. لن نلوهم لأن لومهم لم يعد مجديا و هو مضيعة للوقت بينما تمضي العقوبات و إجراءاتهم في الإجهاز على بقية الاقتصاد السوري بصيغته التي كانت مصممة على اسس مقاومة الضغوط و كانت أمانة تسلموها و لم يحافظوا عليها ..


تحت عناوين الحصار تم تفعيل نمط من الاقتصاد يقوم على المستوردات .. اقتصاد لا يخدم المواجهة بشئ بل يورثها الضعف و التبعية حين تم العمل على تحييد المنتجات المحلية بمنهجية لسهولة تعويضها بالاستيراد لتصبح المقاومة و إنجاز الأعمال البطولية مؤخرا متمثلة بتأمين هذه المادة أو تلك من قلب الحصار .. لا ينسى أي مسؤول تذكيرنا ليل نهار بتلك الإنجازات ..


في الحرب بما خلقته من ظروف و هيأته من مناخات تشكلت توليفة من الوصوليين ” أوليغارشية اقتصادية ” نمت كالفطر السام و أخذت تمتص ما تبقى للاقتصاد من نسغ .. توليفة مجتمعة دون اتفاق و متفقة مصالحها دون اتحاد و على قدر من النفوذ ما يمكنها من خلق ما يلائمها من ظروف في السوق و قرارات تمكنها من الاستمرار و النمو .. دعم المستوردين لسلع معينة لم يقتصر على تمويل الخزينة بل سهل لهم تصريف مستورداتهم ” بسرعة و عالمضمون ” فكانت تبتكر قروض دون فوائد للشراء من السورية للتجارة ” مغارتهم الرسمية الحصينة ” و كانت تحدد المواد الممكن شراؤها تحديدا هو أقرب للفرض منه للاختيار مستغلة مواسم الحاجة كالقرطاسية و المونة و قروض شراء الأجهزة الكهربائية .. و ليس بعيد عنا قرض الطاقة الشمسية الذي أمر مجلس الشعب الموقر أن يعقد لأجله جلسة سريعة أقره خلالها دون نقاش جدي يذكر .. حتى الآن لم نسمع بقروض تدعم المشاريع الانتاجية بآليات مجدية كتخفيض معدلات الفوائد ” الإجراء البديهي الذي لا يتطلب خبرات كونية ” ليساهم في طرح منتج منخفض التكلفة و ييسر عمليات البيع و الشراء و ينشط العملة .. و من مظاهر دعم المستوردين لمواد معينة الملفتة للنظر مواكبة السورية للتجارة لارتفاع سعر الصرف .. حيث ينسى الوزبر ماصرح به عن توفر السكر مثلا لمدة سنة فإذا ارتفع سعر الصرف اختفى السكر من السوق فجأة و ارتفع سعره لضعفين أو ثلاثة أضعاف ثم يظهر الوزير فجأة أيضا ليشرح ظروف ارتفاع السعر العالمي للسكر و ارتفاع أجور الشحن .. ثم يعلن عن تدخل إيجابي لأجل المواطن و تتوفر المادة بسعر جديد أقل من سعر السوق بهامش بسيط و يحصل المستورد و السورية على ريح مضاعف رسمي و حلال .. هتاك قائمة طويلة بمنتجات سورية أصيلة تمت تنحيتها عن المشهد الاقتصادي لصالح نظيراتها و عدواتها من المستوردات و هناك توجه قائم لتحويل سورية من بلد منتج إلى بلد مستهلك و يستهلك حصرا مما يستورد .. نهاية طريق الاستيراد مزيد من الضعف في مدخرات الخزينة و عجز و اضطرار للاقتراض و هذا ما تدفع إليه سورية دفعا و في النهاية لن يكون لبلد مقترض قرار حر ..
قصة قصيرة ..


عام ١٩٢١ صحفي أمريكي كان في مهمة لجمع مواد حول روسيا زار مشاعة في منطقة الفولغا ضربها الجوع و كان الموت ما يزال مستمرا حاصدا من تبقى على قيد الحياة من دون أمل في نجاة أحياء .. كان في الحقل جندي يحرس أكياسا ضخمة ملأى بالحبوب .. سأل الصحفي رئيس المشاعة و كان رجلا مسنا لماذا لا يجرد الناس هذا الحارس من السلاح و يأخذون الحبوب لسد رمق الجوعى ؟ فأجابه العجوز بوقار إن الأكياس تحتوي على حبوب تحتاجها المشاعة كبذار لزراعة الأرض في العام المقبل .. ” نحن لا نسرق من المستقبل ” قال العجوز

هذا المنشور نشر في المقالات. حفظ الرابط الثابت.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s