من أخلاق اللصوص هي انهم يحبون الليل ليس لأنه رومانسي بل لأنه يخفي وجوههم .. وهم يحبون الحرائق لأن انشغال الناس في اطفائها يمنحهم فرصة للسرقة من البيوت التي خرج أصحابها لاطفاء النار في الحي .. وهذه هي حال الأمم التي تعيش اللصوصية والقرصنة في أعماق ثقافاتها .. كل أزمة دولية وحريق يشغل الامم يعني انه فرصة للسرقة .. مثل اللصوص الاوربيين والامريكيين ولصوص بني اسرائيل ولصوص بني عثمان .. كل سرقاتهم كانت عبر اشغال الأمم بالحرائق ليخلو الجو للصوص كي يسرقوا بهدوء ..
ليس لدي شك أن كل السياسة التركية الان مشغولة بقضية واحدة وهي سرقة الشمال السوري وضمه الى تركيا واعادة سيناريو لواء اسكندرون السوري السليب في ادلب وشمال سورية .. والتحركات التركية واضحة جدا في تبريد الشمال السوري الى نقطة الجليد السياسي فيما تقوم بتغييرات ديموغرافية وثقافية وتربوية على الارض بشكل ممنهج .. ولكن ماهو واضح هو ان السياسة التركية تقوم على تجنيد كل الظروف والازمات الدولية من أجل هذه الغاية .. حيث ان الاستحواذ على الشمال السوري سيكون أهم انجاز للعثمانيين الجدد .. فمنذ حركة كمال أتاتورك في سرقة لواء اسكندرون في لحظة دولية حاسمة وحرجة لم تفلح السياسة التركية في اقتناص اي فرصة دولية لنهش جزء آخر من اللحم السوري .. فكما هو معروف فان لواء اسكندرون تم الاستيلاء عليه في لحظة كان القرار السوري مصادرا من جهة السلطة الفرنسية المحتلة والمنتدبة .. وفي لحظة كانت فرنسا في امس الحاجة لمقايضة مسروقاتها من أجل الاستعداد لمواجهة ألمانيا .. فمد الفرنسي يده الى جيبه واخرج ماسرق من المستعمرات وناول اللص التركي قطعة لواء اسكندرون بديلا عن موقفه المحايد في الحرب العالمية .. أي ان اللص الجديد أعاد للص القديم قطعة من المسروقات التي سرقها قبله .. وكان الامر انه اتفاق بين لصين وقرصانين .. وساعدت الظروف الدولية واعلان قيام الكيان الاسرائيلي عام 1948 في جذب كل الجهد السوري نحو كارثة أخطر .. لأن سورية يوم استقلالها خسرت لبنان وفي غضون سنتين وفيما هي تلعق جراح السلخ للواء والبتر مع لبنان فوجئت ان فلسطين وهي جزء أخر من سورية تم بيعه في سوق النخاسة الاممية لليهود .. ولم يدر السوريون الناهضون من تحت احتلالين متواليين عثماني وفرنسي كيف تتصرف امتهم ازاء هذه المحن المتلاحقة .. وربما رأى السوريون في ذلك الزمان ان الخطر الصهيوني هو الأخطر وهو مايجب التركيز عليه على اساس ان المشروع الصهيوني يقوم على اقتلاع الناس وسرقة الارض فيما الاحتلال التركي للواء يقوم على سرقة الأرض والناس دون تهجيرهم ..
المهم ان لحظة تاريخية حاسمة هي التي ألقت لواء اسكندرون في السلة التركية .. اللص التركي حمل سلته وهرب بها وتوارى خلف العقود مستفيدا دوما من أن اسرائيل في الجنوب تشاغلنا وتمنعنا من ملاحقته ..

اللحظة التاريخية اليوم تتكرر في الشمال السوري .. وأتاتورك اليوم هو أتاتورك الامس سواء كان اسلاميا عثمانيا او جمهوريا علمانيا … فالامم تتوارى خلف أقنعة ورموز واشكال .. لكن جوهرها لايتغير .. فلافرق بين أتاتورك وبين أردوغان .. ولافرق بين محمد الفاتح وبين تيودر هرتزل .. فكلاهما سرق وطنا للآخرين .. فمحمد الفاتح سرق القسطنطينية وجعلها عاصمته .. وتيودور هرتزل سرق فلسطين والقدس وجعلها عاصمته .. ولافرق بين أتراك عام 1493 وبين أتراك عام 1939 واتراك اليوم .. والاتراك يرون السوريين اليوم مشتتين بين جهود قسد للانفصال وخسارة الشرق السوري الغني .. وبين اعتداءات اسرائيلية متكررة تشاغلنا عنهم .. وانشغال روسي باوكرانيا .. وتلهف امريكي لتقسيم سورية ..
يرى الاتراك اليوم وعلى رأسهم أردوغان أن اللحظة التاريخية الحاسمة قد وصلت الان .. فالشمال السوري بيده ويد عصاباته الاسلامية .. والحرب الاوكرانية أعطته فرصة الوساطة ولعب دور الرجل الطيب بين المتحاربين وكأنه يسدي معروفا للروس .. وهو يبيت لهم طلبا عزيزا على قلبه وهو ان يتركوا له ادلب والشمال السوري مقابل خدمات وتسهيلات في المضائق والاجواء .. وفي نفس الوقت فان الناتو يحتاجه أيضا من أجل ملاعبة الروس في المضائق والاجواء ولكنهم يريدونه أن لايعترض على مشروع انضمام فنلندة والسويد الى الناتو ..وربما مشاركة ضمنية في القتال ضد الروس عبر طرق مقنعة ومتنكرة.. ومن جديد يريد اللص أن يسرق الشمال السوري ويحصل على تفويض الناتو بالسرقة .. مثله مثل الاسرائيليين الذين أخذوا ملكية القدس بتوقيع من ترامب وكأنه يملكها .. واردوغان لص مثل أي اسرائيلي يريد ادلب على غرار القدس لاسرائيل .. بتوقيع من جو بادين .. وتصبح ادلب جزءا من ممتلكات تركيا او على الاقل مفوضة باسم الناتو برعايتها .. وتركيا عضو في الناتو وبذلك يصبح اي اعتداء على ادلب لتحريرها اعتداء على الناتو ..
ولكن أين تكمن معضلة أتاتورك الاسلامي؟
الحلم التركي باعادة السلخ لن يكون بهذه السهولة لأن ثمن قبوله بانضمام فنلندة والسويد مقابل اهدائه الشمال السوري يعني باختصار انه يتقدم بخطوة عدواني اضافية من الروس الذين يعرفون ان عدم اعتراضه ليس خطوة في صالحهم على الاطلاق .. وهم يعرفون ان الثمن الذي سيحصل عليه في ادلب كان من أجل الحاق الاهانة بهم واضعافهم واحراجهم .. ولذلك فان الثمن الذي يريد ابتلاعه يجب ان يتقيأه بقسوة .. وادلب التي تغاضوا عنه فيها مؤقتا يجب ان تكون المكان الذي يؤلمه كثمن لهذه اللعبة التركية الجديدة القذرة .. وهم يعلمون ان ادلب والشمال السوري خزان بشري لمقاتلين اسلاميين سيواجهونهم ان عاجلا او آجلا في أي معركة مع الناتو .. لأن هذا الخزان القاعدي هو مماثل للخزان القاعدي في أفغانستان والذي كان فرقة امريكية تقاتل السوفييت اسمها الفرقة الاسلامية .. وهي اليوم انتقلت الى ادلب .. وستقاتل الروس عندما يتقرر اعلان مواجهة مع الروس .. وسيلبي اردوغان طلب الناتو بنقلهم الى اي نقطة قتال للناتو ضد روسيا ..
والأهم من كل ذلك ان السوريين اليوم هم من سيقرر في أي مكان سيركزون الضغط .. دون انتظار أحد .. فالارض المسروقة سورية .. ويجب ان يكون القرار سوريا .. وهذا قرار ليس للحلفاء بل للسوريين فقط ان يقرروه .. خاصة ان لعبة الوقت ليست في صالح حرية الشمال السوري .. ومن المفيد ارسال رسائل في منتهى العنف والقسوة الى أردوغان قبل ان يغرق في توهماته وأحلامه ويظن ان الهدوء في ادلب يعني ان الفرصة الاتاتوركية يمكن ان تعيد نفسها في ادلب ..
هذه مسؤولية الشعب السوري والجيش السوري والقيادة السورية التي تدرك هذه المعادلة الخبيثة .. ولن تكرر خطيئة لواء اسكندرون في لحظة دولية تائهة .. اللواء الذي لم نتخل عنه هو أسير مثله مثل فلسطين .. وكما نحن نؤمن ان فلسطين ستعود وان الاقدام الهمجية سترحل .. فان اللواء سيعود وسترحل عنه الاقدام الهمجية .. ولكن يبدو أنه لامناص من مواجهة تركية سورية مهما طال الزمن على الارض السورية .. فكما اننا في لحظة دولية حاسمة فان تركيا نفسها في لحظة دولية وداخلية واقتصادية حاسمة لاتحتمل اي رجة .. وحيادها مع روسيا هش جدا وسيسقط بسرعة .. واي حرب او معركة او خلط أوراق سيجعل كل مافعله أتاتورك العصملي خطيئة من خطاياه الكثيرة ..
ان سورية يجب ان تكون بلد خطايا الآخرين .. خطيئة صليبية وخطيئة عثمانية وخطيئة فرنسية وخطئية صهيونية وخطيئة تركية وخطيئة امريكية وخطيئة اخوانية وخطيئة كردية .. ان كثرة الخاطئين يعني ان هذه الارض قدرها ان تعاقب الخاطئين مهما دفعت من ثمن .. وقدرها ان تكون مدرسة يأتي اليها كل الآثمين .. يأتون ويتعلمون فيها الدروس بالعصا على أجسادهم وعلى قلوبهم .. وبالحديد والنار .. كل الخطايا لاتمحى الا بالنار .. النار فقط النار ..