لو شققنا صدر الهدوء لكانت في قلبه العاصفة .. ولكان دمه الاعصار .. ولو شرحنا جسد العاصفة لوجدنا ان قلبها الهدوء .. وان دمها الانتظار .. ولذلك فان على من يصهر معدن العاصفة ان يعلم انه مكون من معادن الهدوء وعليه ان يجمع قطعها من الهدوء ويزرع في قلبها الوعود .. وان يحقن دمها بالانتظار .. وفي كل حرب كان التردد والانتظار والهدوء هو حصان طروادة المميت .. فانتظر هانيبعل على ضفاف روما سنوات ولم يدخلها حتى استردت أنفاسها وسلبته أعز نصر .. وكادت فتنة المسلمين تموت لولا ان أنقذتها المصاحف على الرماح في لحظة حاسمة كان يجب ألا يكون هناك الا غالب ومغلوب .. فشربت السيوف من دم الهدوء رغم ان المصاحف على الرماح في تلك اللحظة كانت تغزل قلب العاصفة .. تلك العاصفة التي انطلقت تعوي من قلب تلك اللحظة ولم تتوقف حتى الان .. فلولا هدنة المصاحف لربما ماتت الفتنة .. ولولا تلك الهدأة لتغير التاريخ الاسلامي كله .. وتاريخ العالم .. فكي تصنع العاصفة عليك ان تبدع في رسم الهدوء .. لأنه دم الاعصار .. وقلب العاصفة ..
ولو عاد بنا الزمن الى بداية الصراع مع الغرب لوجدنا ان بضاعته التي يقتلنا بها في الجولة الاخيرة ليست السلاح المتفوق بل هي الهدوء .. وان السم الذي يسقينا اياه هو الانتظار .. منذ ثورة القسام التي شربت من الوعود وأكلت من طبق التهدئة العربية .. فضعف قلبها وذبل .. والى هذا اليوم لايزال العربي يضيع النصر تلو النصر عندما يشرب من كأس الانتظار .. بل حتى في حرب تشرين اكتوبر اختار السادات ان يشرب من كأس الانتظار حتى الثمالة لمدة اثني عشر يوما على الضفة الشرقية للقناة كانت كافية لتنقذ اسرائيل من المفاجأة الصاعقة ومن صدمة الخوف والرعب وكي تصل الجسور الجوية الامريكية ويتم تثبيت الاندفاعة السورية في الشمال .. فكانت عاصفة الدفرسوار ثمنا لهدوء مابعد العبور ..
ان سياسة تبريد الملفات او التهدئة او باالحرى رفع المصاحف على الرماح هي السياسة الغربية المراوغة .. في كل مفصل حساس وبالغ الاهمية يرفع الغرب المصاحف ويحقن العاصفة التي تحملنا بالهدوء ..
أطلق الغرب العاصفة علينا منذ سقوط بغداد .. تلتها عاصفة الحريري .. ثم عاصفة الربيع العربي .. وبين العاصفة والعاصفة كان هناك هدوء .. ولكن الهدوء كان من صناعة نفس الغرب الذي صنع العاصفة .. كان الهدوء ديبلوماسية العاصفة .. وكأن الهدوء هو قطعة من قطع الغيار لشحن العاصفة .. وكان من غير الملائم ان نتعامل مع الهدوء على انه من صناعتنا وانه في صالحنا وأننا لجمنا العاصفة .. فالعاصفة التي نضع لها لجاما لاتعني اننا روضناها .. فاللجام لايعني الا ضبط سلوك الرياح والجماح ولكن حوافر العاصفة كانت لاتزال تضربنا على أقدامنا وعلى وجوهنا ..

منذ 3 سنوات والمشروع الغربي يحقننا بالتهدئة ويصنع التهدئة .. ولكنه كان يصنع من التهدئة جسم العاصفة .. وعندما سحقت داعش والنصرة صنع الاميريكيون باستماتة تهدئة ادلب والشمال .. وكانت مهمة اردوغان – جندي الناتو الامين – هي فقط رفع المصاحف في وجوهنا على أسنة الرماح وفي اقناع الروس في ان ادلب يجب ان تحل سياسيا .. وانه ضامن للحل السياسي ..
ولكن في فترة الهدوء نسف ميناء بيروت ونسفت بنوك لبنان وأفلست جيوب السوريين .. وفي فترة الهدوء سرقت المحاصيل الاستراتيجية وسرق الخبز وسرق الوقود .. ان سرقة الخبز وسرقة الوقود وسرقة البنوك ليست هدوءا بل كانت من مكونات العاصفة الرئيسية ومحركات للعاصفة القادمة .. وبالطبع لم يكن الاميريكيون في فترات الهدوء يشربون القهوة بل كانوا يعملون بجد على خلخلة الاقتصاد والليرة والتماسك الاجتماعي والتلاعب بمزاج الناس وشراء الانتخابات في العراق ولبنان وتحريك اوكرانيا بكل قوة لتشتيت انتباه روسيا الحليفة .. وكل هذا في الحقيقة كان من الخطأ ان يسمى هدوءا وان نسترسل في وصفه بالهدوء .. فالهدوء في البنادق وتوقف هدير الدبابات لايعني ان العاصفة هدأت .. وكان من الضروري ان كل عمل عدواني غير عسكري ان يقابل بعمل مقابل ومعاكس له من نوعه او ان يقابله عمل عسكري اذا لم يكن متاحا لدينا عمل معاكس من نفس النوع والسلالة .. فنحن لانقدر على رد الصاع للدولار بالدولار ولا على سرقة القمح السوري بسرقة القمح الامريكي .. وعلى سرقة النفط السوري بسرقة النفط الامريكي .. ولكن مقابل كل عمل غير عسكري كان علينا ان نرد بعمل يجعل السرقة وافلاس البنوك وتدمير المرافئ له ثمن عسكري باهظ من أرواح الجاثمين على أرضنا .. فلايهم البحث عمن سرق بنوك لبنان ولا من دمر ميناء بيروت .. بل كان علينا توجيه الاتهام علنا لاسرائيل ومن غير الاغراق في البحث عن دليل .. لأن من فعل ذلك هم الاميريكيون والاسرائيليون عبر وكلائهم .. و كل انسان عاقل على هذا الكوكب لايشك ابدا ان افلاس بنوك بيروت كان بسبب سوء ادارة حاكمه المكلف بهذه المهمة امريكيا .. ولا ان تدمير الميناء كان بسبب اهمال ادارته بل بايعاز أمريكي بالاهمال .. لأن ماحدث في فترة التهدئة والانتظار يشبه مايسمى بالثورة السورية والربيع العربي الذي لايزال البعض يعتقد انه بسبب حريق البوعزيزي وبسبب الاحتقان الشعبي العربي الذي فجر الشارع .. وليس العمل الاعلامي والتحريضي وبناء المحطات الفضائية التي كانت ترش البنزين في طرقات المدن العربية وتنثر البارود بدل السماد في الحقول وترش المنازل بالكيروسين وتحقن الرؤوس بغاز الميتان .. وكانت اي شرارة ستشعل العالم العربي ويقف الغرب يراقب مثل نيرون الذي أحرق روما ووقف على شرفة قصره يعزف على القيثارة منتشيا … فكل ماحدث من هدوء كان حربا هادئة وباردة تلتها الحرب الساخنة ..
لانزال نبحث عن الهدوء بعد العاصفة .. ولكن عدونا لم يعد يبحث عنه ولايعنيه بل انه صنع من الهدوء عدة للعاصفة ودما لها وغزل من أعصاب الهدوء أجنحة للأعاصير ..
لبنان الذي يتحضر لمرحلة شامير جعجع هو نتيجة الهدوء الذي لم نغيره بالقوة في لحظة انتصارنا .. والعراق الذي يتحضر لمراحل القتال الشيعي الشيعي هو من نتيجة الهدوء والانتظار .. وادلب التي تتمرد من جديد وتغوي السلطان بالتمدد كانت من نتيجة الهدوء الذي صنعه الاميريكيون والاتراك .. والاكراد الانفصاليون واستنثاؤهم من عقوبات قيصر ووصول شركات الاستثمار الغربية ولافارج كان من نتيجة الهدوء ..
أما آن لنا ان نكسر هذا الهدوء؟؟ وان لانكترث بمصاحف بني عثمان ومصاحف الديبلوماسية الامريكية في وجهنا على أسنة الرماح؟؟
ان عودة اردوغان للحضن السعودي وعودة بن سلمان للحضن التركي هي من لزوميات صناعة العاصفة التي صرنا نراها ونرى شعرها الغجري المجنون .. وعودة اسرائيل الى تركيا وتركيا الى اسرائيل هي من ثمرات الهدوء الذي لم نكسره حرصا على الهدوء .. وعلى من يتعامل مع العواصف ان يدرك ان الدولار لايقهر الا بقذيفة على الجبهات وأن اردوغان وبن سلمان لن يختلفا الا اذا تحركت الدبابات الى ادلب .. وان شامير جعجع لن يتوقف عن مشروع الحرب الاهلية الا اذا كسر رأس اسرائيل أمام عينه .. فبعد عام 2006 كان كل الخونة والعملاء والوكلاء في المنطقة يرتجفون مثل الارانب والفئران الخائفة لأن كلب اميريكا الاسرائيلي الضخم قد كسرت أنيابه وكان عواؤه من الالم والرعب يملأ الشرق الاوسط .. يومها تعلم شامير جعجع ووليد جنبلاط وتعلمت السعودية ماذا يعني ان يخرس الانسان ولو على رقبته حذاء .. وأن يلتزم الهدوء ..
العاصفة خلعت ثوب النوم وأجفان الهدوء .. وصرنا نراها في لقاءات اردوفان وبينيت وفي زيارة اوغلو لاسرائيل للتنسيق .. وفي المصالحة المفروضة امريكيا على السعودية وتركيا ..
هذه دعوة صريحة لنسف الهدوء .. واستعمال مالدينا من أدوات تفكيك الهدوء وحظره وملاحقته .. والاستفادة من افراغ الروس للمنطقة الجنوبية وترك اسرائيل وجها لوجه مع محور المقاومة .. ويحب الترحيب بتحرك اردوغان نحو التمدد في الشمال واعتباره فرصة لاخراجه للمواجهة عل مغامرته تكلفه غاليا خاصة ان هذه التحركات هي ايضا املاءات امريكية لدفعه دفعا لمواجهة مع الروس الذين لايحسون بالراحة لتمدده لأنه تمدد للناتو وليس لتركيا ..
طالما اننا لانملك أدوات الهدوء الامريكية من الدولار والسرقة والبلطجة .. وطالما ان الهدوء بضاعة فاسدة لم تعد تفيدنا أيضا .. فلم لانستعمل دواء الهدوء الذي معنا وهو رخيص جدا وغير مكلف بالقياس الى مايكلفه بقاء الهدوء ريثما تصل العاصفة .. انه الرصاص وحسب ..
لم يفت الوقت .. بل انه التوقيت الحاسم لاطلاق الرصاصة المناسبة في المكان المناسب والتوقيت المناسب .. ولاسقاط خدعة المصاحف الامريكية على أسنة رماح الهدوء والانتظار ..

بوركت وقد وفيت وشفيت لكن هل هناك من يسمع ويعقل؟
ربما