في أوكرانيا .. تمثال الحرية المنهك .. وروسيا الصاعدة

من انخلع قلبه في المعركة فانه لن ينتصر ولو سقيته من نهر الخلود كي لايموت .. وسر الخلود ليس جرعة ماء من نهر اسطوري او غمسا للجسد في ماء الخلود .. بل قلب شجاع وجأش مربوط .. ومن ثبت قلبه فانه لاتخلعه حتى قنبلة نووية .. وربما كان السؤال في الحروب هو كيف نخلع قلب الخصم قبل ان نخلع سلاحه؟؟ فماذا ينفع السلاح بيد مقاتل اهتز قلبه ويقينه وثقته بنفسه؟
في كل معارك الغرب يتم التركيز على قلب الخصم وعقله وليس على سلاحه .. انها عملية تجريد السلاح من القلوب القوية وليس تجريد المقاتلين من سلاحهم .. وهذا ماكان في منتهى الوضوح من لعبة اسقاط بغداد التي اعتمدت على عملية صغيرة فتحت ممرا الى قلب العاصمة وأسقطت التمثال فانخلعت قلوب الجنود والضباط والوطنيين العراقيين فبدأت موجة هروب ومن ساحات المعركة بعد ان خلعت اميريكا قلوب الناس الذين أحسوا ان المعركة انتهت وان ماسقط في ساحة الفردوس ليس تمثال الرئيس العراقي بل انه الرئيس العراقي نفسه والجيش العراقي .. وبالفعل انتهت المعركة في ساحة الفردوس .. وتوالى استسلام الجنرالات .. وعاد الجنود الى بيوتهم من غير اسلحتهم لأن المعركة انتهت في قلوبهم وعقولهم ..


وحاول الغرب تطبيق النظرية في الحرب السورية فكانت هناك مشاهد الذبح والاعدامات والقسوة واللارحمة والفظائع لاقناع الجنود والضباط السوريين ان خصمهم في منتهى القوة والقسوة وانه لايرحم ومن الافضل لهم الفرار من المعركة .. وكلنا يذكر حكاية الغواصة الروسية التي وضعها الاعلام الغربي في مياه طرطوس على انها تستعد لايواء الرئيس بشار الاسد وانقاذه قبل فوات الاوان .. فيما كان الرئيس الأسد يتجول على حدود جوبر وعلى بعد امتار من جيش الاسلام ..


اليوم يقود الاعلام الغربي حملة تضليل ضد روسيا ومن يتابع الاخبار الغربية عن المعارك يدهش ويظن ان الجيش الروسي قد تمت ابادته وانه اختفى .. ووصل الامر ان الاعلام الغربي قد بالغ في عدد الدبابات الروسية التي تم تدميرها في اوكرانيا الى الحد الذي اضطر الروس الى الاستعانهة بدبابات منقرضة من المخازن القديمة والمتاحف لأنه يعاني من نقص شديد في الدبابات بعد ان تم تدميرها بصواريخ جافلين .. وتعرض عشرات الصور التي تصور جثث الدبابات الروسية ولكن يتبين ان كثيرا من الصور ليست من اوكرانيا بل هي تجميع ومونتاج لصور دبابات في مناطق اخرى من العالم .. وهناك صور لهياكل دبابات صدئة وينبت تحتها العشب الاخضر مما يدل على انها مهجورة منذ سنوات .. وبعضها يتم تصويره من زوايا مختلفة لتبدو مختلفة وبعضها دبابات اوكرانية محترقة ..


ان من يريد تقييم الحرب العسكرية يمكنه ان ينظر الى نتائج الحرب الاقتصادية بين روسيا التي كان السياسيون الغربيون يسخرون من ضآلة الاقتصاد الروسي ويقولون انه بالكاد يساوي حجم الاقتصاد الايطالي .. وأنه سينهار بمجرد ان تطلق عليه هبة عقوبات وحزمة تأديب امريكية .. واذ بنا نكتشف ان الروبل قوي جدا ومتماسك جدا وان الدولار هو الذي هوى مقابل الروبل .. بل اننا فجأة اكتشفنا ان هذا الاقتصاد الروسي الذي يثير سخرية الاقتصاديين الغربيين جعل اقتصاد العالم كله يقف على رجل ونصف .. وتبين ان روسيا تمسك بانتاج أهم المواد الاساسية لانسياب الاقتصاد العالمي والانتاج العالمي بسهولة .. وفجأة تذكر العالم ان روسيا تمسك بمخزون القمح العالمي ومخزون الاسمدة ومنتجات الزراعة واليورانيوم والنفط والغاز وعشرات المواد والصناعات الرئيسية .. وانها قادرة على حصار اوروبا بالغاز فقط لتبدأ رحلة التضخم الخطير في اوروبة وتآكل النمو الاقتصادي والصناعات الرئيسية .. وعرفنا اليوم ان الدولارات لاتساوي شيئا امام القمح .. وكل ارصدة الشركات الامريكية الوهمية من الورق الاخضر بالتريليونات لاتقدر ان تعوض الغاز الروسي والقمح الروسي .. ويقف العالم مثل رجل على جزيرة لديه كنز ضخم من المجوهرات والذهب ولكنه لايجد مايأكله ولاتوجد شربة ماء لتروي ظمأه ..
الروس من الواضح انهم أخذوا في المرحلة الاولى من العملية العسكرية مايريدونه .. ومن الواضح ان الاستعانة الغربية بهنري كيسنجر هي للتمهيد للمقايضات .. فعندما يقول كيسنجر ان على الغرب ألا يحاول كسر روسيا فليس لأن كسرها سهل بل لأن الغرب يطلق رسالة تفاوض عبر اهم صندوق بريد هو فم هنري كيسنجر .. الذي سيتردد صداه في التحركات والمبادرات الغربية التي تدرك اليوم ان لاشيء سيوقف روسيا في اوكرانيا .. وان الوهم الذي يباع في صور عتيقة لدبابات صدئة لايغير من الحقيقة شيئا .. وهي ان روسيا خرجت من صدمة السقوط السوفييتي .. ولم يعد بالامكان ان يمنعها احد على هذا الكوكب من أن تكون روسيا هي روسيا القوة التي لاتقهر ..


الحرب الاوكرانية فعلا هي حرب تشكيل نظام عالمي جديد .. ولذلك نجد اميريكا متوترة جدا ومهووسة بخلط أوراق الدنيا لأنها ترفض أن تنزل عن الكرسي وترفض ان تتخلى عن لقبها كزعيمة العالم الوحيدة .. ولذلك فانها تبحث عن تشتيت التمحور حول روسيا فهي تريد ان تشاغل الصين في تايوان لابتزازها ولابعادها عن التنسيق مع روسيا .. وهي تستفز ايران كي تتوقف المفاوضات النووية لأن ايران هي محور مهم جدا لروسيا في الشرق الاوسط .. وفوق كل هذا فانها تريد تحريك الجبهات في سورية لارباك الروس وتشتيت جهودهم وتفكيك تحالفاتهم .. لان المعارك في سورية سترغم روسيا على اعادة النظر في استراتيجي تها مع تركيا واسرائيل لأنها ستجد نفسها مضطرة للوقوف في وجه الاتراك والاسرائيليين ..


غالب الظن ان حرب اوكرانيا ستجعل الروس احدى أهم القوى العالمية الراهنة .. وسيبدو واضحا ان الصدأ ليس على صور الدبابات الروسية المدمرة بل انه على هيبة اميريكا وسمعتها وقبضتها .. الصدأ الحقيقي والنخر هو في تمثال الحرية الذي يتآكل شكلا وروحا ومضمونا . فلم يبق في الحرية شيء تصنعه اميريكا أو تقدمه للعالم ..

دبابات صدئة قديمة

هذا المنشور نشر في المقالات. حفظ الرابط الثابت.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s