أريد لمرة في العمر ألا أقرأ أدبا عالميا .. كي اقرأ أدب نفسي العميقة ومشاعر تصنعها روحي أنا .. لست مضطرا كي أستعير مشاعر أي أديب ولا قلق اي روائي .. فربما لاأستطيع أن أخبز خبزا كما الخبازون ولا أن أحيك ثوبا ولا أن أخترع عطرا ولا أن أشرّح الذرة والالكترون .. ولكني أملك كل مناجم نفسي .. وأعرف كل مافيها من مشاعر .. ولذلك فانني عندما رأيت مسيرة الاعلام الاسرائيلية في القدس لم ألجأ الى أي أديب عالمي ولم أستورد مشاعر أحد .. ففي حالات التألم لاتحتاج الا ان تتحدث نفسك عن نفسك .. وفي يوم مسيرة الاعلام الاسرائيلية ما عليك كي تفهمها سوى أن لاتتخيل نفسك تعيش في القدس وتمر بك الاعلام الاسرائيلية .. بل عليك ان ان تتخيل انك في بيتك أينما كان في هذا العالم العربي والاسلامي الذي يتآكل ..
تخيل انك وانت في بيتك الآن وتطل من شباكك في اي مكان .. في دمشق او القاهرة او الرباط او الرياض أو أو أو .. وانت ترى هذه المسيرة من الاعلام تمر تحت نافذتك وشرفتك .. أعلام كثيرة لعدوك وعدو أبيك وجدك كجسد ثعبان أبيض مرقط بالازرق .. تتحداك وتمر بجسدها الاملس على روحك وتلتف حول عمود قلبك ووردة عمرك ..

هذه المسيرة لم تكن في القدس بل انها مرت في كل الشوارع العربية .. مرت في شوارع القاهرة وحاراتها العتيقة وفي خان الخليلي وشارع محمد علي .. ومرت في شوارع بغداد وشارع المتنبي ومن ساحة الفردوس .. ومرت من سوق الحميدية وعبرت الجامع الاموي .. ومرت من شوارع مكة ومشت على البقعة التي صلى فيها النبي .. ومرت من قلب بيت عمر ومن حجرة عائشة .. والشعوب العربية محدقة في تلفوناتها على تك توك ورسائل الواتس ومهازل اليوتيوب .. الاعلام مرت على أعتاب البيوت العربية في كل العواصم .. والشعوب العربية مشغولة بمتابعة تفسير الاحلام وفي احصاء الحسنات والاجر من صلوات ملايين المسلمين .. مسيرة الاعلام دخلت الى غرفنا وداست على اسرتنا .. وعلى وسائدنا .. وتابعت متجهة نحو القدس ..

انني أتخيل نفسي أعيش في القدس وأرى ان الاسرائيليين يحملون أعلامهم ويمرون في الشارع الذي أقيم فيه وأشتري الخبز فيه وأمشي مع حبيبتي على أرصفته .. ماهي مشاعري .. وأنا اطل من شرفة بيتي واراهم يمرون على جسد حبيبتي كجيش من الثعابين الزرقاء ويحدقون بي وأرى في عيونهم زعماء العرب والتطبيع .. ان تلك الأعلام انطلقت من استانبول ومن دبي والرياض والقاهرة والرباط وعمان .. من حيث يطبع العرب .. وأتخيل نزار قباني الذي كان يقرأ في عيون حبيبته ويقول مؤكدا لها انه لم يخبر أحدا بحبه لها .. يقول انه عنها لم يخبرهم ولكنهم لمحوها تغتسل في أحداقه .. كأني به اليوم يرى في أحداقه الاسرائيليين يتعانقون مع رجب طيب اردوغان الذي يصافحهم وهو يتمدد شمال سوريا وهو يمسك الجيش السوري ويشاغله بعيدا عنهم .. نزار يرى الاسرائيليين وهم يغتسلون في شوارع ابو ظبي ويستحمون ويستجمون تحت برج خليفة .. ويتنزهون في شوارع الرياض وجدة .. ربما لايريد ان نرى أحداقه الغاضبة اليوم وهي تعكس منظر الاسرائيليين يسيرون في شوارع القاهرة ويعزفون تحت الاهرامات سيمفونيات توراتية ..

مسيرة الاعلام الاسرائيلية او مسيرة الثعابين الزرقاء مرت على أعلام العرب كلها وداستها .. ومرت على شنبات الزعماء العرب وداستها .. ومرت على رؤوس مليار ونصف مسلم .. ومرت على اعلام الاسلاميين كلها بما فيها التي تزدحم فيها شعارات لااله الا الله محمد رسول الله .. وداستها جميعا ..
الثعابين لاتخرج من جحورها في الشتاء .. بل تخرج في الربيع .. وفي ربيع العرب خرجت ثعابينهم وثعابيننا .. الثعابين الزرقاء لم تكن لتجرؤ على المشي والتدفق في شوارع القدس التي هي قلب العالم العربي لولا انها خرجت في فصل الربيع الاسرائيلي الذي يسمى زورا الربيع العربي .. وكلما ارتفعت رايات لااله الا الله كثرت الثعابين الزرقاء .. لأن من يرفع رايات لااله الا الله هم ثعابين تركيا والاخوان المسلمين والسعودية والخليج المحتل .. انه عالم الثعابين وربيع الثعابين ..

ولكن من قلب روحي وأعماق نفسي أعرف أنه من نفس تلك الشوارع المقدسية كانت مرت ثعابين ريتشارد قلب الأسد قبل تسعة قرون .. وقطعت رؤوسها بيد صلاح الدين الذي قطع رأس رينالد شاتيون .. صلاح الدين لايزال من قبره من دمشق ينظر الى مسيرة الثعابين الزرقاء اليوم .. ولكل رأس ثعبان أزرق فأس تنتظر .. ستهوي يوما عليها .. وان غدا لناظره قريب ..