الشطحه الأولى والثانية ترجمتي عن الروسية بتصرف مع إعادة صياغة بالعربية ، الثالثة من وحي الروح والذات .
أعلم أن العالم في حالة وعلى حافة الجنون المطبق و قد فقد عقله وهو كيحث الخطى إلى حتفه و قد وصل إلى شفير هاوية الحرب النووية .
حروب ، ثورات مصطنعة ، مجاعة ،
اقتصادات تنهار ، أنظمة تتفكك ، شعوب يائسة بائسة محطمة تحاول البقاء على قيد الحياة .
دعونا نأخذ نفساً عميقاً ، نستريح ، نغلق أعيننا ، نسترخي قليلا محاولين
إعادة الهدوء والتوازن لأرواحنا المتعبة لعلنا نسترجع ذواتنا ونلملم شظايا أنفسنا المبعثرة المدفونة تحت حطام عقلنا المُدمّر من قصف بأسلحة الدمار الشامل لوسائل الميديا العالمية. وبذلك نعيد إليها ، ولو لفترة نسرقها من الزمن المضطرب ، السكينة والسلام .
هي ثلاث شطحات ، تعال معي ، وتحلّى بالصبر ، في هذه الرحلة الممتعة على متن القطار في هذه الصفحة العزيزة ، وكل الشكر والتقدير والامتنان لصاحبها و مؤسسها .
الشطحه الأولى … عامل تروكيسلر .
تستحق التأمل والتجربة . لدينا هذه الصورة ( اللوحة ) الرمادية وفي المركز علامة سوداء + وحولها على المحيط بقع وردية اللون .
اذا أغلقت إحدى العينين ونظرت بالأخرى ( ويمكن التحديق بالاثنتين)
مع التركيز لفترة طويلة على + فإن البقع الوردية سوف يبهت لونها وتبدأ بالتلاشي تدريجيا ثم تختفي ، تأكد بنفسك . سوف تبقى الخلفية الرمادية وفي وسطها فقط العلامة السوداء + . العين لم تعد ترى البقع ، بالإرادة أنت ثبت بصرك على + فاختفى ما حولها .
هذا يسمى ” عامل تروكيسلر ” ، طبيب وفيلسوف عاش منذ ٢٠٠ سنة ودرس تركيب البصر والعوامل المؤثرة عليه .
لكن …. وهذا المهم والأهم من هذه التجربة الفريدة ، هو ما خلُصَ إليه وهو أبعد من ذلك وأعمق .
عندما تركز اهتمامك طويلا على شيء ما فإن ما عداه يبدأ يضمحل و يبهت و يتلاشى ، ثم يختفي .
اذا نفسك في داخلك وعقلك الباطني ترى هدف واحد تتركز حوله حياتك واهتمامك منصب عليه ولا تلتفت إلى غيره فإن كل المعوقات والصعوبات المحيطة به سوف تختفي . في الحقيقة هي موجودة في عقلنا : الشك ، عدم اليقين ، الخوف ، عدم الثقة ، التردد … الخ سوف لن تعود تعيقنا ، سوف تختفي .
اذا ركزت على الخير ، الأمل ، التفاؤل ، الحب ، النجاح ، الإيمان ، الجانب المضيء الجيد في أي مسألة أو هدف تريده فإنك بذلك وعن طريق التركيز عليها من خلال الإرادة والجانب الروحي للبصر تلمس بأن السيء والمحبط والمظلم والمعيق يختفي و يتلاشى .
وعليه ، اذا فكرت بالإنسان الحبيب العزيز عليك مركزاً على الجانب الخير والطيب والمضيء فيه فلن يزعجك أو يؤلمك أو ينغص حياتك ويموتّر أعصابك وجود آخرين يسممون حياتك وسوف تتلاشى ذكراهم وتأثيرهم عليك .
وبالعكس ، يكفي أن يشغلك وتفكر وتركز بالشيء والجانب السيء والمظلم والمعيق في مشكلة تقضُّ مضجعك في الحياة وتأخذ حيزاً كبيرا لديك في التفكير ( التركيز ) وتأكل روحك وقوتك واهتمامك وصحتك ، فإن كل شيء خيّر وجيد و مضيء وأمل وطاقة إيجابية وايمان وثقة وإرادة سوف تتلاشى وتختفي في نفسك وعقلك وروحك ، ولا يبقى منهم سوى العلامة السواد
والعلامة السوداء .

يجب أن نتعلم التركيز والنظر إلى الخير والجانب الجيد والمضيء باهتمام ، ونقيضه سوف يختفي .
لا نحتاج في ذلك إلى عناء وجهد ، لتحقيق الهدف ، سوى الإرادة… أي التركيز على الهدف . أنظر إليه بثبات ولا تدع شيء آخر يلهيك عنه .
هكذا ، وهذا هو قانون
” عامل تروكيسلر ” .
قانون وعامل الروح والنفس الداخلية
ركز على الهدف تصل إليه
فكر بالله يختفي الشيطان
فكر بالخير يختفي الشر
فكر بالضوء تختفي العتمة
فكر بالنجاح يختفي الفشل
فك بالتفاؤل يختفي التشاؤم والاستسلام والإحباط والعجز .
كل شيء مرتبط ويتعلق ب :
كيف تفكر ، وإلى ماذا تنظر .
الشطحه الثانيه… فرخ البط الأسود
إفهم من أنت !؟ أنت .. أنت
مرة وبالصدفة حضرت مسرحية عن
حكاية للكاتب غانس أندرسون
” الصوص البشع ” ، تذكرون هناك الكثير من أفلام الكارتون حوله وقد برعت ديزني في تقديمه للأطفال .
أدهشتني وفاجأتني وصعقتني الفكرة والمعنى الرمزي الذي عبر عنهما النص بالعمق والدلالة ، مع أن الكاتب والمسرحية لم يكونوا يقصدون ذلك .
الصوص البشع الأسود لم يكن يدرك من هو بغرابة لونه ، لذلك كان على استعداد ان يكون وأن يتقمص ويتماهى ويعتبر نفسه فرد من صيصان الدجاجة أو البطة أو الديك الحبشي أو أي طير منزلي آخر ليجد ذاته وينتمي إلى مجموعة ، لأنه كان يشعر دائما بأنه منبوذ من الجميع وغير مرحب به من محيطه بسبب سواد لونه ، ومهما حاول وبذل جهدا في تصرفاته حتى يقلد الكائنات الأخرى التي حاول الانتماء إليها من بني الطير كان يقابل بالرفض والصد وعدم القبول به فردا في هذا المجتمع أو ذاك ، بقي غريبا بالنسبة لهم .
عذاباته وآلامه انتهت فقط عندما فهم وأدرك و وعى بأن ليس عليه ولا يحتاج أن يكون عضوا في قطيع غريب عنه لا يقبله وينفر منه ، وأنه لا يجب أن يعيش وفقاً لقواعد وقوانين غريبة عن طبيعته مقلداً تصرفات وأحكام القطيع وخاضعاً لقوانينه .
هو … هو ، كما هو ولا شيء غير ذلك
عندما فهم الصوص البشع طبيعته المختلفة وعثر على بني جلدته وقومه أصبح كالجميع ، واحداً منهم ، مع بعض الغربة لأنه بجعة سوداء . لكن قوم البجع ” لا يشبهنا ، حسناً ” ، تقبلوه كما هو وقدّروا وثمّنوا عالياً أنه جميل بذاته وفريد في نوعه ، كونه أسود .
صوص البارحة البشع أصبح عضوا ممتازا في مجتمع البجع الذي لم يطلب منه أن يتخلى عن أصله ولونه الفريد أو أن ينكر ذاته .
بإمكانه أن يبقى هو ذاته و يفتخر ، وفي نفس الوقت عضو كامل العضوية في المجتمع الذي ينتمي إليه .
لماذا ، فيما بعد ، كثيرا ما كنت أتذكر هذه القصة ؟؟
لأن في رمزيتها أسباب مأساة الحرب الحالية بين روسيا و أوكرانيا و تورط أوروبا كاملة فيها ما يشبه هذه المسرحية .
في هذه المأساة نحن مذنبون ، لأننا أنكرنا ذاتنا . حاولنا أن نكون ماليس نحن وأن ننتمي إلى مالا ولن ننتمي إليه . وبالتحديد ، حاولت أوكرانيا ، ومازالت تحاول !! ومعاً ونحن جميعا ندفع ثمن هذا الغباء والخطأ الفادح
ثمناً باهظاً .
روسيا ، التي أعمى بصرها بريق اقتصاد السوق الحر والفترينات والشعارات الغربية البراقة حاولت في مرحلة ما أن تكون أوروبية ، ولم تفهم لماذا لم يحصل ذلك ، لماذا لم يتحقق ، أوكرانيا مازالت تحاول .
” القيم ” الأوروبية الشهيرة :
احترام كرامة وحقوق الإنسان بما فيهم الأقليات ، الحرية ، الديموقراطية ، سيادة القانون … كل ذلك ليس بسيء ، وليس غريبا عنا .
المشكلة هي في أن قيمنا نحن أكبر بكثير من ذلك ، لأن شعاراتها الخادعة ضيقة علينا ولا تسعنا ، قيمنا أوسع وأشمل وأعرض ، لأن روسيا هي :
مُت ولا تترك رفيقك في شدته
لا تحفر حفرة مصيدة لغيرك
تعاليم المسيحية .. لا تتمنى لغيرك مالا تتمناه لنفسك
الأعراف القفقاسية ” احترام الكبير “
أين هي في القيم الغربية ؟ نحن العطف والرحمة أعلى من القانون .
هذا ما يجعل الإنسان الروسي،روسي
الإخلاص للواجب والقسم وللوطن ،
وتخليد ذكرى وذاكرة أبطالنا وصون ما ضحوا لأجله .
سعينا إلى أوروبة ، ولكن … نحن أكبر وأعظم منها ومن المستحيل أن الأصغر والأقل شأناً أن يحتوي الكبير . هذا منطق الأشياء .
واضح وجليّ أن قيمنا من المستحيل تقزيمها و تحجيمها و قولبتها على مقاس اقتصاد السوق وحقوق ما يدعون للإنسان . وهو مالا يقبل القياس أو المنافسة أو السعي من أجله وجعل ذلك فكرة وهدف وطني.
ماذا تقصدون بذلك ؟! ويسألون ، أجيبكم على ذلك بسؤال :
ما هو الضمير الحي والمعيار والشرف؟
هل تحتاج إلى صياغة وشرح !
أن تكون انت انت ، روسي ، ذلك هو الهدف والفكرة . روسي هي أكبر من تعريف أمة و قومية ، هي أكبر من مسألة جينات .
هي تلك القيم التي توارثها شعبنا جيل وراء جيل وصقلت كما الفولاذ في النار على مدى قرون و قرون .
روسي : هو رسول حمزاتوف ، بوشكين ، تولستوي ، هو المارشال البولندي روكوسوفسكي ( بطل الاتحاد السوفيتي في الحرب العظمى ، نسخة ظل الأسطورة المارشال جوكوف – المترجم ) ، هو الأوكراني كوجيدوب ( طيار ثلاث مرات بطل الاتحاد السوفيتي ، الرعب القاتل للطيارين النازيين – المترجم ) ،
هو القناص تينكيز ( جندي بطل من قبيلة النينسي في سيبيريا أولاد عم الاسكيمو في آلاسكا الأمريكية ، ببندقية عادية دون منظار قضى على أكثر ٢٠٠ نازي – المترجم ) ، هو الرقيب كنتاريا من جورجيا ( الذي رفع العلم الأحمر على قبة الرايخستاغ في برلين – المترجم ) ،
هو خاتشادوريان و ملحمة سبارتاك ،
هو تشايكوفسكي و بحيرة البجع .
حتى تكون روسي لا داعي ولا تحتاج إلى أن تنكر قوميتك و دينك . يكفي أن تحمل فكرة وايمان وعقيدة الحق والجمال والرحمة ومساعدة الملهوف وحب الوطن ، يكفي أن تكون من عجينة و طينة هؤلاء .
أنا لست مستعداً ولن أتخلى عن كل ذلك من أجل وعاء صغير مقيد ولو كان فيه حرية و ديمقراطية الغرب كله .
روسيا لن ولا يجب أن تكون جزء من حظيرة طيور أخرى للحصول على زاوية فيه أو قصعة طعام … لا يجب
لأنها هي هي وبكل بساطة —
بجعة سوداء جميلة فريدة لا تتكرر ، والتي خلقت لقدرها :
أن تطير و تحلق
الشطحه الثالثة … القطار
نسافر في قطار مع تذكرة في رحلة
باتجاه واحد بلا عودة .
معنا والدينا ، ونحن واثقون بأنهم إلى جانبنا طوال الطريق .
ولكن في محطة ما و بتوقيت جاء في تذكرتهم يغادروننا ونحن نتابع الطريق بدونهم .
في كل محطة يتوقف القطار فيها يصعد ركاب كثيرون و يغادر آخرون ،
أقرباء ، أصدقاء ، أخوة ، أخوات ، أشخاص عاديون أحببناهم ،وعابرون.
الكثير منهم سوف ينزل في محطات
مختلفة و يتركون أماكنهم مخلّفين
فراغ كانوا يشغلونه . نفتقد لبعضهم
والبعض الآخر لن نلحظ غيابه .
هذه الرحلة مليئة بالأحداث ولحظات لا تنسى ، فيها سعادة وفرح وحزن وألم والكثير من الأشياء المشتركة
و وداع ، نجاح وفشل في التواصل ،
آمال و خيبة .
هدف وسر نجاح هذه الرحلة يعتمد على إقامة و نسج أطيب العلاقات
مع كافة الركاب .
الشيء القدري المحتوم فيها هو اننا نحن أيضا سوف نترك أمكنتنا و نغادر
القطار في محطة مجهولة المكان
والزمان . لذلك ، ومن الفطنة وبوعي
وإدراك ، علينا أن نحب و نسامح
و نساعد رفاق الطريق حسب استطاعتنا ولا نألوا جهدا في سبيل ذلك من فعل خير و طيبة صحبة .
فحين يحين ويقترب موعد مغادرتنا القطار في المحطة التي تُملى علينا في الزمان والمكان ومكاننا يصبح
شاغراً فإنه سوف يبقى فيه فقط ما تركناه من أثر و عبق و ذكريات ، سلباً كانت أم ايجاباً ، ويستمر القطار في رحلته المرسومة والمكتوبة .
أتمنى لك ، وله ولها و للجميع رحلة موفقة سعيدة وأن يكون في حقيبة متاعك الكثير من الحب والفرح والخير والنجاح والرفقة الطيبة ، والصحة والإرادة التي تساعدك على على استكمال رحلتك .
احرص على أن تترك على مقعدك بعد
مغادرتك أجمل الذكريات في قلب
ونفس كل من رافقوك .
شكرا من القلب مع الامتنان لجميع الركاب الذين عرفتهم و رافقوني ، أقرباء أو جمعتني بهم الصدفة و عرفتهم أو كانوا عابري سبيل ومروا كالطيف في قطار العمر .