ان الخداع و المكر ليسا فضيلة للماكرين بل انهما رذيلة وعار على المخدوعين .. ولكن عندما تستعذب أمة ان تعيش في خدعة وتتلذذ بمازوشية الانخداع فانها لاشك تستحق ان تخدع .. وهل هناك من أمة تحب ان تعيش في مازوشية الانخداع الا العرب .. ؟؟
منذ سنوات ونحن نكتب للعرب عن وهم الثورات الملونة .. ومنذ سنوات ونحن نكتب لهم كل معادلات الخداع التي تنشر وتكتب وتقرأ علنا وتسرّب عمدا .. ونحسبها لهم بالرياضيات والكيمياء والفيزياء ونسكبها في عيونهم وآذانهم وأفواههم ونكتبها لهم في الجرائد والقصائد .. وهم لايريدون ان يخرجوا من العيش في هذه المتعة وهذه المازوشية التي ينفردون بها دون غيرهم من الأمم .. مازوشية الانخداع .. ولو شرّحنا تاريخنا الحديث لما وجدنا أمة غرر بها وخدعت مثل أمة العرب وهي لاتزال تحب ان تشرب من نفس البئر المسموم .. تأكل الخديعة وتشرب الخديعة وتتنفس الخديعة وتنام مع الخديعة في نفس الفراش منذ 100 سنة .. منذ مراسلات حسين مكماهون الى خديعة الناتو العربي ..
المهم ان الشعب العربي الذي يصدق هذه الخدع والمكائد والكمائن يستحقها ويستحق ان تلهو به أميريكا والغرب في كل الملاهي وألعاب القمار وان يكون مثل مغفل في كازينوات لاس فيغاس لايتعلم انه هناك ليخسر فقط ويحلب ويسرق .. وهو يبدو أنه يتلذذ بتعذيب نفسه بالخسران ويتمتع بالخديعة وكأنه ولد ليخدع دوما ويكون دوره بين الشعوب .. الشعب الذي يحب أن يخدع ..
وقبل ان نصدق حكاية اختراع الناتو العربي على أنه نوع جديد من التحالفات علينا ان نتفق أنها خدعة جديدة سمجة لأن الناتو العربي قديم وموجود منذ تأسيس ممالك العرب في ثلاثينات واربعينات القرن الماضي .. وهذه الممالك لها دور وظيفي في مساندة وجود اسرائيل ولولاهم لكان وضع اسرائيل في خطر شديد .. فالناتو العربي قديم جدا وكان سريا لخدمة اسرائيل .. وتقرر اليوم أن يماط اللثام عن وجهه ليتم توجيهه نحو ايران وروسيا لخدمة أميريكا أولا واسرائيل ثانيا ..
وقد يحس بالغضب وحرارة الانفعال بعض ممن يرى ان حكاية الخديعة وهم مثل وهم المؤامرة الذي نسوقه .. ولكن هذه الغضب لايغير التاريخ العربي الحديث الذي يستحق ان يسمى (تاريخا للوقوع في الخداع) .. ألم نخدع في الثورة العربية الكبرى التي كانت تنقلنا من احتلال عثماني عنصري لئيم بغيض الى احتلال اوروبي عنصري جشع متوحش لايرحم؟ ألم تخدعنا وعود الانكليز في فلسطين خمسين مرة وتوقفنا فيها عن القتال وصدقنا الوعود فيما كان الانكليز يرتبون سرا مع الصهاينة انقلابا على اي وعد؟ ألم يعط الانكليز المصريين خمسين وعدا حازما بالاستقلال للمصريين خلال 70 سنة من احتلالهم لمصر واصروا على الخداع الى ان جاء عبد الناصر وأخرجهم بالقوة؟؟ فعاد الانكليز والغرب كله عن طريق وعود كامب ديفيد وأعادوا المصريين الى النوم في العسل والوعود بالرخاء حتى خسر المصريون استقلالهم السياسي وصارت تتطاول عليهم قطر وممالك الخليج وتتطاول عليهم تركيا من ليبيا واثيوبيا من سد النهضة؟
ألم نوعد ألا تكون الضربة الاولى من قبل اسرائيل عام 67 فاذا بالوعد انه خدعة لمنح اسرائيل فرصة الضربة الاولى ؟ ألم يعد هنري كيسنجر السادات انه سيعطيه سيناء ويجعل مصر مثل المانيا اذا خرج من فلسطين فاذا بمصر تخرج من مصر وتصبح بلا نيل .. أي انها خرجت من مكانها وصارت تتصرف وكأنها على حدود البرازيل وبين الارجنتين والبيرو في أميريكة الجنوبية وليس على حدود فلسطين؟
ألم تعدنا اميريكا انها الضامنة لأمن المخيمات في لبنان عام 82 بعد انسحاب منظمة التحرير من لبنان فاذا بها ترتب لصبرا وشاتيلا واحتلال كل بيروت؟
ألم تعط اميريكا صدام حسين سلاحا كيماويا ليقتل به الايرانيين ووعدته ان تحميه وان تبقي الأمر سرا فاذا به تسقطه بحجة السلاح الكيماوي نفسه؟ ألم تعد العراقيين بالمن والسلوى اذا تخلوا عن البعث وخرجوا من عقيدة صدام حسين وطموحاته فاذا بها تلقيهم في أحضان الجهل والفساد وترميهم الى داعش وبين انيابها وتفتت بلادهم وتعطيها للأكراد وللتطرف الشيعي والسني؟؟ وبعد كل هذا لايزال هناك عراقيون يتوقعون من اميريكا أن تتغير وتصبح قوة نبيلة وتترك عين الاسد وستعيد العراق للعراقيين ..

ألم تعد أميريكا الفلسطينيين في اوسلو أنها ستعطيهم قطعة صغيرة من وطنهم ليعيشوا عليها فاذا بها تسحب منهم انتفاضتهم التي كادت توصلهم الى وطنهم كله .. ثم أعطتهم اتفاق دايتون الذي حولهم من ثوار الى مرتزقة ينتظرون رواتبهم ثم اعطتهم هدية الاوسكار على تخليهم عن وطنهم وانتفاضتهم .. هدية الاوسكار كانت شخصية اسمها (الرئيس محمود عباس) الذي يقتل من ينتقد اسرائيل ولايتخلى عن التنسيق الأمني ..
ألم تعد الليبيين بالسرور والحبور اذا تخلوا عن الكتاب الأخضر .. فاذا بها تسرق منهم حتى قرآنهم وتشتت شملهم وقبائلهم؟
ألم تعد المجانين السوريين انهم اذا ثاروا على الأسد وصادقوا تركيا واسرائيل فانهم سيجلسون في كرسي معاوية؟ فاذا بها تسرق كرسي معاوية وسيف علي وتترك لهم غبار صفين والجمل وتأخذ اولادهم الى الخيام وقوارب المطاط ليلجؤوا بها ويعيشوا بقية عمرهم لاجئين ..
ألم توقع مع غورباتشوف اتفاقا بهدم الاتحاد السوفييتي كي تترك روسيا في حالها ؟ ألم يتعهد كلينتون انه لن يتحرك بوصة واحدة نحو الشرق احتراما لذكرى الاتحاد السوفييتي؟ فاذا بأميريكا تريد ان تحتل موسكو من كييف وليتوانيا .. ألم توقع مع الايرانيين اتفاقا نوويا بحضور شهود من 6 دول .. فاذا بها تمزقه ولايطرف لها جفن؟
عندما سمعت باختراع الناتو العربي الذي بشر به نفس الملك الذي بشر بولادة الهلال الشيعي وكارثة الحرب السنية الشيعية وهو سليل عائلة من الجواسيس .. هززت رأسي من خيبة الأمل لانني سأرى خدعة أخرى سيمضي فيها العرب مسرورين وكلهم أمل عظيم بوهم عظيم .. لأن الحقيقة هي الناتو العربي موجود منذ وجدت اسرائيل .. وكما كان كل شيء من علاقات واتفاقات وتنسيق سرا فانه فقط خرج الى العلن .. ان الخدعة الكبرى ان نصدق ان الولايات المتحدة قد اخترعت اليوم منتجا جديدا اسمه الناتو العربي .. فالناتو العربي كان موجودا دوما ثم خرج الى العلن ..
ألم يكن الناتو العربي هو الذي يحارب عبد الناصر؟ أليس الناتو العربي الخليجي وممالك العرب بلا استثناء هي التي حاربته في اليمن ثم لحقته الى هزيمة سيناء التي كان الملك فيصل نفسه يطالب بايقاف ناصر عند حده في لقاء سري في لندن قبل اسبوع من هزيمة حزيران؟
أليس الناتو العربي هو نفسه الذي كان يحارب ايران عن طريق صدام حسين؟ اليس الناتو العربي عو الذي حمى ودفع الى اتفاق اوسلو ووادي عربة؟ ماذا فعل العرب غير انهم كانوا سرا هم رعاة الاتفاقات وأدوات الضغط السياسي والمالي لتنفيذ الاتفاق ؟
اليس الناتو العربي هو الذي حارب السوفييت في أفغانستان؟ فمن قاتل في أفغانستان هو الناتو العربي – وليس الغربي – الذي كان يقاتل بسلاح الناتو الغربي ..
ألم يكن الناتو العربي هو نفسه انتقل من أفغانستان ليحارب في ليبيا الى جانب الناتو الغربي؟ أليست جامعة الدول العربية هي فرع للناتو شرّعت التدخل في ليبيا؟
أليس الناتو العربي هو الذي قاتل الى جانب الناتو الغربي في عاصفة الصحراء؟ وهو الذي كان يمول عملية احتلال العراق؟ واغتيال العراق ؟ أليست قناة السويس قناة للناتو عندما تسمح بعبور هادئ ومبارك لكل حاملات الطائرات والمدمرات المتوجهة لتدمير العراق؟؟ أليس الناتو العربي نفسه هو الذي كان يمهد للحرب السنية الشيعية في العراق؟ أليست مساجد الناتو العربي التي فرخت الفتاوى نفسها للقتال في أفغانستان هي التي فرخت الجهاد في سورية والعراق؟
اليس الناتو العربي نفسه هو الذي كان يقاتل ويمول ويفتي ويحرض في سورية؟ أليست جامعة الناتو العربية فعلت في سورية مافعلته في ليبيا؟ أليس الناتو العربي هو صانع الربيع العربي المشؤوم ؟؟
ألم تكن غرفة الموك في الاردن وفيها كل الناتو العربي ومن الاردن نفسه الذي يبشر الآن بالناتو العربي؟ أليست جبهة النصرة والقاعدة وداعش هي معدات الناتو العربي لأنها لاتقاتل الا اعداء اميريكا .. ؟
أليس ملك المغرب هو عضو سري في ناتو عربي سري لأنه كان يزرع ميكروفونات التجسس في القمم العربية وليستمع اليها قادة اسرائيل في تل أبيب؟ أليس الملك الحسن الثاني هو الذي كان يدير الاتصالات واقتراحات السلام بين السادات واسرائيل سرا فيما هو رئيس لجنة حماية القدس؟ أليس الناتو العربي هو الذي مهد لأنور السادات بالانفراد بالصلح مع اسرائيل وكان سرا يباركه ويدعمه ويؤيده ولايمارس عليه الا التمثيل الاعلامي بالرفض؟ ماذا فعل ناتو العرب لمنع السادات من الخروج من الصف العربي؟ ببساطة شجعوه سرا وشدوا على يديه .. والسادات كان يدرك ان خلفه سرا كل الناتو العربي الذي تركه ليفعل مايشاء فيما أخذ هذا الناتو العربي العرب الى حرب ايران وافغانستان ..
المخدوعون لايزالون مخدوعين .. والمخدوعون لايريدون أن يفيقوا من الخديعة .. ولاشك انهم يتمتعون بمازوشية الخديعة التي تقتلهم وتذبحهم وتجلدهم .. وهاهم اليوم يخرجون من الظلام الى الضوء في اول اعلان عن خديعة علنية اسمها الناتو العربي .. وكلنا نعلم اين سيكون هذا الناتو العربي .. لأنه سيكون حيثما كان دوما .. الى جانب أميريكا .. وحذاء تخوض أميريكا به حروبها القذرة .. وعندما يحب الحذاء أن يصبح على شكل القدم فانه لايمكن ان يوضع على الرأس كالخوذة او كالقبعة .. فالقدم خلقت له وهو خلق لها .. الناتو الغربي هو القدم والناتو العربي هو الحذاء القديم للناتو الغربي .. ومهمته ومتعته الغرق في المستنقعات والاوحال .. وهو لذلك يستحق بكل جدارة ان يعمل كالحذاء وليس كالقبعة .. ومن الافضل لهذا الناتو العربي ان يطلق عليه تحالف القدم والحذاء .. هم القدم والعرب هم الحذاء ..
انت تعمم يا سيدي حين تقول العرب، وتختصر امة بحثالة تزعمت، لولا إيمان العرب بوطن وانتماء وولاء لما كان الغرب مستمر في محاولاته لتركيع كرامات ابت ان تخنع وتركع، ولنا بفلسطين اولاً وسورية ثانياً وشعوب وقيادات رفضت وقاومت وانتصرت وستنتصر. تحياتي.