النظريات الانتحارية .. نصف صفر مشاكل .. سذاجة تركية

عندما تتداوى النظريات بتناقضاتها فانها تعلن انتحارها .. فالانتحار ليس حكرا على البشر بل انه ايضا ماتمر به النظريات والرؤى .. وبعض الرؤى والنظريات تنهج نهجا انتحاريا وهي تشق طريقها لتثبت انها قابلة للحياة .. فتموت او لنقل انها تنتحر بكل مافي معنى الانتحار من معنى عندما تفشل وتتفجر أشلاء .. وكي تعرف ان المشاريع الايديولوجية انتحرت فما عليك الا ان تثبت تداويها بنظريات مناقضة لها .. أي بالتي كانت هي الداء الذي جاءت لتداويه ..

العثمانية الجديدة هي آخر ماقدمه الأتراك من نظريات انتحارية لأنها اعادة انتاج لنظرية دينية هجينة دينية مع القومية الطورانية .. ولكنها قامت على تراجع تكتيكي سماه المنظرون للعثمانية على أنه قتل المشاكل واباداتها او مااصطلح على تسميته (تصفير المشاكل) لاحياء النظرية واطلاقها من دون أثقال الصراعات .. ولكن النظرية ثبت انها ضعيفة وهشة لأنها لاتستطيع العيش من غير الصراع مع المحيط .. فماذا تساوي العثمانية من غير اعادة السلوك والنهج العثماني المتوحش والتوسعي الاستيطاني؟ .. وتبين بعد سنوات من اطلاقها التجريبي وتجهيزها بصفر مشاكل .. انها لاتستطيع الاقلاع الا بعد ان تفرغ حمولتها من صفر مشاكل وتذخر نفسها بكل المشاكل كي تعمل محركات النظريات العثمانية ..

ولكن بعد سنوات على اطلاق هذه النظرية الفاشلة بدأ المنظرون يفرغون حمولتها من المشاكل والعودة الى صفر مشاكل .. اي تجريد النظرية من اسنانها العثمانية .. فالعثمانية لاتعيش من غير مشاكل .. وبدأ القرصان اردوغان بالعمل على القاء كل المشاكل في البحر .. وبدأ بمشوار عودة الوعي وبدأ بسد الثغرات التي أحدثتها المشاكل .. فتصالح مع المصريين والسعوديين والاماراتيين وبدأ يغلق الابواب في وجوه المعارضين الطفيليين المرتزقة .. او يرميهم في زوايا الانتظار والمخازن العثمانية ريثما تحتاجهم النظرية العثمانية من جديد في اي لحظة ..

الغبي التركي لم ينتبه الى أن اهم صفر مشاكل لديه وكان عليه ان يحصل عليه هو الصفر السوري بتصفير المشكلة السورية .. فكل مشاكله لاتساوي الا واحدا بالمئة .. و99% من اوراق الحل لمرضه الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والديموغرافي بيد سورية فقط .. فهناك معادلة لم ينتبه لها الاتراك وهي ان كل مشاكل تركيا مع محيطها تساوي 1% وبقية 99% هي على الحدود الجنوبية الاطول والاهم في سورية .. فالجغرافيا والتاريخ والاقدار هي التي تقرر ماتملكه من مشاكل ومن أوراق الحل .. فمثلا مصر والسعودية ليستا تاريخيا بأهمية سورية والعراق بالنسبة للدولة العثمانية .. وغياب مصر بكاملها عن الامبراطورية منذ حركة تمرد محمد علي باشا وسقوطها بيد الانكليز لم يتسبب بانهيار الامبراطورية .. بل انهارت الامبراطورية عندما تم تفكيك المكون الشامي منها .. ومن يومها تلاشت الخلافة وسقطت دولة بني عثمان كقلعة الرمل بسرعة مذهلة لايزال دويها مسموعا عبر قرن كامل من الزمان ..

المكون الشامي في الحلم العثماني والمشروع العثماني هو الاهم .. ولذلك فان اعادة العلاقات التركية المصرية والسعودية لن يحل مشكلة تركيا .. وستبقى تعاني من ارتدادات الفشل في تطبيق نظرية صفر مشاكل .. لأن الصفر الأهم الذي لم يساعده الاتراك هو الصفر السوري .. اي تصفير المشاكل مع سورية … وستبقى هذه النظرية بلا معنى اذا لم يتم تصفير المشكلة الجنوبية الحبلى بالمشكلات التي لانهاية لها بدءا من المشكلة الكردية وانتهاء بالمشكلة الديموغرافية التي تسببت في بروز التوتر العرقي بين الاتراك والعرب على طول الحدود وفي داخل تركيا نفسها ..

وقد بلغني اليوم أن الاتراك عادوا الى خزائنهم القديمة وأعادوا البضاعة العثمانية لاخفائها عن العيون بعد ان افتضح تلوثها بالجنون والعنصرية والطوباوية .. ووضعوا الطربوش في الخزانة ودفعوا بصرّة السلاطين الى عمقها .. وفتشوا بين أقمشة الشعارات الاردوغانية ونبشوا منها شعار صفر مشكلات ليعيدوه الى الحدود الجنوبية ولكن – وياللسخرية – من غير ان يغادروا ادلب .. ويظن الاتراك ان لديهم معادلة جديدة هي نصف صفر مشاكل مع سورية .. اي بالانسجام والتنسيق مع سورية ضد المشروع الكردي الانفصالي .. دون التطرق الى التتريك ومحاولة البقاء في ادلب المحتلة .. وان دل هذا على شيء فانما يدل على ان من يركب هذه النظريات أخرق ومعتوه ولايعرف كيف تعمل النظريات السياسية في الجغرافيا وكيف تتعامل مع مادتها ودمها التاريخيين .. ولايعلم اننا سنحشو معادلته القديمة والجديدة في بلعومه قبل ان نطرده من ادلب ..

ولذلك فان سياسة نصف صفر مشاكل لاتزال تعني وجود كل المشاكل .. ولايوجد مخرج للعثمانيين من مشاكلهم الا التخلص من الوهم العثماني والجنون العثماني .. والعودة الى حدود عام 2011 ونسيان الحكم الطوراني الى الابد .. لأن صفر مشاكل او نصف صفر مشاكل تعني موتا محققا للنظرية ولكل من يحملها ..

هذا المنشور نشر في المقالات. حفظ الرابط الثابت.

2 Responses to النظريات الانتحارية .. نصف صفر مشاكل .. سذاجة تركية

  1. Mohammad Ismail كتب:

    المشكلة في أوروبا هي التي أعطت تركيا أنطاكية واسكندرون وكيليكيا،،وتآمرت على الامبراطورية الروسية ودعمت التمرد ضد آل رومانوف لصالح تركيا ،
    نحن نعرف همجية الترك في كل سورية ،لكن هذا يرضي الأوروبيين، الذين نسوا أنطاكية والقسطنطينية وقنسرين وقبرص، وحشية الأتراك تقبع تحت الوجه الإنساني المزيف لأوروبا .
    بالتأكيد ستعود ادلب واسكندرون وكل الجغرافيا التي اعطتها أوروبا لتركيا ،لأهلها .

  2. عمر فهمي كتب:

    الدجال الذي يتغوط من فمه، فيزداد عدد مريديه ممن يعيش على مايخرج عندما يفتح فمه

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s