ليت الشك كان رجلا لكي أعطيه صولجان المعرفة .. فلولا الشك لما كان اليقين .. ولولاه لبقي المجهول مجهولا .. ولبقي الجهل علما .. فمن لايشك عليه ان ينتمي الى عالم الجهل والجهالة .. وعليه أن يتخلى عن العقل ويحتفظ بدماغ الحيوان .. ولذلك فانني من طبعي الذي علمتني اياه الفلسفة ان أشك بكل عبارة ولو كانت بدهية .. بل ان الشك بالبدهيات هو الطريق لاكتشاف الاسرار التي تختفي خلف خرافات لعبت دور البدهيات باتقان وتبين انها مزورة ومدعية .. فمابالكم اذا صدرت عبارات عن فم تركي .. الفم التركي لايعرف اي بدهيات سوى الخداع والغدر .. وكل ماينطق به الفم التركي هو كذب الى ان يثبت العكس .. فكم كذب هذا الفم وكم نافق وكم ابتسم وكم فاض بالعسل .. فاذا به فم مدجج بالكراهية والحقد والدم والمرض ..
ولكن هذا الفم قال اليوم مالم تتوقعه اللحى المعارضة .. فقد نطق وقال بأنه ينصح بالتصالح في سورية .. وقد بدأ الاتراك منذ الاتفاق الاخير في طهران يطلقون بالونات اختبار .. وتبدو وكأنها بيان انتخابي موجه للداخل التركي استعدادا وتحضيرا للانتخابات التركية القريبة .. بحيث يبدو اردوغان وعصابته في طور حل المشكلة الديموغرافية السورية داخل تركيا حيث هناك غضب تركي لاحدود له ونقمة في الشارع التركي ضد الوجود السوري .. وهذا الوعد يشبهه المعارضون بوعد بلفور حيث يبيع فيه وزير الخارجية التركي أوغلو المعارضين السوريين في مزاد سياسي .. وكما ان بلفور البريطاني وحكومة صاحب الجلالة كان يبيع فلسطين المسروقة لروتشيلد مقابل حفنة من المال واول سلاح كيماوي سري لاستعماله ضد ألمانيا فان تشاويش اوغلو وزير خارجية صاحب الجلالة اردوغان قد بعث هذا التصريح ليبيع الموقف التركي في السوق التركية مقابل حفنة من المصالح التركية والاصوات .. مع ملاحظة ان فلسطين الحرة حق مسروق وان المعارضين السوريين هم لصوص وحفنة من العبيد .. ولكن في التجارة السياسية يباع كل شيء ؟؟ حراما كان ام حلالا ..
مايهمنا من هذا الضجيج والصراخ هو ان نعرف مدى جدية هذا الوعد التركي .. فلايهمنا ان غضب المعارضون ام حزنوا .. بل مايهمنا هو النظر الى ماوراء هذه التصريحات .. فوعد بلفور التركي كان قد سبقه وعد تركي قديم بالصلاة العثمانية في الجامع الاموي .. فالشك هو من يجب ان يقول كلمته هنا لا اليقين .. لأننا نعرف وعود تركيا ونعرف ثقافة التموج والتذبذب والتراجع والنفاق في تركيا .. فالتركي اليوم على الارض السورية وهو بتصرف وكأنه باق الى الابد .. والتركي ينتظر بفارغ الصبر عام 2023 حيث نهاية فاعلية معاهدة لوزان التي حبست تركيا في حدودها الحالية .. وتركيا تنتظر اطلاق سراحها في الشرق الاوسط لتستعيد مسروقاتها العربية من الارض والشعب والجغرافيا وفق كل أدبيات السياسة والثقافة التركية .. فهل سيتخلى صاحب الجلالة اردوغان عن هذه المكاسب الجغرافية بينما هو يناور ويراوغ ويقوم بالتتريك السريع كما تقوم اسرائيل بعملية تهويد لكل شيء في فلسطين؟ ..

التركي يريد معادلة مستحيلة وهي حل مشاكل تركيا دون حل مشاكل سورية .. ولكنه بدأ يقبل بما لم يقبل به من قبل وهو الاعتراف بأن من في دمشق الان هو الثابت الذي لا يمكن تغييره .. ومايفهم من الوعد التركي بالاعتراف بضرورة التصالح بين المعارضين والدولة السورية هو ان هناك توجها لالقاء المعارضة عن كاهل تركيا ارضاء لمزاج تركي ناقم واعتراف بأن حفلة القمار الجميلة الصاخبة المليئة بالمكاسب السريعة العابرة التي كان اردوغان يربح فيها المعارك ويربح قلوب الاسلاميين وقلوب الاتراك انتهت وفرغت جيوب المراهنين دون مكاسب تذكر .. فقد كان اردوغان يظن انه سيصل محمولا على الاكف والراحات الاخوانية الى الجامع الاموي .. فاذا به يحمل الاخوان المسلمين فوق ظهره كما تحمل أنثى العقرب صغارها على ظهرها .. وهاهو يحملهم على ظهره 11 سنة .. ولكن تبين ان البضاعة التي ظن الاتراك انها رابحة كسدت وتكدست في الاسواق التركية وغصت بها استانبول واتخمت بها أدراج صاحب الجلالة ولم يجد حلا لحلمه في الصلاة في الجامع الاموي .. وليس هناك من أمل بأن ينتصر هؤلاء الاوغاد الطفيليون الذين زينوا له النصر وورطوه في مغامرة فاشلة ووعدوه ونفخوا أحلامه واعطوه تطمينات أن سورية ورقة صفراء وستسقط وانهم هم من سيقف على أعلى قمة في قاسيون ويهديه قاسيون ..
من الواضح أن في التصريحات التركية خيبة أمل تركية واقرارا خجولا بنهاية الحلم العثماني من بعد كل التشنج والعناد والصلف الأجوف .. وهناك نكهة استسلام مما حدث من فشل في سورية .. ومن الواضح ان الاصوات التي ترى ان العناد لم يعد مفيدا صارت مسموعة في قصر أردوغان وخارج مكتبه .. وان الحرب السورية دخلت الى تركيا عبر كتلة النازحين واللاجئين والهاربين والمجرمين والمسلحين واللصوص .. ومن الواضح ان تآكل الاقتصاد والليرة التركية صارت لها كلمتها .. فكل السرقات والنهب للثروات السورية افادت تركيا مؤقتا ومرحليا وخاصة اثرياءها وسماسرتها وعائلة اردوغان ولكنها لم تفد الشعب التركي الذي صار يدفع من جيبه ضريبة الحرب السورية اليوم .. فقد انتهت حفلة السرقة الدولية ..
وبدأت التسريبات تتحدث عن بداية تلاق مع التوجهات السورية حول المشكلة الكردية وحول ملف ادلب .. وكأنها المصالحة السورية التركية على الطريق .. او لنقل بشكل أدق انها الافتراق التركي السوري المعارض .. ومايؤكد قلق وتوجس الاخوان المسلمين السوريين هو ماحل بالنموذج المصري الاخواني المعارض الذي تلاشي وتبخر بصمت حيث صمت الاخوان المصريون وكأن على رؤوسهم الطير .. والحقيقة هي انه مامن طيور في السياسة تقف على الرؤوس .. بل على رؤوسهم حذاء اردوغان الذي وجد ان مصلحة حذائه تقتضي ان يطمس المعارضين المصريين ويحول مقرات المعارضة والاعلام الى عوامات للعوالم والراقصات .. ويادار مادخلك شر .. وسلمولي على الباذنجان ياباشوات ..
ولذلك فان الاخوان السوريين والمعارضين المتملقين وراقصي اردوغان الذين رقصوا بين يديه 11 سنة متوجسون وقلقون .. وهم لايتوقفون عن الاتصال بالمكاتب والوزارات والقصر الرئاسي التركي كما يقول أصدقاء أتراك .. تعبت التلفونات وتعب الموظفون في المكتب الرئاسي ومكاتب وزارة الخارجية التركية وهي تتلقى التساؤلات القلقة والتمنيات والترجيات ان يكون الموضوع له علاقة فقط بكذبة نيسان متأخرة الى هذا الصيف ..
المعارضون السوريون يطمئنون أنفسهم .. بأن سورية ليست مصر .. وأن الميثاق الملي فوق كل اعتبارات .. وأن حلب والموصل هي في قلب استانبول وفي قلب كل تركي .. وطبعا يأكل الاخوان السوريون هذا الجزر وهذا البرسيم والعلف التركي .. ويفعل الحشيش فعله فيهم .. كما فعل عندما ظنوا ملايين المرات ان الجيش الانكشاري نفذ صبره وانه بالكاد يمكن حبسه خلف طوروس وأنه قادم وسيتدفق في شوارع دمشق وحلب بمجرد ان يعلن الاخوان المسلمون الجهاد على الدولة السورية ..
على كل حال .. وعد أوغلو القادم من حكومة صاحب الجلالة اردوغان القاضي ببيع ممتلكات تركيا من المعارضات السورية في البورصة الروسية الايرانية السورية من أجل حل مشاكل حكومة صاحب الجلالة هي كلام لايزال يخضع للاختبارات .. ولن نأخذه مأخذ الجد الا عندما ندخل ادلب وكل الشمال السوري .. ونحن لانزال على يقين انه كلام موجه للانتخابات التركية لامتصاص الغضب الشعبي التركي بسبب الحكاية التي مل الاتراك سماعها عن قرب عودة اللاجئين السوريين ونهاية قصة المهاجرين والانصار التي تبين انها ولدت ألف سقيفة بين الانصار الاتراك والمهاجرين السوريين .. ولكن هذا التغير يعني ان الرحلة الاخوانية شارفت على النهاية ..
لذلك نصيحتي لكل من ثار وتظاهر وتمرجل في ادلب – وهم قلة من المستفيدين من الوضع الحالي والاتاوات – لاترهقوا انفسكم ولاتحرجوا أنفسكم ولاتعبروا عن مشاعركم .. ولاتثوروا ولا تخرجوا الى الطرقات .. ولاتتعبوا أنفسكم .. ولا داعي لكي تتمرجلوا وتعبروا عن غضبكم على سادتكم الاتراك .. أنتم ستخرجون من المعادلة .. ووعد تشاويش اوغلو الموجه للأتراك بالتخلص منكم سيتم شئتم أم ابيتم .. هو فقط يبحث عن مكب قمامة آخر كبير .. ومن يعترض فسيتم ضربه ضرب غرائب الابل وسيحزم حزم السلمة .. وسترى المخابرات التركية رؤوسا قد اينعت في ادلب والشمال .. وسيحين قطافها في تركيا .. فهم اصحابها .. فلا تغضبوا صاحب الجلالة أردوغان .. ايها الاخوان ..
