وتحققت نبوءة نبيل فياض .. المتدينون انتصروا في النهاية .. ولكن كيف سيقف بين يدي الله؟؟

تنبأ نبيل فياض بحكم تجربته وقراءته للتجربة السياسية الدينية ان الاسلاميين سيحرقون المنطقة .. وكتب في عام 2009 مقالا حيرني وأثار غضبي وكان بعنوان سورية تحترق .. وقال فيما قال انه احس بالرعب عندما سافر من دمشق الى حلب ولكن كل الاستراحات التي مر فيها كانت تزخر بكتب وهابية تدعو للعنف والتكفير .. ولما تجول في أرياف حلب أحس انه يسير في قندهار .. وتوسل الى الدولة السورية ان تتنبه الى هذه الظاهرة الخطرة في انتشار النموذج الوهابي العنيف في الارياف السورية لأنه هو الذي سيدمر البلاد ..


ومن نبوءاته واستشرافاته انه حلل مرحلة الصراع في الثمانينات بين الدولة السورية والاخوان المسلمين وطرح نتيجة صادمة وهي ان الاسلاميين في النهاية انتصروا رغم الهزيمة العسكرية الساحقة التي تعرضوا لها .. وفسر تلك النتيجة بأن الدولة بعد انتصارها صارت تزايد على الاسلاميين وتؤسلم المجتمع وتنشر الدعوة الدينية ومعاهد الدين أكثر من المعاهد العلمية والثقافية .. ولو حكم الاسلاميون لما فعلوا الا ذلك .. أي في النهاية فان الدولة هزمتهم عسكريا ولكنها نفذت برنامجهم من دون ان تدري خشية ان تتهم انها ضد الاسلام .. وهو فخ خطر وقعت الدولة فيه بدل ان تنتهز الفرصة وتبدأ باعلاء شأن العلمانية والثقافة المنفتحة وتحاصر النهج الديني المتزمت في المجتمع .. وطبعا كان نبيل يفكر بطريقة الباحث وليس بعقل السياسي لأنه لم يكن يحيط بكل المشاكل والتعقيدات التي كان السياسي السوري يلاقيها لحل هذه المعادلات الصعبة وكان يضطر اليها احيانا .. فنحن في بلد لايزال متدينا في ثقافته ولاتستطيع الدولة اعلان حرب على التدين بهذه البساطة ..


المهم ان نبوءة نبيل ربما تتكرر .. والدليل هو غياب الاهتمام الرسمي بخبر وفاته وغياب التمثيل الحكومي في جنازنه رغم انه مفكر سوري فذ ووقف مع الدولة في أصعب المراحل في هذه الحرب .. وكان قادرا على ان يبيع نفسه ومواقفه بملايين الدولارات كما فعل مثقفون كثيرون كانوا يتشدقون بالحرب على التخلف ولكنهم تزعموا التخلف عندما وقعت الحرب السورية وصاروا من ممثلي أبي هريرة والقعقاع وسفراء للسلطان سليم الاول ..
هذا الغياب الرسمي للدولة ربما يدل على أن نبوءة فياض هي التي انتصرت وهي اننا لانزال نخشى المواجهة مع التطرف والتخلف .. ونريد ممالأته وارضاءه .. وهو بذلك لايزال يرهبنا ويخيفنا ويرغمنا على تنفيذ أوامره وترك نواهيه .. ولذلك غابت الدولة والجهات الثقافية الرسمية في وفاته وتجاهلته تماما خشية ان يثير اهتمامها به غضب المتدينين والتكفيريين وينظر الى رعايتها له كمفكر وباحث على انها استدعاء لأفكاره وتأييد لها وأنها اصطفاف مذهبي كونه كان يخص المذهب السني بانتقاداته رغم ان نبيل لم يوفر أحدا وكان يسخر من جميع الاتجاهات الدينية السياسية ولايبدي حماسا حتى لفكرة حزب الله في موقفه السياسي ويعتبره غير مريح طالما انه يعتمد الايديولوجية الدينية مهما كانت اتجاهاته .. ويسميه غامزا منه باسم حزب الاله ..


المهم ان البعض كتب في التعليق على خبر رحيل نبيل الكثير من الاتهامات الباطلة وبعضها سخيف الى حد مثير للشفقة من أنه كان عضوا في المؤامرة على سورية وانه عميل أجنبي وأنه كان يهدم الاسلام كمهمة مكلف بها بل ان البعض اعتبر انه في دفاعه عن الاقليات ضد حرمانها من حقها في المساحة الدينية المتاحة في البلاد اعتبر انه تشكيل لوعي الاقلية كي تتمترس في طوائفها وتعيش حالة انغلاق ورفض للأكثريات لأنه خلق لها هوية وانتماء بعيدا عن الاكثرية ..


أشياء كثيرة اتهم بها نبيل ولايوجد من يجيب عن أسئلة بسيطة عن هذا “العميل” الذي ظل في بلاده ولم يفارقها وكان يستطيع اطلاق ثرثراته واختراقاته من المنفى او من قطر او من محطة الجزيرة او قاعدة العيديد .. او يكتب مع عزمي بشارة في جرائده المدسوسة ومحطاته الاسرائيلية الهوى .. ولااحد يجيب كيف أن هذا العميل لم يجد من ينقله ليعالج في الخارج من المرض الدموي الخبيث الذي أصابه .. وبقي يتلقى علاجه في سورية وكان يعاني .. ولم يوجد من يتبرع له بسفر للعلاج في الخارج .. فيما لو كان المريض فنانا او راقصة او لاعب كرة قدم او داعية بلحية .. لوجدنا مئات الجهات والملوك الذين ينفقون عليهم طلبا لرضى الجمهور ..


توفي نبيل فياض وفاضت روحه الى السماء وهو يكتب ويبحث ويناقش ويثير الجدل ويحرض العقل على التفكير .. ورغم انه كتب في أدق مناحي التراث وأكثرها حساسية وحميمية فانه تلقى الشتائم والتهديدات من الجميع وكان نصيبه الاهمال الرسمي وأحيانا المشاركة الرسمية في محاصرته ارضاء للمتدينين او خوفا منهم او خوفا من صدام بين الجهلاء بسبب طروحاته .. ولكن لم يتبرع واحد لكتابة مؤلف يدحض فيه طروحاته او يفند أبحاثه .. الكل مسلح بالاتهامات والكل مسلح بالشتائم والاهانات .. ولكن لايوجد من هو مسلح بالحجة والنظرية والبحث المقارن والمناقض منذ ان بدأ يكتب نظرياته وأبحاثه .. وان كان هناك من رد فلايتعدى مقالات ساذجة او كتابات هزيلة عاطفية العقل والبحث فيها أقل من القليل ..


قرأت الكثير من الردود وبعضها يشمت من جنازته ولفت نظري هذا الرد المسرف في الجهل الذي يدل على اننا لانعرف حتى تاريخنا وتاريخ النبي نفسه .. فتقول صاحبة التعليق:
؟؟!! عتبك على السماء أنها أطفأت هذا القبس ،وهنيئا للجهل بانتصاره ؟؟!! كأنو تعابيرك مبالغ فيها كتير. بدي أفهم شو قدم غير إذكاء الفتن والإساءة لله بالدرجة الأولى ،واليوم تطلبون له رحمة الله وهي أكثر كلمة كان يستاء ويسخر منها .. طالما متأثرين فيه لهالدرجة كنتوا تفضلوا عملوا جنازة تليق بعالمكم هذا الذي أطفأته السماء .. لك حتى الذين كان سببا في إلحادهم لم يخرجوا في وداعه ،واقتصرت جنازته على عدة أشخاص


وسؤالي لهذه الجاهلة هي كم شخصا كان في جنازة النبي نفسه؟؟ وكم شخصا كان في دفنه؟ طبعا هي ربما لاتعرف ان النبي لم تقم له جنازة تليق به ولم يدفنه أحد من أصحابه .. وكان عدد من حضروا دفنه لايتعدى أصابع اليدين .. وهل تعلمين ان ابا طالب الذي دافع عن النبي ضد كل قريش ولم يسمح لاحد بالمساس بالنبي وبدعوته لايزال في تصنيفات الاسلاميين كافرا لانه لم بنطق بالشهادتين وفي زعمهم سيدخل النار رغم انه كان معطفا حديديا للدعوة حتى آخر لحظة في حياته..


السؤال ليس للمقارنة معاذ الله ولكن للدلالة على اننا لانقرأ التاريخ الذي قرأه نبيل وعرف ان النبي صاحب الرسالة العظيمة اختلف أصحابه من بعده على الدنيا وهو لايزال مسجى .. وكانت صدمة الباحث ان النبي لم يجد من يدفنه من كل أصحابه وان من كان في جنازته بضعة أشخاص من عائلته فيما كان جميع الصحابة في السقيفة يحضرون الجدال العظيم وهم قاب قوسين او أدنى من حرب أهلية .. وكانوا في الحقيقة يحضرون لمعركة الجمل التي وقعت بعد 3 عقود وكتب نبيل عنها (يوم انحدر الجمل من السقيفة) .. هل قلة الحاضرين في جنازة تدل على أهمية صاحبها؟ هل تعرفين ان كارل ماركس حضر جنازته 13 شخصا فقط فيما اسحاق رابين حضر العالم كله الى جنازته ..
السؤال الذي كان نبيل يطرحه دوما هو ان الفتن قامت بسبب خلافات دنيوية وسياسية وانه لامبرر لمتابعة جدال السقيفة وحرب الجمل .. وان من صنع هذا الجدال هم بشر كانت لهم دنياهم وأسبابهم ولايجب ان يحكمونا الى الابد .. ولكنه اتهم بسبب هذه النزعة بأنه حرض على الفتن ..


ان الجدال الذي اثاره غياب صاحب الجدل في الدين والتراث يدل على أنه كان يهز الشخصية الشرقية والمسلمة من الداخل ويعالجها بالصدمات .. وقد اختلفنا معه كثيرا في مقالات كثيرة كنا نعاتبه على قسوته في الصدمات وقسوته في استعمال كلمات حادة جدا كانت تجرح المشاعر ولكننا لم نشك أبدا أنه كان يفكر مثل ديكارت .. صاحب مقولة (أنا أشك اذا أنا موجود) .. – ونبيل (او ديكارت المسلمين) وهو كان أشجع من ديكارت الذي كان يخشى الكنيسة – كان يشك في كل شيء فيحاول استقصاءه وعرضه في مختبر التاريخ والوثائق وميزان المنطق والعقل .. فكان يوفق كثيرا ويخفق أحيانا .. ولكنه بلا منازع كان طاقة خلاقة في التفكير وكانت لديه جسارة لم يتمتع بها أحد وجرأة يحسد عليها ..

وأنا على يقين انه اذا كان هناك عدالة وحساب فانه سيأتي للقاء ربه يوما ومعه أبحاثه وأفكاره وعمله وجهده وقلقه على التراث وقلقه على الناس وحبه لوطنه وشعبه ورفضه ان يبيع وطنه وشعبه وأهله .. أخطأ في اجتهاده احيانا واصاب احيانا .. ولكنه أيضا لم يقتل أحدا .. ولم يؤذ أحدا .. ولم يسفك دم أحد .. ولم يفت بقتل أحد .. بل كان يقف ضد كل الفتاوى .. وسيقف هو أمام الله بهذا السجل وسيقف أمام الله في نفس الوقت رجال دين وأصحاب فتاوى وأصحاب تكفير وقتل ودماء وكراهية وتعذيب وتوحش من لاتفوتهم صلاة ولانافلة .. واصحاب دنيا ووعاظ سلاطين ومنافقون وطلقاء .. وعندها الله وحده سيقول من الذي يستحق ان يدخل جنته .. عالم باحث مجتهد مخلص لعمله ومحب للناس ومناصر للضعفاء أم قتلة ومجرمون لهم لحى طويلة .. وخونة لله وللأوطان بعمامات ضخمة وقلنسوات وطرابيش؟ ..


لمن سيحكم الله اذا ؟؟ من يعرف الله ويدرك معنى الله يعرف ان الله سيفضل نبيل فياض وسيغفر له وسيسامحه ان أخطأ لانه اجتهد عن حسن طوية وقلب نبيل .. ولكنه لن يغفر ولن يسامح من كان قاتلا ومجرما ومثيرا للحقد والكراهية والدموية والخيانة .. ولو من أجل الله .. ولو كان يغسل قلبه في قلب الكعبة خمس مرات في اليوم ويتنشف يأستارها .. ويصلي فوق عباءة النبي … هكذا هو الله

هذا المنشور نشر في المقالات. حفظ الرابط الثابت.

1 Response to وتحققت نبوءة نبيل فياض .. المتدينون انتصروا في النهاية .. ولكن كيف سيقف بين يدي الله؟؟

  1. شارلوت كتب:

    لا يمكن للجهل أن ينتصر فهذا منافي للطبيعة.. لابد لعصور الانحطاط بالزوال وبزوغ شمس التنوير.. هذا هو حال جميع الحضارات.. نصوصك نارام أكبر دليل على ذلك.. فمنذ أن هبت رياح التتر والمغول مع بداية الأحداث في سوريا وأنتَ تحاربهم بالكلمة.. وأذكر أنني خاطبتكَ مراراً بجملة “لا ترحم.. أطلق كلماتكَ لا نيرانكَ” وها قد كُشِفَ زيفهم وخبثهم مع الأيام من خلال أقلام شجعان الرأي.. للحقيقة ميعاد يا صديقي فلا تتعجل بالحكم..
    نحن لن نقبل إلا بسوريا علمانية.. أفعالاً وليس شعارات.. وسيأتي هذا اليوم شاء من شاء وأبى من أبى..
    حليفكَ لم يرحل.. هو باق معنا إلى الأبد..
    سلوك التجاهل لن يزدنا إلا ثقة وإصرار على أننا أصحاب حق..

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s