حين يذكر إعلامنا الجولان يدعوه بالجولان السوري الحبيب و حين تذكر بعد عقود لواء اسكندرون صار يدعوه باللواء السوري المحتل .. و إن ذكرته شاحنات النفط و القمح المسروقان من منطقة الجزيرة بالاحتلال الامريكي يسارع للتدليل بها على الوجود غير الشرعي لأمريكا هناك .. ثم لا ينسى كل مرة ما يعانيه من نعاس فيعاود رقاده حتى يرغم على الاستيقاظ مكرها من جديد ..
بعد الحرب العالمية الثانية قامت فرنسا باحتلال إقليم الروهر ” الرور ” الالماني الغني بالفحم و الحديد بحجة تخلف ألمانيا عن الوفاء بالتزاماتها الفروضة بموجب معاهدة فرساي .. إقليم الرور يعد المحرك الأول للاقتصاد الألماني ما جعل المارك يهوي لمستويات قياسية تاريخية و دخول ألمانية في ضائقة اقتصادية قاتلة .. اختلفت آراء الألمان حول الردود الواجب اتخاذها على الخطوة الفرنسية حيث خرجت أصوات وطنية تطالب بتنظيم مقاومة شعبية مسلحة بينما دعت الحكومة الجمهورية إلى إضراب عام في الإقليم يوقف العمل و يفقد الاحتلال غايته و يرغم فرنسا على الخروج .. هتلر وصف الخطوة الحكومية بالغبية .. طبعا الإضراب فشل في تحقيق غايته كما فشلت محاولات حكومية أخرى بتشكيل جبهة وطنية للاحتجاج السلمي .. و لم ينته الاحتلال إلا بعد أن انطلقت مقاومة مسلحة مستغلة اندفاع الوطنيين و انهيار الاقتصاد الفرنسي و ضغوط الحلفاء الذين تحفظوا أصلا على الخطوة الفرنسية ..

احتلال امريكا لمنطقة الجزيرة السورية يماثل بنواحي عدة ما قامت به فرنسا سنة ١٩٢٣ .. من حيث أن منطقة الجزيرة تمثل سلة الغذاء السورية و منبع ثرواتها الأهم .. و من حيث الظروف العامة السائدة و ردود الأفعال الوطنية مع فارق أن الدعوات المهادنة للاحتلال الفرنسي كان مصدرها البرجوازيين و الماركسيين الألمان و من ورائهم الإعلام المقاد يهوديا ..
المدة الطويلة التي تمضيها أمريكا مطمئنة في المنطقة معتمدة على التوازنات و الخطوط الحمر المفروضة من البعيد و القريب و معتمدة بالأساس على خيانة شريحة مقززة من الاكراد و الطريقة التي يتعاطى بها إعلامنا مع الاحتلال تكاد تجعل من الاحتلال حدثا اعتيادا و تكاد ترسخه كواقع مفروض لا بد منه .. أقصى ما يفعله إعلامنا هو مشاركته صور و مشاهد شاحنات النفط و القمح المسروقان و إدلائه بتعليقات مكررة عن الوجود غير الشرعي لأمريكا و المخالف للقوانين الدولية .. السوريون تحديدا يدركون أن أمريكا لم تنطلق في حراكها معتمدة يوما على المواثيق الدولية و لم تقترف جريمة إلا باسم الأعراف الدولية فلم إضاعة الوقت هذه ..
سورية في أحلك أيام حرب تموز ٢٠٠٦ كانت تؤمن إمدادات لوجستية و غيرها للمقاومة اللبنانية و قبلها للمقاومة العراقية لن تعجز اليوم عن مد أبنائها المخلصين بما يحتاجونه لمواجهة بضعة مئات من الأمريكيين مهما تدرعوا بعتادهم الحديث و آلاف كلاب الحراسة الخونة .. أوضاعنا تزداد كارثية و التزامنا بتوافقات كونية يكاد يطرحنا أرضا علينا أن لا نكابر بعد .. أمريكا قوة جبارة تستمد جبروتها من توازنات دقيقة تفرضها على أعدائها بشبكة عبقرية من المشكلات تفضي الواحدة منها إلى أخرى في حال المساس بأحد خطوطها المعقدة .. لكنها اليوم ليست في أحسن أحوالها و حلفاؤها كذلك و شبكة التوازنات تلك قد يتسبب أي خرق لها بإرباك عظيم يرغمها على اتخاذ إجراء غير معتاد .. صحيح أنها قد تستخدم قوتها الهائلة لتردع اي محاولة للمس باستقرار هيمنتها لكن الفرصة مواتية لتكبيدها خسارة بشرية و معنوية كبرى تتسبب بلفت أنظار الداخل الأمريكي و الغربي المتقلقل أصلا و المنشغل بمواجهة ما تسببت العقوبات و الحرب الروسية من ظروف لم يعتد عليها ..
الرهان على الزمن و الإبقاء على تلك التوازنات هو اللعبة التي تتقنها أمريكا و هي ليست في صالحنا .. ليس سلما ما نعيشه و ليست حياة هذه التي نكابدها .. الحل الوحيد هو انطلاق مقاومة لا لجس النبض و لا لإرسال رسائل تنتظر الرد و إنما جدية تخرق الخطوط الحمر و قواعد الاشتباك ..
يكاد الاحتلال الامريكي أن يترسخ كواقع لا حيلة لنا في تغييره و لا إرادة .. حقيقة مخيفة يساهم إعلامنا في نقش خطوطها في لاوعينا .. إعلامنا صورة كئيبة عن حال إرادتنا أو إرادة القيمين عليه الذين ما زالوا يراهنون ربما على فرصة تهبها لنا أمريكا
