رغم كل ماقيل عن تراجع روسي في اوكرانيا لكنني لم أفهم لماذا يفهم التحرك الروسي على انه هزيمة؟ من الواضح ان الروس أخلوا مواقع ولم يتعرضوا لهزيمة عسكرية .. فهناك ادراك روسي لتحرك الهجوم المضاد الاوكراني على انه استغلال للفارق في الحشد البشري .. ففي منطقة فيها اقل من 5000 عسكري روسي كان هناك تحشيد ل 30 ألفا جندي اوكراني على الاقل ويقال ان العدد وصل الى 60 الفا فقط لتحقيق نصر اعلامي وتلفزيوني ومعنوي .. وفي حالة الالتحام لادور لسلاح الجو والمدفعية لكسر خلل التوازن .. ولذلك فان الخطوة المتوقعة هي الاخلاء لان الاشتباك سيكون مكلفا بلا مبرر ..
والاهم ان طريقة الاخلاء الروسية غريبة فهي بدت تسليما لمناطق اوكرانية دون حدوث اشتباك مباشر والتحام عنيف دموي بالقوات .. ولم نشاهد في كل مشاهد النصر الاوكرانية جثث مئات الجنود الروس ومئات الدبابات .. مما قد يشير الى احتمال ان هذا الجيب الذي تم فتحه لتدفق القوات الاوكرانية هو استدراج لكتلة بشرية وعملياتية قوية للاجهاز عليها عندما تتمدد كثيرا وتخرج من تحصيناتها وخطوطها وهي من دون غطاء جوي .. فالقوات الاوكرانية متحصنة ويريد الجيش الروسي اخراجها من تحصيناتها .. ويجب اخراجها لتذوق العسل الروسي في انتصار تلفزيوني عزيز .. ولكن الحلقات القادمة فيها أثارة كما يبدو ..
وكأن هذا الهجوم الاوكراني المعاكس يجب ان يسمى تطوير الهجوم .. ويذكرنا بما فعله أنور السادات في خطته العبقرية التي سماها تطوير الهجوم فكانت وبالا على الجيش المصري الذي كان انتصر وعبر فاذا بعبقرية السادات تحوله الى جيش محاصر .. فالسادات الذي توقف عن الاندفاع نحو قلب سيناء بحجة غياب حائط الصواريخ أبلغ الامريكيين أخطر رسالة وأخطر سر عسكري من انه لاينوي الاندفاع بعد 24 ساعة مما طمأن الاسرائيليين الى انهم في متسع من الوقت لفرملة الهجوم السوري الخطر شمالا والاستعداد لملاقاة المصريين بعد ذلك .. وهذا ماكانت اسرائيل تنتظره فكان هذا الوقت هو ماساعدها على استدعاء الاحتياط وايقاف التمدد السوري شمالا ثم نقل القوات الفائضة الى جبهة سيناء .. وهنا قرر السادات في الزمن القاتل واللحظة القاتلة تطوير الهجوم أمام حشود عسكرية اسرائيلية كاملة و900 دبابة كانت بعيدا عن الحدود والاشتباك قبل ذلك .. فاعترض الضباط المصريون .. ولكن السادات العبقري أصر على تطوير الهجوم وخسر في أول فقط يوم 250 دبابة .. ثم توالت الخسائر الى ان انكشفت ثغرة الدفرسوار التي توقعها المصريون قبل الحرب .. وكان ماكان ..

أرجو الا ننساق الى الوقوع في الدعاية الغربية التي تحتفل وتوزع الانخاب والحلويات بل ان الاعلام الغربي يوزع عناوين اخبار من مثل: بوتين انتهى .. والروس يستوردون السلاح ويستعملون أسلحة من مستودعات الحرب العالمية الثانية .. والجيش الروسي بلا ذخائر .. رغم ان الجيش الروسي لديه 23 ألف دبابة ولديه ذخائر تكفي لخوض حرب لعشرين سنة قبل ان تنفذ ذخائره ..
ولن ننسى كيف كان الاعلام الغربي في حرب الشيشان يتحدث عن عبقرية المحاربين الشيشان في اختراق الحصار الروسي على غروزني والخروج من الحصار بأعجوبة عسكرية تدل على غباء الجنرالات الروس الذين خرج المقاتلون الشيشان من الحصار تحت أبصارهم .. وتبين ان الثغرة التي فتحت في غروزني كانت تنتهي الى حقول ألغام روسية تنتظر المقاتلين للاجهاز عليهم بعد ان أغلق طريق العودة .. وأن الممر الذي فتح كان خطة روسية لاخراج المقاتلين الشيشان من المدينة بدل مقاتلتهم داخلها ثم قتلهم في حقول الالغام ..
كما كان العدو يحتفل في مدننا الساقطة وكان بعضنا يصاب بالغم والهم وهو يرى احتفالات الارهابيين وتكبيراتهم وقوافل الدوشكا دون أن يدري ان كل ارهابي احتفل ورقص بالبنادق في ساحات مدننا سيرحل في الباصات الخضراء او سيرحل الى السماء .. كذلك سيحتفل الناتو بأخبار المعجزة الاوكرانية .. وسيشرب الانخاب وسيلتقط الصور التذكارية .. ولكن الحرب الروسية الناتوية هي الحقيقة .. فالناتو كله يحارب روسيا بكل ثقله التقليدي ..وروسيا تدرك ان عليها استدراج الناتو الى ماتريد من معارك وليس الى مايريد من معارك .. وروسيا الدولة التي تذوقها نابوليون وهتلر .. سيتذوقها الناتو على مائدة أوكرانيا .. والعبقري زيلينسكي الذي طور الهجوم سيعرف ماذا يعني تطوير الهجوم .. اذا لم يكن لديه غطاء جوي ..