آراء الكتاب: قال أبو غزالة قال الإله !!! – بقلم: محمد العمر

في ستينيات القرن الماضي فاز فلسطيني ببطولة عالمية لألعاب القوى و قامت المنظمات الصهيونية بشراء جميع النسخ التي كانت ستنشرها المجلة صاحبة الحق الحصري بتغطية أخبار البطولة و أحرقتها لتمنع تداول اسم فلسطين عالميا و وجود أسماء فلسطينية مبرزة في أي من الأنشطة الإنسانية .. منذ مدة قامت معركة شبه صامتة لحذف اسم فلسطين من خرائط ” غوغل ” .. هذه الأيام صار من الممكن لأسماء فلسطينية و عربية أن تنتشر على نطاق محدد مسبقا في الإعلام و منسجم مع الرؤية الصهيونية .. كأن نسمع خبرا عن محمود عباس و مبادرته لجمع تبرعات لمنكوبي باكستان .. و مشاركة ابن سلمان بغسيل الكعبة ..
يذكرني طلال أبو غزالة حين كان يحاضر فينا بالأمس بما كان يحدث ” أيام زمان ” و حتى هذه الأيام حين يوفد شخص من قبل القيادات العليا الحزبية ” شعبة أو فرع أو قيادة قطرية ” ممثلا عنها لحضور فعالية معينة و كان الرفاق يحيطونه بآيات الإكبار و التبجيل كإيقونة ثمينة فيمتلئ ثقة و عظمة و ينقل لهم تحيات القيادة تحت وابل من التصفيق و الهتاف .. ثم يبدأ بقراءة أوراق يحملها و الحاضرون يتشربون ما يتلوه حرفا حرفا .. حالة الخضوع التام لمن كانوا في ” الأعلى ” أو الممثلين عنهم حالة مرضية ثابتة لدينا .. يغيب فيها الوعي و تتركز الحواس على الصورة و المثال حتى ليشعر المتلقي بقدرته على القفز عشرة أمتار في الهواء تعبيرا عن التزامه .. هذه الحالة يمكن لحظها بكثرة في الحلقات الإيمانية التي يعقدها الشيوخ يكون فيها المريد مستعدا للهجوم على الكفار حيث يشير له سيده حتى لو كان قبل لحظة يستمع لوصايا شرب بول البعير أو جواز نكاح من كانت في المهد ..


سنة ٢٠١٨ قدم لنا أبو غزالة على أنه مثال عن الإنسان العربي المتفوق و نجاحه يمثل آمال الشباب الطموح .. هذا بعض ما قالته الرفيقة بثينة شعبان ..
في الأمس نصحنا بمتابعة التحول الرقمي و حث الشباب على زراعة كل متر من الأرض .. كان بهيئة الواعظ العطوف و كان الحاضرون كماعز أليف و هم يتلقون الهبات .. نصائحه ظهرت في وسائل الإعلام التابع أفضالا و عبقرية بينما دراسات و مناشدات عشرات السوريين المخلصين من أصحاب الباع الطويل الأكاديمي و العملي في مجالات الزراعة و الصناعة و السوق كانت تذهب أدراج رياح الإهمال الحكومي و الإعلامي طوال عشر سنوات ..


في مؤتمر العار العالمي للتحول الرقمي الثالث الذي عقد منذ سنتين في دمشق و حضره كثير من دول الحرب و الحصار دعما لنا في سعينا لبلوغ مجد الرقمنة .. أبو غزالة قال ببلاهة ” طالبت بايدن و أعضاء في الكونغرس بسن تشريعات تلغي الضرائب المتعلقة بشركات الإنترنت .. و اعتبره الماعز جرئيا و مناضلا و لم يخطر لأحدهم أن يسأله لماذا لم يسأل بايدن عن حال فلسطين وطنه و شرفه المنتهك ليل نهار و عن قرارات مجلس الأمن المتعقلة بالاحتلال و عن حال قطاع غزة المحاصر و عن اللاجئين و الأسرى .. فيما مضى كان الفخر حيث العمل لأجل الوطن و لأجل فلسطين اليوم صرنا نباهي بلهاثنا للحاق بركب الرقمنة كتبع لا كمبدعين و عبيد لا كأسياد .. في ظل الحصار الجائر و ندرة الموارد نقنن الخبز و غيره من أساسيات الحياة و نصرف ببذخ على مشاريع الأتمتة لنكون ربما من المرضي عنهم .. إن سعينا المحموم لإحكام أنشوطة الرقمنة حول أعناقنا تثير الكثير من الأسئلة و الاشمئزاز ..
ما نزال نتغنى بفهمنا للتاريخ و إحاطتنا بأحداثه و خباياه و فهم عدونا و جهوزيتنا للتصدي لخططه و لا نسأل كيف لفلسطيني أو عربي أن يرتقي مدارج المجد العالمي .. في عالم حتى الجراثيم و الأوبئة لا يسمح لها بطفرات عشوائية صار فيه أبو غزالة الطفرة المبهرة في المستنقع العربي الآسن ..
حتى جامعة حكومية مرموقة كجامعة دمشق تفتح له فرعا باسمه و شروطه ..


هامش .. يمكن مراجعة قصة خالد مشعل و دخوله سورية و استقراره و قصة عزمي بشارة و حتى قصة ” إيلي كوهين و دخوله سورية و استقراره .. لعل تلك المراجعة تنفخ بعض الروح في ذاكرتنا الملتزمة المقززة

هذا المنشور نشر في المقالات. حفظ الرابط الثابت.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s