صارت الصلوات في عواصم الخصوم هي من الرموز المحببة لي منذ أن قرر اردوغان انه سيصلي في الجامع الاموي .. ولم يجرؤ ان يذكر يوما المسجد الاقصى كي يصلي فيه .. ولكن المهم ان الصلاة في دمشق صارت تعني الكثير له ولغيره .. تعني انتصارا ونهاية للحرب .. ولذلك فانني صرت أستعير هذا القول لأطبقه في كل معركة وحرب .. وأقول ان على كل منتصر ان يفكر في صلاة تخصه في جامع او كنيسة كي يعلن فيها انتصاره .. وعدم القدرة على الصلاة يعني ان صاحبها في خسران مبين .. ومن هنا اقول بأان بوتين هو الذي انتصر في المواجهة مع الغرب في سورية .. وهو الغريب الذي زار دمشق .. وصلى فيها مع حليفه القوي الرئيس بشار الأسد دون كل القادة الذين تمنوا ان يصلوا فيها بأي ثمن معلنين انتصارهم في تلك الصلاة .. فقد صلى بوتين في الكنيسة المريمية بالقرب من الجامع الاموي الذي زاره أيضا حيث كان من المفترض ان اردوغان يريد ان يصلي فيه .. وكان أردوغان يشمر ساعديه ويعد نفسه للصلاة في كل مساء واثر كل معركة ..
وفي معركة أوكرانيا فان بوتين الذي صلى في دمشق لابد ان يفكر في الصلاة في احدى كنائس كييف كحركة رمزية للنصر .. بعد ان اشتد اوار الحرب .. وصارت الصلاة في العواصم رمزا للانتصار كما قدمها لنا أردوغان الذي ويا لسخرية الاقدار لم يصل الى اي عاصمة أراد ان يصلي بها .. فعلا يا لسخرية الاقدار ان يصل الاخرون الى كل العواصم التي أعلن ان يصلي فيها ..
ليس بوتين هو الرجل الذي يستدرح بالاستفزاز .. بل كل تاريخه يقول انه رجل لايدخل صراعا الا ويكون قد حسب كل خطوة فيه .. ولذلك فانه في معركة أوكرانيا يدرك ان كل الغرب يعمل في اوكرانيا لأنها قريبة من القلب الروسي .. ويبدو واضحا ان الاستعداد الاقتصادي الرفيع في روسيا كان ثمرة تفكير انيق ومتأن في رد الفعل الغربي وتداعياته على روسيا وانه سيكون أهم مايتسلح به الغرب لقهر روسيا الناهضة من بين حطام البيريسترويكا ..


الاستعداد الاقتصادي لايمكن الا ان يكون منسقا مع استعداد عسكري وقراءة لكل الاحتمالات .. والاحتمال الذي لايمكن ان تخطئه القيادة الروسية واستخباراتها ومعاهدها الاستراتيجية هي ان اميريكا كانت تصب جهدا خارقا للاستيلاء على اوكرانيا .. وتحركها في انقلاب اوكرانيا عام 2014 هو الذي اخذ الروس على حين غرة ولم يكونوا مستعدين لرد فعل مساو في العنف .. كما أخذوا في الربيع العربي عندما تم الاستيلاء على الامم المتحدة والجامعة العربية واستصدار قرارات عمياء أطاحت بحكومات كانت قريبة من روسيا .. ويالفعل فان روسيا لم تكن جاهزة لاستيعاب الهجوم الغربي العنيف في اوكرانيا وعلى الشرق العربي .. واكتفت بالموقف الديبلوماسي الى ان نضجت عوامل الرد في عام 2015 وبدأ الرد في سورية .. وبدا ان الروس درسوا الرد في سورية جيدا ونجحوا في الاطاحة بالمشروع الاميريكي بأقل الخسائر عبر الاطاحة بداعش والقاعدة في سورية وتكاملوا مع ايران التي أطاحت داعش في العراق ..
اليوم من الواضح ان الروس عندما تحركوا في اوكرانيا في شباط الماضي فانهم اخذوا قرارا بأن يكون تحركا محدودا في محاولة لتقليل الشعور بالهلع في اوروبة وفي الغرب كما يتوقع ان تثيره اميريكا على انه طموح روسي لابتلاع اوروبة .. فدخلوا بقوات محدودة للغاية لاتكفي الا لانتزاع شريط ضيق في أطراف اوكرانيا .. وهذا العدد المحدود في الحشد العسكري كان أشبه برسالة طمأنة للغرب ان الغاية الروسية هي اقليمية وليست لابتلاع اوروبة وسموها عملية عسكرية وهي ليست لاثارة الذعر في اوروبة لان اوكرانيا تحتاج لاجتياحها نصف مليون جندي على الاقل بسبب المساحة الهائلة والعوائق الطبيعية ..
ومن الواضح ان الروس كانوا يدرسون ردود الفعل الغربية وهم على دراية ان الاميريكيين قد يأخذون مسار الصراع الى مايشبه الحرب او حرب الاستنزاف .. ولكن كان هناك داخل روسيا من يرى ان على روسيا ان تحاول ماتستطيع ان تنزع من يد الاميريكيين القدرة على اثارة الذعر في اوروبة .. ولذلك كان الروس يتقدمون بهدوء ويتريثون في استعمال القوة المفرطة وكانوا مصرين على عدم ايذاء المدنيين ماأمكنهم كي لايثير ذلك الاوكران المحايدين على الاقل ..
هذا السلوك الروسي المطمئن الذي كان يرى ان هذا الهدوء قد يجعل اوروبة اقل طواعية بيد اميريكا لم يكن موفقا او على الاقل كان نوعا من الرهان القابل للنجاح او الفشل .. وتبين ان اوروبة لاتزال محتلة في سيادتها وقرارها منذ الحرب العالمية الثانية .. وان الرهان على ذلك صار اضاعة للوقت .. وكانت المواجهات الاخيرة التي كانت رسالة امريكية للروس .. فالامريكان ركزوا هجومهم على الاستراتيجية الروسية التي تعتمد الهدوء في المواجهة وعدم نقل النزاع الى مستوى الحرب وابقاء الحشود العسكرية ضمن حدها الادنى .. ولذلك فانهم اختاروا ان يضربوا روسيا في قلب هذه الاستراتيحية .. أي انقضوا على المنطقة التي قللت روسيا فيها من تواجدها العسكري لالايحاء انها لاتريد الاقتراب من العاصمة كييف وقالت من خلال عدم نشر قوات ضخمة انها غير معنية باخافة اوروبة او اعطائها الانطباع ان التهويل الاميريكي مبرر وان الاستيلاء على كييف هو هدفها .. وان بامكان اوروبة ان تثق ان روسيا لاتريد مشروعا امبراطوريا بل تريد حصتها وحقها من الامن القومي الذي صار مهددا جدا ..
عرف الروس من الحشود الاوكرانية منذ اسابيع ان اميريكا ترفض الرسالة الروسية وان اوروبة لاتقدر على قبولها بسبب اميريكا .. فعندما بدأ الهجوم على خاركيف .. قرر الروس الانتقال الى الخطة ب وهي الانتقال الى المستوى الثاني وهو ليس مجرد تدمير القدرات العسكرية الاوكرانية بل اقتلاع كل الجيش الاوكراني عن بكرة ابيه والاستيلاء على كل ماتصل اليه القوات الروسية واجبار اميريكا واوروبة على تسليم اوكرانيا والا فان الحرب النووية هل كل ماتبقى في الخطة ..
انسحاب روسيا كان واضحا انه لاستيعاب الهجوم الغربي والانتقال الى الخطة ب .. والسماح للقوات الاوكرانية بالدخول في حقل يناسب المرحلة الثانية من الحرب .. فاستدعاء 300 ألف عسكري بتخصصات نوعية فريدة يعني ان الخطة أ انتهت والروس انتقلوا الى الخطة ب التي خصصت في حال عدم استيعاب الغرب لرسالة الطمأنة الروسية والتي استنفذت مدتها كاملة ..
روسيا تجهز الان جيشا مما يقارب نصف مليون مقاتل .. وهذا الحشد لم تعد مهمته مقاطعتين اوكرانيتين وشريطا ساحليا .. من الواضح انه لن يتوقف الا في كييف نفسها .. هذه هي عادة الروس عندما يغضبون لايحبون ان يستريحوا الا في العواصم التي يقاتلونها .. وعندها تنتهي الحرب .. فعلوها في برلين يوما .. وسيفعلونها في كييف قريبا ..